إجراءات استثنائية لمساعدة الطلبة السوريين في كولونيا
٢٥ ديسمبر ٢٠١٢تتجمع مجموعة من الطلبة السوريين أمام المبنى الرئيسي لجامعة كولونيا الألمانية للفت الأنظار إلى الأوضاع السيئة التي يعيشها أهاليهم في سوريا من خلال تنظيم "فلاش موب"، وهي تظاهرة مخطط لها مسبقا ولكن لم يعلن عنها من قبل. ومثل مجموعة من المسرحيين يحاول الطلاب تمثيل مشاهد مختلفة من سوريا: أحدهم يجلس على ركبتيه على الأرض والآخر يوجه فوهة سلاحه إلى رأسه، وامرأة تحمل على ذراعية رضيعا مكسوا بالدماء. وآخران يرتديان ملابس عسكرية يقمعان صحفيا. في غضون ذلك، هناك شخص آخر يوزع على الطلاب والمارين منشورات تتضمن معلومات حول سوريا والنظام فيها. هؤلاء هم بعض الطلبة السوريين المسجلين في جامعة كولونيا الألمانية والبالغ عددهم 43. وقد أصبح جزء منهم ينشط في إطار مجموعة "الطلبة السوريين الأحرار" منذ مطلع شهر شباط/فبراير.
قلق من أجل الأهل وضغوط نفسية
ويروي الطالب السوري آلان جرويش، أن نحو نصف الطلبة السوريين المسجلين في جامعة كولونيا يحاولون لفت الأنظار إلى الأوضاع في بلادهم. "أما النصف الآخر من الطلبة فيخشى أن تتعرض أسرهم وعائلاتهم في سوريا لضغوط نتيجة نشاطهم السياسي". آلان جرويش، هو واحد من النشطاء السوريين الذين يدرسون الطب في جامعة كولونيا، على غرار أغلبية السوريين الذين يأتون للدراسة إلى ألمانيا والبالغ عددهم 2300 طالب. ومثل السواد الأعظم منهم فإن الوضع في وطنه يؤرقه ويتسبب له في ضغوط نفسية هائلة. "ما يجري في سوريا يؤلمنا جدا. مقاطع الفيديو التي نجدها في الانترنت تظهر مشاهد في غاية البشاعة والوحشية، الأخبار سيئة جدا."
ويمضي آلان ورفاقه غالبية أوقاتهم في متابعة الأخبار عبر فيسبوك وتوتير وشاشات التلفزيون لمعرفة التطورات في بلادهم، شغلهم الشاغل هو معرفة ما يحدث في سوريا وأخبار أهاليهم وذويهم وأصدقائهم. وما يزيد الطين بلة أنهم لا ينجحون دائما في الاتصال بأهاليهم عبر الانترنت أو الهاتف. وإذا ما نجحوا في ذلك فلا يمكنهم الحديث بكل حرية خوفا من المراقبة. وفي ظل هذه الضغوط النفسية والخوف على الأهل والوطن يجد الطالب نفسه ممزقا وعاجزا عن التركيز على الدراسة. ويشكو آلان قائلاً: "لم أستطع الدراسة والتحضير للامتحانات منذ سنة بأكملها".
بين ضرورة التركيز على الدراسة والمشاكل المالية
كما يواجه الطلبة السوريون مشكلة أخرى، إذ أن العديد منهم لم يعد لديهم المال الضروري للعيش، فعلى الرغم من أن أغلبيتهم ينحدرون من عائلات ميسورة، يمكنها أن تتحمل نفقات دراسة أبنائها في الخارج، إلا أن الوضع الاقتصادي والأمني السيئ في سوريا قد أثر عليها ولم يعد بإمكانها تحويل المال إلى الخارج. ويقول أحمد الراوي إنه "لم يعد لديه أي دعم مالي منذ عام بأكمله." الأمر الذي دفع أحمد وعددا من زملائه إلى العمل إلى جانب الدراسة، التي تتطلب منهم في الواقع جهدا وتركيزا كبيرين. ويسمح لهم القانون، الخاص بالطلبة الأجانب في ألمانيا، بالعمل لمدة 90 يوما فقط في السنة لا أكثر، ذلك أنه من المفروض عليهم أن ينهي دراستهم سريعا. كما يتعين على الطلبة الأجانب أن يثبتوا للسلطات الألمانية أن لديهم موارد مالية تمكّنهم من تغطية تكاليف معيشتهم ودراستهم وكذلك إثبات تقدمهم في الدراسة في مدة لا تتجاوز عشر سنوات.
إجراءات استثنائية مع الطلبة السوريين
ويوضح كارل-هانتس كورن، من مكتب التعليم العالي الخاص بالطلاب الأجانب في جامعة كولونيا، أن الهدف من وراء السعي لاتخاذ إجراءات استثنائية مع الطلبة السوريين هو الحيلولة دون سقوط الطلاب الأجانب "في تبعية للنظام الاجتماعي الألماني"، أي العيش من المساعدات المالية الاجتماعية المخصصة في ألمانيا للفقراء والعاطلين عن العمل لمدة طويلة.
فعندما أصبح بعض الطلاب السوريين بداية هذا العام عاجزا عن دفع تكاليف العيش في ألمانيا، مثل الإيجار والتأمين الصحي والرسوم الجامعية، تحرك كورن لمساعدتهم، حيث دعا المسؤولين عن الدروس في جامعة كولونيا إلى أخذ الظروف الصعبة التي يمر بها الطلبة السوريون بعين الاعتبار خلال الامتحانات. ذلك أنه لا يجوز لأحد مواصلة الدراسة إذا ما فشل في تجاوز الامتحان بعد ثلاث محاولات. وقد استجابت كليات كثيرة لدعوة كورن وأعربت عن استعدادها اتباع إجراءات استثنائية مع الطلبة السوريين.
كما دعا كورن السلطات الألمانية إلى عدم ترحيل الطلبة، الذين لم ينجحوا في دراستهم والذي يتعين عليهم مغادرة ألمانيا وفق للقوانين، قسريا إلى سوريا. بالإضافة إلى ذلك تم توفير مساعدات مالية لتجاوز الفترة الصعبة التي يمر بها الطلاب السوريون. ففي سياق متصل خصصت وزارة الخارجية الألمانية مليون يورو والهيأة الألمانية للتبادل العلمي كرست إضافة إلى هذا المبلغ نصف مليون يورو. وقد تم توزيع هذه المساعدات على الجامعات التي يدرس فيها الطلاب السوريون. لكن هذه المساعدات المالية محددة زمنيا وتنتهي بداية من شهر فبراير/شباط عام 2013. ولا أحد يعرف كيف ستتطور الأمور بعدها. ولكن آلان جرويش وزملاؤه السوريون يأملون في إيجاد حل دائم للأزمة السورية، وخاصة في "أن يسقط النظام في سوريا"، على ما يقول الطالب السوري.