العثور على مكان آمن في غزة أصبح "بعيد المنال"!
١٢ ديسمبر ٢٠٢٣مازالت الأخبار القادمة من غزة تنذر بالدمار، إذ بعد شهرين على اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل، يعمل الجيش الإسرائيلي على توسيع العمليات البرية من الشمال إلى الجزء الجنوبي من القطاع فيما يبحث عشرات الآلاف من الفلسطينيين عن ضالتهم المتمثلة في إيجاد منطقة أكثر أمانا يمكنهم اللجوء إليها والاحتماء داخلها. وفي ذلك، قالت هناء عوض، التي نزحت من مدينة غزة في الأيام الأولى من الحرب، "لقد بلغنا مرحلة عدم الشعور بأي أمان. لقد فقدنا وظائفنا وذوينا ومنازلنا وإيماننا وراحتنا وحتى مدينتنا".
واضطرت هناء مثل عشرات الآلاف من سكان شمال قطاع غزة للانتقال إلى رفح قرب الحدود المصرية مع بدء إسرائيل عملياتها البرية أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ورغم أن الجيش الإسرائيلي أصدر أوامره للسكان بالانتقال إلى "مناطق أكثر أماناً" في جنوب غزة، إلا أن جنوب القطاع يتعرض أيضا لقصف عنيف. وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن الأربعاء (6 ديسمبر/ كانون الأول) تطويق مدينة خان يونس مع بدء توغل جديد كبير في قلب أكبر مدن جنوب قطاع غزة.
وبعد ذلك إصدار الجيش إشعارات إخلاء لسكان أجزاء من المدينة مع مطالبتهم بالتحرك غربا أو جنوبا صوب رفح، منوها بأنه سيكون ثمة وقف للقتال للسماح بعمليات الانتقال. وقبل الهدنة التي لم يتجاوز أمدها الأسبوع من 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إلى 1 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أصدر الجيش الإسرائيلي تعليماته لسكان الأجزاء الشرقية من خان يونس بالمغادرة.
ويقول المسؤولون العسكريون في إسرائيل إن بعض قادة حماس يختبئون في المدينة وهي مسقط رأس يحيى السنوار، رئيس حركة حماس في غزة والذي وُصف بأنه العقل المدبر لهجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول.
وفي السياق ذاته، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: إن القوات الإسرائيلية تحاصر منزل السنوار في خان يونس، مضيفا "قواتنا تستطيع أن تصل إلى أي مكان في قطاع غزة، وهي تحاصر الآن منزل يحيى السنوار..الأمر مسألة وقت فقط حتى نلقي القبض عليه".
تصاعد الضغوط على مدينة رفح
وبنبرة يعتصرها الخوف الشديد، قالت الشابة هناء عبر تطبيق "واتس آب" إن "العيش في رفح أصبح صعبا للغاية بسبب العدد المتزايد من النازحين القادمين من خان يونس فضلا عن عمليات النزوح الكبيرة من مناطق أخرى في جميع أنحاء قطاع غزة..مازالت المسيرات تحلق". وأضافت "بات العثور على مكان آمن أمرا بعيد المنال".
يشار إلى أنه في الأول من الشهر الجاري، انهارت هدنة إنسانية بين إسرائيل وحركة حماس، التي هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية
وأسفرت أيام الهدنة عن إطلاق سراح 110 من الرهائن الإسرائيليين والأجانب الذي كانت حماس تحتجزهم في غزة مقابل الإفراج عن 240 فلسطينيا من السجون الإسرائيلية. لكن انهيار الهدنة يفاقم الشعور باليأس بين سكان القطاع ويزيد من المصاعب على كاهلهم. فرغم دخول بعض المساعدات الإنسانية إلى القطاع عبر معبر رفح الحدودي بموجب الهدنة السابقة، إلا أنها ليست سوى غيض من فيض مما كان يدخل إلى القطاع قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول فضلا عن أن تلك المساعدات لا تلبي احتياجات سكان غزة في الوضع الراهن.
وإزاء ذلك، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس من أن اشتداد القصف يجعل "تقديم مساعدات إنسانية حتى لو كانت محدودة مستحيلا". وفي خطاب إلى رئيس مجلس الأمن لتفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، قال غوتيريس "إنه مع القصف المستمر للقوات الإسرائيلية، ومع عدم وجود ملاجئ أو حد أدنى للبقاء، أتوقع انهيارا كاملا وشيكاً للنظام العام بسبب ظروف تدعو إلى اليأس، الأمر الذي يجعل مستحيلاً (تقديم) مساعدة إنسانية حتى لو كانت محدودة".
وتنص المادة المذكورة على أن "للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين"، وفقا لموقع المنظمة الدولية.
يشار إلى أن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قد أفاد بأن نحو 1,8 مليون شخص في غزة أو ما يقارب 80 في المائة من سكان القطاع البالغ عددهم 2,2 مليون نسمة، باتوا مُهجّرين.
وفي الوقت الذي بقى فيه الآلاف من سكان غزة في شمال القطاع، استجاب كثيرون لنداءات الجيش الإسرائيلي، حيث انتقلوا جنوبا بحثا عن مأوى في مدارس وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) المكتظة بالنازحين، أو الإقامة لدى أقاربهم أو العيش في خيام أو في السيارات بعد أن تقطعت بهم السبل.
وفي محاولة لرسم صورة لما آلت إليه الأوضاع بعد النزوح، قالت هناء "لا تتوفر المواد الغذائية أو حتى البطانيات. خلال اليومين الماضيين، لجأ النازحون الجدد إلى نشر قطع من النايلون على الأرض لإقامة مأوى مؤقت". وأضافت "البعض ينام داخل سياراته، والبعض الآخر يضطر للنوم على قارعة الطريق. الطقس أصبح شديد البرودة ما يجعل الحياة أكثر قسوة".
وذكرت وزارة الصحة التابعة لحماس في غزة أن أكثر من 17 ألف فلسطيني، بينهم الكثير من النساء والأطفال، قد قتلوا منذ بدء الحرب مع توقعات بأن كثيرين في عداد المفقودين أو محاصرين تحت الأنقاض في انتظار إنقاذهم.
وفي ردها على الارتفاع الكبير للضحايا الفلسطينيين، تلقي الحكومة والجيش في إسرائيل باللائمة على حماس وتقول إنها تستخدم المدنيين كدروع بشرية.
وقد اندلعت العملية العسكرية الإسرائيلية الحالية في غزة بسبب هجوم حماس الإرهابي في السابع من أكتوبر /تشرين الأول الماضي. الهجوم أسفر عن مقتل 1200 شخص وخطف حوالي 240 إسرائيليا، حسب السلطات الإسرائيلية.
نقص المعلومات
وبعد مرور شهرين على الحرب، تزايدت المطالبات لإسرائيل وحثها على بذل المزيد من الجهود للحد من عمليات النزوح وقتل المدنيين. وكان الجيش الإسرائيلي قد نشر قبل الأسبوع الماضي خريطة على الأنترنت تقسم قطاع غزة إلى مناطق متعددة، بيد أنه مع تردي الاتصالات وانقطاع التيار الكهربائي، فقد تعرضت الخطوة لانتقادات من منظمات غير حكومية وسكان غزة باعتبار أن الخريطة غير صالحة للاستخدام.
وفي مقابلة مع DW، قال فارس الذي نزح مع عائلته من شرق خان يونس: إنه سمع عن الخريطة وتلقى أيضا رسائل هاتفية صوتية من الجيش الإسرائيلي تأمره بالبقاء بعيدا عن مناطق معينة، لكنه قال إن هذه "الرسائل غير واضحة بشكل عام".
تزامن هذا مع إسقاط سلاح الجو الإسرائيلي منشورات تحتوي على مزيد من المعلومات. وفي ذلك، قال إبراهيم، البالغ من العمر 41 عاما، "نقوم بجمع المعلومات من المنشورات ومن خلال المحادثات بيينا، لكننا غير متأكدين من مواقع محددة بسبب افتقارنا للإنترنت".
ولجأ إبراهيم وعائلته إلى مدرسة بمدينة خان يونس، قائلا "رغم التأكيدات عن حماية المدنيين، لا يزال يتم استهداف العديد من مناطق خان يونس، مما يؤدي إلى سقوط ضحايا". وفي رده عن ما يتوقع حيال مصير سكان خان يونس، قال إبراهيم "حالة من الغموض الكبير تكتنف مصيرهم، خاصة مع هذا الكم من الحديث عن غزو (إسرائيلي) بري محتمل للمدينة بأكملها".
أعده للعربية: محمد فرحان