العراق: ماذا يفعل البرلمان ؟
٦ يونيو ٢٠١٤يُعاد تشكيل الحكومة مجلس النواب بعد كل انتخابات، نواب جدد يحتلون مقاعد المجلس، ليمثلوا الشعب ويحموا مصالحه، ووزراء جدد يتولون مناصبهم ليخدموا الشعب. العلاقة بين الحكومة وبين البرلمان ما زالت غير واضحة، فالوزير لا يقبل برأي النائب البرلماني الذي يُفترض انه يمثل الشعب ومصالحه، كما أن النائب لا يتابع ما يفعله الوزير خاصة إذا كان من نفس كتلته السياسية، وبالتالي فإن حقوق الشعب تبقى ضائعة بين السلطة التنفيذية ( الحكومة) وبين السلطة التشريعية ( البرلمان).
كما أن العراقيين تعودوا دائما أن ينسبوا كل خطأ يحصل في إدارة البلد إلى الحكومة، وهذا قد لا يكون صحيحا في وضع البلد الحالي، لأن العراق بلد دستوري نيابي، السلطة فيه مقسّمة ولا تحتكرها الحكومة.
وبالتالي، فإن الشعب هو مصدر هذه السلطة من خلال البرلمان، وهو ( أي مجلس النواب) السلطة التي تستطيع إسقاط أي حكومة لا تقوم بواجباتها. فلماذا لم نسمع عن خلاف بين البرلمان وبين الحكومة ينتصر فيه البرلمان؟
بسبب المحاصصة لا يراقب النواب أداء الوزراء
للمحاصصة نصيب في المشكلة، فالنائب الشيعي لا ينتقد وزيرا شيعيا لأنه قريب منه سياسيا، والنائب السني لا يراقب أداء الوزير السني ولا ينتقده، لأنه قريب منه سياسيا، وينطبق ذلك الى حد ما على النواب والوزراء الأكراد، وهكذا فإن كل النواب يغضون الطرف عن أداء كل الوزراء لأسباب الولاء والتحالفات السياسية، والخاسر مرة أخرى هو الشعب. و يعتبر كثيرون أن ما يسمى بالمحاصصة هو تمثيل حقيقي لجميع مكونات الشعب العراقي في السلطة التنفيذية ( الحكومة) وفي السلطة التشريعية ( البرلمان)، وبالتالي فإن من الخطأ نعتها بصفات سلبية واعتبارها ظاهرة تكشف عن تمزق النسيج العراقي بعد 2003 .
لكن الكاتب والباحث د. تيسير عبد الجبار الألوسي وقد شارك في حوار مجلة العراق اليوم من DW عربية، ذهب إلى أن " الحكومة والبرلمان لا يمثلان الجميع إلا شكليا، وهذا هو سبب المشكلات، كما أن صلاحيات الحكومة تنحصر كلها تقريبا في رئيس الوزراء".
" رئيس الحكومة مسؤول عن الإخفاق والبرلمان لا يملك أدوات العمل"
الحقوقية سوسن الشيخ وفي مداخلة من البصرة أشارت إلى أن البرلمان الجديد لم يأت بجديد، فقد تكررت الوجوه القديمة، ثم دعت البرلمان الجديد الى تلافي الأخطاء التي ارتكبها البرلمان السابق.ثم استدركت بالقول ، أنها لا ترى ضوءا في نهاية النفق يكشف عن تغيير حقيقي في البرلمان الجديد.
أما المحلل السياسي ماجد الغرواي من البصرة فقد ذهب إلى أنَ شركاء العملية السياسية برمتهم قد قفزوا فوق الدستور، مبيّنا أنّ المادة 2 من الفقرة 61 ب من الدستور تنص على أنه" في حالة إخفاق وزارة أو تلكؤ وزير، يتحمل رئيس مجلس الوزراء مسؤولية الإخفاق"، ورغن أن الحكومات المتعاقبة كانت حكومات شراكة، فإن هذا لا يعفي رئيس الحكومة من التقصير".
وفي حديثه عن البرلمان، أشار الغراوي، إلى أن البرلمان لم يكن يمتلك أدوات العمل" لا الرقابية ولا التشريعية، حيث أن المحكمة الاتحادية اعتبرت في قرارها الأخير أن الحكومة هي التي تشرع القانون وترسله إلى البرلمان للمصادقة عليه" ، وعلّق الغراوي على هذا الأمر بالقول" هذه طامة كبرى".
فيما دعت المستمعة فاتن في اتصال من البصرة إلى تفعيل دور البرلمان في المرحلة الحالية لتحقيق التغيير المنشود.
" عدم توافر خارطة طريق للأداء الحكومي والأداء البرلماني"
ويمثل مجلس النواب دستوريا صوت الشعب، لكن لا تبدو الحكومة مهتمة لصوت الشعب، وهو ما عزاه د تيسير الآلوسي إلى أن الدولة العراقية على مدى عقود طويلة قد أُفرغت من مؤسساتها " وفي العقد الأخير لم يحدث أي تحرك حقيقي فعلي للبناء المؤسسي في الدولة العراقية، والسر في ذلك يعود إلى عدم توافر خارطة طريق للأداء الحكومي والأداء البرلماني".
واعتبر الآلوسي أن هنا غيابا شبه تام للمعرفة السياسية ولأدواتها شعبيا ونخبويا، مشيرا بالقول" لا تتوافر عناصر المعرفة عند المواطن العراقي وعند من رُشحوا للبرلمان"، مؤكدا أنّ الوعي الشعبي أيضا غائب " فمن يصوّت عليه الدفاع عن صوته، وهذا يتحقق من خلال قيام الناخب بمراقبة النائب ومحاسبته".
ويُسجل على أغلب النواب العراقيين انقطاعهم التام عن الشعب ، وغيابهم المطلق عن ناخبيهم، كما تعاني وسائل الإعلام بمختلف مستوياتها، عراقيا وعالميا من مشكلة الوصول إليهم، حتى يكاد يكون الظهور الإعلامي للنواب محصورا في بضعة أسماء صارت تمثل كتلا سياسية بعينها ويتكرر ظهورها إعلاميا في كل مناسبة وهذا يتنافى مع مبدأ الشفافية التي هي جزء حيوي في النظام الديمقراطي . وفي هذا السياق أوضح د تيسير الآلوسي أنّ الدائرة الإعلامية لمجس النواب انحصر عملها في نطاق " الحياد السلبي" ولم تعد تفعل سوى اطلاق تصريحات وبيانات/ مشيرا إلى أن " واقع الوظيفة النيابية هو تمثيل الشعب من جهة ومساعدته على فهم القوانين الدولية والمحلية التي تحفظ حقوقه من جهة، وتولي النائب الوظيفة الرقابية"، ومضى الالوسي إلى القول إن العقد المنصرم من الزمن لم يشهد قط ممارسة الوظيفة الرقابية للبرلمان لأسباب فنية تتعلق بآليات جمع الأصوات اللازمة لمحاسبة أي نائب ومساءلته.
" في كل شيء يلام رئيس الوزراء، وهم في الحقيقة يتصارعون على الكراسي"
المستمعة أم يوسف في اتصال من بغداد أشارت إلى أن أعضاء مجلس النواب، من رشُحوا ومن فازوا ومن كانوا نوابا، كانوا قد قدموا برامج انتخابية ووعدا بتنفيذها، ولكنهم لم يفعلوا. كما أنها بينت أن البرلماني يمثل الجهة الرقابية على الحكومة وعلى أدائها ، والمواطن بدوره يجب ان يكون الجهة الرقابية التي تشرف على البرلماني . ثم بينت أم يوسف أن الإعلام الديمقراطي مسؤول عن إيصال صوت الشعب إلى البرلماني ، كما هو مسؤول عن الكشف عن أخطاء البرلماني ووضعها أمام أعين الناس.
أما المستمعة هجران من بغداد فقد تساءلت " ماذا فعل مجلس النواب القديم الذي تنتهي ولايته في 15 حزيران الجاري؟ فهو لم يوقع حتى الآن الموازنة السنوية، وهو أمر اثر كثيرا على الطبقات الفقيرة في المجتمع". ثم تساءلت " في كل شيء يلام رئيس الوزراء، وهم في الحقيقة يتصارعون على الكراسي ( ...)، الشعب قرر أن يعيد انتخاب المالكي، فهل بوسع أحد أن يقف ضد إرادة الشعب ؟".
ويؤخذ على البرلمان خاصة ( باعتباره مؤسسة تمثل كل الشعب) ، أنّ رئيسه سني بشكل دائم، وهذا يضعه أمام تحديات تمثيل كل مكونات الشعب، وتحقيق العدالة مع الجميع. وفي هذا السياق قال د الآلوسي " إن الإشكالية تكمن في تحويل مفهوم الكفاءة إلى مفاهيم أخرى واتخاذها أدوات عمل في مؤسسات الدولة ومنها البرلمان "، مبينا في نفس الوقت، أن التوزيع القومي والطائفي قد أُعيد إنتاجه في المشهد الانتخابي الأخير في البلد.