الطريق إلى الكابيتول- كيف خطّط أنصار ترامب ليوم الاقتحام؟
٧ يناير ٢٠٢١لم يسبق أن تمّ اقتحام مبنى الكابيتول في التاريخ الأمريكي الحديث من قبل المتظاهرين. الأمر ليس مجرّد ثغرة ألقت باللوم على ضعف الحراسة رغم التحذيرات، ولكنه مثل ضربة موجعة للديمقراطية في أمريكا. غير أن العملية لم تكن مفاجئة، فالتحريض الذي قام به الرئيس المنتهية ولايته على التظاهر منذ تأكيد هزيمته أمام بايدن كان يشي أن الولايات الأمريكية ستكون على صفيح ساخن إلى حين تسلّم جو بادين مهامه.
وتعود جذور مظاهرات اقتحام الكونغرس إلى الحركات التي ظهرت على الانترنت بعد يوم بدء ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية، ومنها مجموعة "أوقفوا السرقة' التي أنشأت يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني للاحتجاج على النتائج الأولية وأغلقتها فيسبوك بسرعة بسبب نشرها معلومات مضللة وتحريضا على العنف ونظريات المؤامرة، وفقاً لنيويورك تايمز، لكن عددا من قيادييها، كالناشط اليميني علي أليكساندر، نشطوا في الدعوة لمظاهرات يوم 6 يناير/كانون الثاني.
غرف الصدى.. ملتقى رافضي النتائج
" إذا لم تكونوا مستعدين لاستخدام القوة لحماية الحضارة، فاستعدوا إذن لقبول البربرية"، كتب أحد أعضاء حركة "ريد ستايت سيكيشون" على مجموعة في فيسبوك عشية يوم الهجوم على مقرّ الكونغرس، وفق ما تنقله نيويورك تايمز. وقد قام فيسبوك لاحقًا بوقف جميع حسابات ومجموعات هذه الحركة، وهو الأمر ذاته الذي نهجه تويتر، وتبين أن عددا من أعضائها كانوا يشجعون على نشر العناوين البريدية لمن يسمونهم بـ"الأعداء"، ومنهم قضاة وسياسيين.
وتشير الصحيفة إلى أن تعليقات المنضويين تحت هذه المجموعة كانت تنشر صورًا للأسلحة التي يقولون إنهم سيستخدمونها في يوم الهجوم، كما كانت هناك تعليقات تؤكد نية عدد من أنصار ترامب في احتلال مبنى الكابيتول لأجل دفع الكونغرس إلى عدم التصديق على فوز بايدن بالرئاسة.
وينقل المصدر ذاته عن ريني ديريستا، الباحثة في الحركات الرقمية، قولها إن الهجوم على الكابيتول كانت نتيجة حركات رقمية تعمل في فضاءات مغلقة بوسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنشط بقوة مزاعم تزوير الانتخابات. وتتابع الباحثة: "ما جرى هو إظهار للتأثير الحقيقي لما يعرف بغرف الصدى (مفهوم يتعلّق بالفضاءات الرقمية المغلقة التي تجمع عددا محدودا من الناس لديهم الأفكار ذاتها).
تحذيرات مبكرة
وفي تقرير بتاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول، ذكرت الواشنطن بوست أن معارضي ترامب والمتظاهرون ضد الفاشية طالبوا من المسؤولين وأصحاب المال في واشنطن بذل المزيد لأجل منع تقدم أنصار ترامب الذين انتهكوا الكثير من قيود كورونا، كما طالبوا بإغلاق الفنادق أمامهم، غير أن ذلك لم ينجح، إذ ذكرت الكثير من الفنادق أنها لم تعد تتوفر على أسِرّة فارغة في ليالي المظاهرات، وهو أمر لم يكن معتادا في هذه الفترة من العام.
ويذكر تقرير الواشنطن بوست أن هناك أربعة مسيرات حاشدة على الأقل رغب أنصار ترامب بتنظيمها للزحف إلى واشنطن، ممّن تزعموها هناك جورج بابادوبولوس، مستشار دونالد ترامب السابق في التحقيق بشأن تدخل روسيا في انتخابات 2016، وروجر ستون أحد المستشارين الأوفياء لترامب وحليفه التقليدي. وركزت الحملات على هدفين: مقر الكابيتول، وساحة الحرية، لكن الأشهر بينها كان سباق "احمِ أمريكا".
غير أن التجمعات الرقمية التي نادت بالتظاهر، عجت بالتعليقات المحرضة على العنف، وتهريب الأسلحة إلى منطقة التظاهر بل والدعوة إلى "مخيم مسلح". وطالبت مجموعات متطرّفة يمينية بالمشاركة في المظاهرات كحركة "الأولاد الفخورون"، كما نشطت حركة "نساء من أجل أمريكا أولاً" اليمينية في الدعوات، وظهرت كذلك حركة "المظاهرة الجامحة"، ومجموعة "تحالف 80 بالمئة" التي طلبت ترخيصا بمشاركة حوالي 10 آلاف شخص، وفق الواشنطن بوست.
ما هي مسؤولية ترامب؟
منذ ساعات إعلان النتائج الجزئية، وتقدم بايدن في عدد من الولايات، وترامب يوزع الاتهامات بالتزوير والغش، مؤكدًا رفضه الإقرار بالهزيمة، قبل أن يشرع لاحقا في تحريض أنصاره على التظاهر في يوم التصديق على النتائج، ومثال ذلك ما كتبه يوم 19 ديسمبر/كانون الأول عندما غرّد على تويتر: "مظاهرات كبيرة في واشنطن يوم 6 يناير.. كونوا هناك، المظاهرات ستكون جامحة".
بقي ترامب في الأيام الموالية يذكر بموعد المظاهرة، وقبل اندلاع المظاهرات، هاجم ترامب بقوة نائبه مايك بنس بعد رفض هذا الأخير نقض فوز جو بادين، وكتب أنه "لا يملك الشجاعة لحماية البلد والدستور"، وهي التغريدة التي حذفها تويتر إلى جانب عدة تغريدات من ترامب اعتُبرت تحريضية.
لكن ترامب لم يتوقف حتى وهو يرى المظاهرات في واشنطن بدأت في التجمع، وأدلى بتصريحات جديدة قائلا فيها "لن نستسلم.. لن نتنازل أبدا عندما يكون هناك موت.. لن نتركهم يُسكتون أصواتنا"، محاولا الضغط على الكونغرس لوقف التصديق على النتائج، زاعما أن لديه سند قانوني بحدوث تزوير، رغم أن المحاكم الأمريكية التي رفعت أمامها قضايا تزوير لم تؤكد هذه المزاعم.
ورغم أن ترامب دعا أنصاره الغاضبين إلى العودة إلى منازلهم، إلّا أنه لم يدن أحداث العنف، وهو ما أشارت إليه منظمة هيومن رايتس ووتش، التي ذكرت أن محاولة احتلال مبنى الكابيتول هي "تتويج لحملة طائشة قام بها الرئيس (ترامب) وداعميه لتقويض العملية الديمقراطية وسيادة القانون منذ الهزيمة التي مني بها. يجب محاسبتهم على هذا".
إسماعيل عزام (مواقع إلكترونية)