الصوم ونتفليكس: رمضان في أوقات كورونا
١٦ مايو ٢٠٢٠"من المهم الاحتفال في رمضان مع الأسرة"، يقول الأب السيد باج خلال وجبة الإفطار، عند هذه الأسرة البرلينية خلال شهر رمضان، الذي يستمر هذا العام حتى الـ 23 من مايو/ أيار. هناك مأكولات لذيذة وطبخ بسيط مكون من ثلاث وجبات. وحتى أثناء الإفطار تغير الكثير. "فهو في الحقيقة فرصة للالتقاء"، يقول الأب سليمان باج. ففي شهور رمضان الماضية، كانت العائلة تستقبل على الأقل في أمسية واحدة كل أسبوع ضيوفا لتناول الطعام جماعيا. وفي أمسيات أخرى تُحيا صلة الرحم مع عائلات صديقة أخرى. "كل هذه العادات أُلغيت هذه السنة. وهذا محزن"، على حد قول السيد باج البالغ من العمر 52 عاما. وهو مضطر للبقاء مع وزوجته لطفية والأبناء سليم وأنس إضافة إلى البنت رمايسة طوال النهار في البيت. وحتى االصلاة في لمسجد لم تعد ممكنة.
الاستعداد "للجوع التطوعي"
اليوم طويل عند عائلة باج التي استيقظت قبل الساعة الثالثة صباحا بقليل للسحور وأداء صلاة الفجر. ومن شروق الشمس إلى غروبها لا مجال للأكل أو الشرب. فهناك، كما يقول الأب في الاسلام فلسفة "الجوع التطوعي" التي تعود إلى زمن رسول الإسلام. وكما هو الحال لدى الكثير من المؤمنين، فإنه يصوم قبل أياما قبل رمضان، استعدادا لاستقبال الشهر الكريم. "إذا كانت معدتك خاوية، فإن قلبك يكون خفيفا".
القلق على الوالد
وعندما سألناه عن سكناه، رد بسرعة: من غلزنكيرشن. قدم سليمان باج إلى هذه المدينة وعمره لا يتجاوز سبع سنوات رفقة والديه من تركيا. تمكن من اكتساب أصدقاء والتحق بالمدرسة وانتقل ليشتغل مثل الكثيرين في المناجم. وعندما يتحدث عن والديه ينتابه شيء من الحزن ويحكي عن والده البالغ من العمر 74 عاما الذي يتوجه ثلاث مرات في الأسبوع لمركز صحي من أجل تطهير الدم. وأحد المرضى أصيب بفيروس كورونا، ولذلك وجب على الوالد المكوث في الحجر الصحي لأسابيع. "كنا نخشى على حياته"، يقول سليمان. وزوجة باج جاءت إلى المانيا عام 1989 ولا تتقن الألمانية. أما الأطفال الثلاثة فهم إما يدرسون في الجامعة أو يتابعون تكوينهم المهني.
وجوابا على السؤال من يشاهد نتفليكس، تُرفع اليد الأولى ثم الثانية والثالثة. "ليس دائما، فقط أحيانا"، تقول البنت. "أنت تشاهدين أكثر من مرة"، يرد الشقيق الأكبر الذي تولى رفع الأذان، وبعدها يتقدم الأب لإمامة الصلاة.
ولم يكن أحد يتوقع أن يسود الهدوء شهر رمضان بهذا الشكل غير المعتاد هذه السنة بسبب كورونا. وفي مدن المانيا تُنظم مظاهرات مناهضة لإجراءات الحجر الصحي، لكن لا توجد مظاهرات مضادة من قبل ملايين المسلمين في ألمانيا.
تنويه من الرئيس الألماني
والأحد الماضي تقدم الرئيس الألماني بالشكر للكنائس والمجموعات الدينية الأخرى لالتزامها بإجراءات محاربة كورونا. فمن البداية كان تعاملها مسؤولا وحكيما. وهناك فيض من العروض الرقمية على الانترنت بشأن صلاة الجمعة والخطب والمحاضرات. بدوره، عبر الأمين العام للمجلس المركزي للمسلمين، عبد السلام اليزيدي عن دهشته من الانضباط في أوساط المسلمين."كنت أتوقع أن جزء كبيرا من المسلمين بسبب سيتقيد بقواعد الحماية الصحية"، يقول اليزيدي لـDW. "لكن أن يصل الحال لهذا الانضباط، فهذا أدهشني. هم يعرفون مسؤوليتهم ويتحملونها".
بين الوحدة والتكاثف
عودة إلى مائدة إفطار عائلة باج في شمال برلين. والكلام يدور الآن حول مسجد في جنوب المدينة حيث تجمع مئات المسلمين في بداية رمضان عكس التوجيهات ـ وهي الحادثة الوحيدة في برلين. وبسبب إغلاق المسجد سُمح برفع الأذان عبر مكبرات الصوت في الخارج. وبات الإفطار في زمن كورونا يتم في أجواء حزينة، لأنه "لا يمكن استقبال ضيوف، لكن لحسن الحظ هناك العائلة". ويلاحظ المرء الوحدة والعزلة، لكن الشعور بالتكاثف قائم. "وربما سيبقى هذا الإفطار في الذاكرة"، كما يقول سليمان عند وداعي. "كنت أنت الضيف الوحيد خلال هذه الأسابيع الأربعة".
كريستيان شتراك/ م.أ.م