العراق: الأحزاب السياسية حاضرة وقانونها غائب
٢٠ ديسمبر ٢٠١٣تأسيس الأحزاب السياسية من شروط أي نظام ديمقراطي. هذه الأحزاب تعبر عن وجهة نظر شرائح المجتمع على اختلافها داخل هيكل الدولة ومؤسساتها. وصول هذه الأحزاب إلى درجة القدرة على التعبير عن رغبة هذه الشرائح واتجاهاتها السياسية والاجتماعية يأتي بعد دخولها البرلمان. بعضها ينجح في الوصول إلى الحكم، لفترة معينة.
وفي العراق، ستجري في 30 نيسان / أبريل 2014، حسبما هو مقرر، الانتخابات البرلمانية الثالثة منذ سقوط نظام الحزب الواحد عام 2003. لكن، من دون قانون ينظم عمل الأحزاب الداخلة في منافسة الوصول إلى البرلمان العراقي، والمشاركة في القرارات المصيرية التي تحدد شكل الدولة.
أوجب الدستور العراقي الدائم لعام 2005 في الفقرة الأولى من المادة 39 على «تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية، وتكفل هذه المادة حق الانضمام إليها، ويتم تنظيم ذلك بقانون". لكن قانون الأحزاب لم يرى النور إلى اليوم. وفشلت كل محاولات التصديق عليه في البرلمان العراقي، الذي تعمل تحت قبته الأحزاب التي يفترض بالقانون تنظيم عملها. الخبير القانوني والدستوري الدكتور منذر الفضل قال لمايكروفون برنامج العراق اليوم: "يجب ألا يتعارض قانون الأحزاب مع المبادئ الأساسية في الدستور، أي حزب سياسي لا يمكن تسجيله في وزارة الداخلية إلا إذا كان له نظام داخلي، لان هذا النظام يكشف هوية الحزب". وتوافق النظام الداخلي مع مبادئ الدستور يعتمد حسب رأي الدكتور الفضل على " أن لا يعارض مبادئ الدستور وهي: الإيمان بالتداول السلمي للسلطة، الشفافية في كشف مصادر التمويل للحزب، أن لا تكون له ميليشيات عسكرية ولا يجب أن يكون الحزب السياسي مؤمنا بالعنف، وأن لا يؤمن بالتعصب الديني أو المذهبي أو القومي أو التطرف أو الإرهاب. حسب المادة 7 التي تحظر مثل هذه التوجهات".
النظام الداخلي
يُعبر عن أجندة الحزب سياسية كانت أم اقتصادية أو اجتماعية عن طريق نظام داخلي. كما يسمح هذا النظام بتبادل الأدوار بين أعضاءه ديمقراطيا. ونظرة سريعة على الصفحات الالكترونية للأحزاب العراقية تكشف عن افتقار اغلب هذه الأحزاب الناشطة على الساحة لأي نظام واضح. عن ذلك يقول الصحافي علي شايع" الأحزاب العراقية تفتقر إلى وجود نظام داخلي يحدد العلاقة بين أفراد الحزب، وعلاقتهم مع السلطة، ويوضح شروط العمل السياسي، وصولا إلى تقنين العقوبات داخل الأحزاب لأعضائها حال تجاوزهم أو تقصيره في عملهم". ويشير إلى أن "غياب البرنامج الحزبي وكذلك النظام الداخلي للأحزاب يثبت وجود خلل كبير داخلها".
الخلل الذي يشخصه الدكتور منذر الفضل دستوريا وقانونيا أيضا بقوله "أغلب الأحزاب السياسية الحالية غير دستورية، ولا توجد جهة في العراق لم تنتهك الدستور الذي صوت أكثر من 78 بالمائة من العراقيين عليه. إذ لا يجب أن تكون الأحزاب في العراق أحزاب دينية أو مذهبية أو طائفية، أو قومية عنصرية لأن هذا يتعارض مع الدستور". ولأن هذا التناقض مع عمل الدستور هو تناقض مع مبادئ الديمقراطية التي تحكم هذه الأحزاب وتوصلها إلى السلطة، يضيف الدكتور منذر: "الديمقراطية تعني حكم الجميع والمشاركة في السلطة وتوزيع الثروات بصورة عادلة". ثم يتساءل ويضرب مثلا عن تجاوز الأحزاب للدستور بالقول "كيف نفسر استغلال الرموز الدينية مع بعض الأحزاب، واستعمال المساجد والحسينيات؟ لا يجوز استغلال المرجعيات الدينية لغرض الكسب الانتخابي أو الترويج الحزبي".
قانون تنظيم الأحزاب
عدم وجود قانون ينظم عمل الأحزاب العراقية يسمح بمنح تصاريح إنشاء هذه الأحزاب من قبل وزارة الداخلية، وهذا خطأ حسب قول الدكتور منذر، ومن بقايا أرث نظام صدام حسين. الصحفي علي شايع قال إن "الدولة هي المسؤولة عن منح الإجازات للأحزاب السياسية وليست الحكومة". فالحكومة تتغير والدولة باقية. ويجب أن تكون هناك هيئة قضائية تابعة لوزارة العدل العراقية تقرر منح إجازات عمل الأحزاب، لا وزارة الداخلية. لكن الدكتور منذر انتقد عدم استقلالية السلطة القضائية والتنفيذية والتشريعية على أرض الواقع وأن هذه الاستقلالية قد أضحت نظرية فقط والسبب في فوضى الصلاحيات سببها : التداخل في مهام هذه السلطات الثلاثة".
السبب في التمويل المالي
تموّل الأحزاب من التبرعات الخارجية ومن أعضاءها. ومن ميزانية خاصة في الدولة مخصصة لدعم الأحزاب. الدولة تعني لا دولة الحزب الواحد بل دولة الجميع، دولة يصنعها الجميع وتعبر هي بدورها عن رغبة الجميع. ولعل قضية التمويل، كما أشار ضيفا البرنامج هي القضية الأساسية في عدم تمرير قانون تنظيم الأحزاب. إذ يقول الدكتور الفضل " بعض هذه الأحزاب يتم تمويلها من المال العام، مع الأسف الشديد من دون حساب. وميزانية الدولة تحت يديها. كما أن هناك أحزاب تمول من الفساد المالي، وهناك من الإرهاب في العراق، و أخرى تمول من دول الجوار، وبعضها من دول أجنبية". ونتيجة لكل هذه الأسباب تماطل الأحزاب السياسية في العراق في تمرير القانون الذي سيجبرها على كشف حساباتها المالية ومصادر تمويلها".
أما عن مسؤولية هذه الفوضى فان الدكتور منذر يحمل "جميع الأحزاب السياسية وكل القادة السياسيين عدم تمرير قانون الأحزاب والانتهاكات الصارخة للدستور وسقوط ضحايا كثيرين". والصحافي علي شايع يذهب إلى أبعد من ذلك بقوله: "المسؤولية تقع أيضا على منظمات المجتمع المدني وكل من يعنى بالحقوق والحريات وأي إنسان يرى في مثل هذه الظواهر خطأ ولا يتصرف".