العالم العربي ـ نمو في السكان وفي المشاكل أيضاً
٢٠ أكتوبر ٢٠١٠ينظر إلى البلدان العربية عموما على أنها دول ذات نمو سكاني مرتفع. لكننا إذا أمعنا النظر في الموضوع، نلاحظ أن هناك تفاوتات كبيرة بين دولة وأخرى. فتونس ولبنان مثلا أنجزتا الكثير في مجال السياسة السكانية وحققتا التحول الديموغرافي، أي أنهما بلغتا مستويات خصوبة ووفيات منخفضة، مما يرفع معدل السن في كلا المجتمعين. وتلي هذه المجموعة سائر الدول المغربية التي وصلت إلى شوط متقدم جدا من التحول الديموغرافي، تتبعها بلدان لا تزال في مرحلة متوسطة من التحول الديموغرافي، مثل الدول الخليجية وسوريا والأردن. وما يميز هذه المجموعة هو كون نسبة الوفيات فيها انخفضت بشكل ملحوظ، غير أن معدل الخصوبة لم ينخفض مثلما فعل في المجموعتين السابقتين. وفي ذيل الترتيب تأتي الدول الفقيرة مثل جيبوتي والسودان والصومال التي تتميز بمستويات عالية في مجال الخصوبة والوفيات والزيادة السكانية معا.
إلى هذه المجموعة ينتمي كذلك اليمن. ففي اليمن، الذي يعد من أفقر الدول العربية، تبلغ الزيادة السكانية 3.6 في المائة سنويا، وتعد بذلك من أعلى النسب في العالم. ويرى حافظ شقير، مدير المكتب الإقليمي للدول العربية لدى صندوق الأمم المتحدة للسكان، في مقابلة أجرتها معه الدويتشه فيله، في زيادة السكان المرتفعة هذه، عائقا رئيسيا أمام تنمية البلاد. إذ أن هذه الزيادة تستوعب كل النمو الاقتصادي الذي يحققه اليمن سنويا . لذلك يحتاج اليمن، مقارنة بباقي الدول العربية ومقارنة بأهداف الألفية، إلى الكثير من الجهود ومن التمويل لإنجاز خطة للتنمية وجعلها تتماشى مع زيادته السكانية. ويستدرك شقير أن حكومة اليمن شاعرة بهذا، فهي تعالج قضية الزيادة السكانية في كل النقاشات وفي كل الخطابات السياسية على مستوى الرئيس أو على مستوى الوزراء.
لحقوق المرأة ومستوى تعليمها دور مهم في إنجاح التنظيم العائلي
إلى جانب المشاكل الاقتصادية تعاني كل الدول العربية من التغيرات المناخية التي تزيد من حدة مشاكلها السكانية. فلتغيرات المناخ هذه انعكاسات سلبية على توزيع السكان بين الأرياف والمدن، بحيث تؤدي إلى تكدسهم حول المدن بحثا عن العمل وتقلصهم في القرى، مما يهدد الأمن الغذائي والاجتماعي في الدول العربية.
وترى بتينا ماس، رئيسة مكتب المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، التي أجرت معها الدويتشه فيله مقابلة، أن لدور المرأة في المجتمع تأثير جوهري على الحالة السكانية. فالدول التي سنت قوانين تحمي المرأة والتي تتمتع فيها النساء بمستويات عالية من التعليم تشهد ارتفاعا لسن الزواج وانخفاضا لعدد الأطفال لكل امرأة وتباعدا بين زمن الولادات. مما له آثار إيجابية على حالة المرأة وعلى الحالة السكانية عموما. لذلك تؤكد بتينا ماس على ضرورة توفير الصحة التناسلية وإمكانية التنظيم العائلي لكل النساء وكل الأزواج، كما ينص عليه برنامج الأمم المتحدة للسكان والتنمية.
ولهذا الغرض، يقوم صندوق الأمم المتحدة للسكان بدعم العديد من مشاريع التنظيم العائلي في العالم العربي، ابتداء بالبلدان التي تعاني من زيادة عالية للسكان مثل اليمن، وصولا إلى الدول التي حققت التحول الديموغرافي كتونس، التي يتركز الاهتمام فيها على تطوير نواح جديدة من التنظيم الأسري، بما في ذلك توعية فئة الشباب والتطرق إلى مواضيع الإيدز والعنف ضد المرأة.
إشراك الأئمة والمؤسسات الدينية في برامج التوعية مفيد
ولكون هذه المواضيع حساسة، يحرص صندوق الأمم المتحدة على التعاون مع الجهات الدينية في البلدان العربية، مثل جامع الأزهر الذي طور الصندوق بمعيته منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي برامج وكتبا عديدة للتنظيم العائلي. وترى بتينا ماس في اشراك رجال الدين والأئمة في مشاريع التنظيم العائلي دعما ملموسا لهذه المشاريع. ويشاركها في هذا الرأي حافظ شقير الذي يقول: "الأئمة يلعبون دورا كبيرا في تنفيذ السياسات السكانية وتوعية الناس، خاصة في المساجد، بدور السياسات السكانية وبأهمية تخفيض وفيات الأمهات والتباعد بين الولادات والتغذية السليمة ومتابعة الإجراءات الصحية اللازمة".
غير أن شقير يلاحظ في الآونة الأخيرة ترددا لدى الأئمة إزاء مشاركتهم في مشاريع التنظيم العائلي. ويرجع شقير هذا التردد إلى كون القضايا السكانية تأخذ أبعادا جديدة، كقضية النوع الاجتماعي والعدالة بين الجنسين. قضايا قد لا تنال استحسان بعض الأئمة. لذلك يركز صندوق الأمم المتحدة في هذه المجالات على المنظور الثقافي ويحاول أن يستعمل ما يجده من تراث إيجابي يدعم به مشاريعه.
هذا وتعتبر المجتمعات العربية من أكثر المجتمعات شبابا في العالم. ففي تقريرها حول التنمية السكانية للعام الماضي، تقدر الأمم المتحدة نسبة السكان العرب الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة ب 60 في المائة. وهذا ما يقتضي خلق ما يزيد عن خمسين مليون منصب عمل في السنوات العشر القادمة، لتجنيب الشباب من مستقبل منغلق الآفاق، قد يرميهم في أحضان الجريمة والتطرف.
بشير عمرون
مراجعة: منى صالح