الطموحات النووية العربية من منظور ألماني
٢١ ديسمبر ٢٠٠٧رغم وفرة مصادر الطاقة التقليدية كالنفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط بدأت العديد من دول المنطقة من بينها مصر تبدي اهتمامها متزايدا بالطاقة النووية. فقد أعربت مصر عزمها مؤخرا إقامة العديد من المحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية من أجل مواجهة النقص في الطاقة وتحقيق اكتفاء ذاتي في هذا المجال مستقبلا. وفي ظل هذه الطموحات توجه يوم أمس الخميس وفد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مصر للإطلاع على الأوضاع هناك.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الطموحات النووية المصرية ليست حديثة العهد. فالمساعي المصرية لإقامة برنامج نووي مشروع قديم بدأ منذ عام 1960 بمساعدة الإتحاد السوفيتي سابقا ودعم الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه تم تعليقه. أما اليوم فقد عرضت كل من فرنسا وروسيا مساعدتها على مصر لإنجاز هذا المشروع. غير أن هاينت بيتر بوت من جمعية سلامة المفاعلات النووية في كولونيا أعرب عن تحفظه تجاه هذه المشاريع خاصة فيما يتعلق بسلامة المفاعلات النووية في الدول النامية مثل مصر. فهذه الدول تفتقر في نظره إلى الكفاءات اللازمة، التي تضمن استغلالا آمنا لتكنولوجيا الطاقة النووية.
وخلافا لتلك الدول يوجد في ألمانيا حسب بوت نضوج بنية تحتية تقنية تشمل طواقم فنية عالية التأهيل سواء تعلق الأمر بالعاملين أو الكوادر المسيرة لتلك المفاعلات. ويرى الخبير أن الدول النامية "يجب أن تبدأ أولا في تكوين هذه الكفاءات" غير أن الطريق، في نظره مازال طويلا حتى يتم تحقيق ذلك.
مخاطر الرهان النووي
والطموحات العربية النووية تحمل معها في نظر عدد من الخبراء مخاطر تكمن في استغلال التكنولوجيا النووية السلمية لأغراض عسكرية. فرغم توقيع عدد من الدول على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية والتي تسمح باستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية فقط، لم توقع العديد من الدول على البروتوكول النووي الإضافي، الذي يعطي الوكالة الدولية للطاقة الذرية حق التفتيش المفاجئ على المنشآت النووية للدول الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. ومصر إحدى تلك الدول، التي رفضت التوقيع على هذا البروتوكول الإضافي بحجة أن دولة إسرائيل لم توقع هي الأخرى حتى الآن عليه.
من جهته، حذر الفيزيائي غوت نوينيك من معهد أبحاث السلام والسياسة الأمنية في هامبورغ من مخاطر انتشار التكنولوجيا النووية وقال في معرض حديثه مع موقع دويتشه فيله: "إنه سيكون، مثلما كان عليه الحال في السابق، من باب النفاق الاعتقاد بأن الطاقة النووية يمكن استغلالها بالأساس وفقط للاستخدام السلمي". فهو يرى أن هذه التكنولوجيا يُمكن استغلالها لأغراض عسكرية كذلك. كما دعا في هذا السياق إلى المراهنة على التكنولوجيا، التي تسمح بتوليد دائم واقتصادي لطاقة غير ضارة بالبيئة بدلاً من تكنولوجيا يمكنها، في حال سوء استخدامها، أن تدمر مدنا يقطنها الملايين من الناس.
مخاوف من الرهان النووي الإيراني
ويعزي نوينيك الاهتمام المفاجئ بالتكنولوجيا النووية في الشرق الأوسط إلى البرنامج النووي الإيراني، الذي قد يدفع الدول العربية في نظره إلى الاستعداد لمواجهة أسلحة نووية إيرانية. لكنه يعتقد أنه مازال الوقت سانحا للحيلولة دون انطلاق سباق تسلح نووي في منطقة الشرق الأوسط، ويقول: "لا تعد المشكلة الإيرانية سلبية إلى درجة يعتقد معها المرء أنه لم تعد هناك طرق سياسية أو تكنولوجية لإظهار أن امتلاك الأسلحة النووية كأداة ردع غير ضرورية".
وأشار الخبير في نفس السياق إلى ضرورة أن تشمل تلك الجهود أيضا الإمكانات النووية الإسرائيلية ويقول: "ينبغي على إسرائيل أن تفكر إذا ما كانت ترغب في أن تكون محاطة في المستقبل البعيد بجيران يملكون أسلحة نووية". علما أنه مازال من غير المعروف إذا ما كانت إسرائيل تملك أسلحة نووية.
الطاقة النووية وتغيرات المناخ
وفيما أيد نوينيك الاعتماد على الطاقة المتجددة، أعرب بوت بالمقابل أنه على المدى البعيد ونظر لظاهرة التغيرات المناخية لن يكون لدول مثل مصر بدائل أخرى عن استخدام الطاقة النووية، مع إشارته إلى أنه يجب قبل ذلك توفر مجموعة من الشروط. وطالب بوت في هذا الإطار بفصل منتجي الطاقة النووية عن مؤسسات الرقابة، فضلا عن توفير الكفاءات المختصة كما هو الحال في ألمانيا. إضافة إلى الاعتراف بقواعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية المنظمة لعمل المفاعلات. كما يرى الخبير أن تحقيق ذلك سيمنع الاعتراضات على برنامج نووي للأغراض السلمية.
أما نوينيك فيرى أن هناك حلول أخرى للمسألة النووية في منطقة الشرق الأوسط، عن هذا يعلق قائلاً: "إني أفسر رد الفعل العربي والدول الأخرى ناجم عن البرنامج النووي الإيراني. فحل المشكلة النووية الإيرانية، سيكون خطوة كبيرة إلى الأمام".