العلاقات الأمريكية السعودية ـ شراكة مصالح
٥ سبتمبر ٢٠١٥عند استقباله للعاهل السعودي في البيت الأبيض أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن بلاده تتفهم قلق دول الخليج، خصوصا قلق السعودية فيما يخص التطورات في اليمن. في اليمن يشن تحالف دولي بقيادة السعودية منذ أشهر حربا ضد المتمردين الحوثيين. وبشكل غير مباشر ضد إيران. فالمملكة العربية السعودية تتهم حكومة طهران بالسعي لتوسيع نفوذها في أفقر دولة من دول شبه الجزيرة العربية عبر تحريض ودعم الحوثيين.
بيد أن الأزمة اليمنية ليست المشكلة الوحيدة التي تقلق السعودية. فهي تخشى أيضا أن يساهم الاتفاق النووي بين القوى الغربية الكبرى وطهران في تشجيع إيران لمواصلة سعيها من أجل توسيع نفوذها في عموم المنطقة. السعودية تنظر إلى أزمة اليمن كحلقة في سلسلة طويلة تمتد في العراق وسوريا ولبنان. وبالفعل أكد سفير إيران لدى دولة الإمارات العربية المتحدة في حديث صحفي هذا الأسبوع مرة أخرى تصميم بلاده في الاستمرار في نهجها الحالي. وقال" ندعم أصدقائنا في لبنان". وأضاف " ونواصل دعمنا أيضا لإخواننا في سوريا". وتابع" "كذلك نستمر في دعم أخواننا في العراق. لا نتركهم لوحدهم عند منتصف الطريق. العمل الذي بدأناه نتمه حتى النهاية".
القلق السعودي
في المقابل يزداد القلق السعودي. فقد أظهرت حرب اليمن أن السعودية بقيادة الملك الجديد وأبنه محمد بن سلمان البالغ من العمر 35 عاما وهو وزير الدفاع لدى حكومة أبيه، مصممة على تأكيد دورها القيادي للعالم العربي السني. وهذا ما تفعله المملكة بوسائل عسكرية. لكن المملكة العربية السعودية تعتمد النهج الدبلوماسي أيضا، كما كتب موقع "المونيتور" المعني بالشؤون السياسية في الشرق الأوسط، وأضاف الموقع " أن السعودية ترغب في أن تبقى إيران في عداد المنبوذين دوليا وأن لا تعود إلى أحضان المجتمع الدولي بعد رفع العقوبات عنها". ويتابع الموقع العربي " علنا تعلن السعودية عن دعمها للاتفاق النووي مع طهران، ولكن سرا تبدي قلقها من عودة إيران إلى النظام العالمي".
هذا القلق في الرياض وفي العواصم الخليجية ساهم في زيادة الشكوك بنوايا الولايات المتحدة، كما يقول انتوني كوردسمان، الخبير بشؤون الشرق الأوسط في مؤسسة " ثينك تانك" للدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن. ويضيف الخبير " لقد بات واضحا أن دول الخليج لا تثق بتأكيدات الولايات المتحدة بشأن استمرار تواجدها في الخليج. كما رفعت نظريات المؤامرة التي تقول إن واشنطن بشكل أو آخر ستهتم بإيران أكثر من غيرها، من حجم قلق الخليجيين. كما يتساءل الخليجيون عما إذا كانت الولايات المتحدة قوية بما يكفي لتمارس نفوذها في المنطقة.
التوجه إلى موسكو
في غضون ذلك وفي ظل هذه المعطيات تذهب الدبلوماسية السعودية ومنذ أمد غير قصير في اتجاه آخر. في وسط حزيران/ يونيو المنصرم زار وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان العاصمة الروسية سانت بطرسبورغ، حيث التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكان التعاون الاقتصادي بين الجانبين ضمن جدول أعمال الزيارة، لكن الرئيس الروسي كان مهتما بأمر آخر يشكل أهمية خاصة بالنسبة له: إنه قضية مكافحة الإرهابيين السنة التي تجسدها تنظيمات "الدولة الإسلامية والقاعدة وجبهة النصرة". في هذا السياق قال بوتين لضيوفه السعوديين إن مكافحة هذه التنظيمات لها أولوية قصوى بالنسبة لموسكو. وعلم الضيف السعودي أيضا من مضيفه أن موسكو لهذا السبب ستستمر في التعاون مع إيران ومع الحكومة السورية.
الموقف الروسي لا يساهم في تقوية الجانب السعودي. ويعود سبب ذلك إلى أن روسيا والولايات المتحدة ورغم كل الخلافات الكبيرة بينهما حول الأزمة الأوكرانية متفقتان أو قريبتان من بعضهما فيما يخص تطورات الشرق الأوسط. فالجانبان الروسي والأمريكي يضعان ملف مكافحة الجهاديين في صدارة أولوياتهما. في هذا السياق كتبت صحيفة الحياة اللندنية تقول " بخصوص هذه الأزمات "أزمات الشرق الأوسط" لا يوجد صراع روسي أمريكي". وتابعت الصحيفة تقول "لا تمانع واشنطن أن تنشط موسكو في الشأن السوري أو عندما تتحدث موسكو مع طهران بشأن دورها في العراق ونشاطها في لبنان... مصلحة الجانبين تكمن في تحقيق النصر على تنظيم "الدولة الإسلامية"، وهو ما يوحد روسيا والولايات المتحدة". ولا شك في أن هذا الاهتمام المتزايد من قبل موسكو وواشنطن بشأن مكافحة إرهاب المتطرفين السنة يصب في مصلحة الرئيس السوري بشار الأسد. وبشار الأسد غير قلق بشأن الموقف الأمريكي، فيما يزداد قلقه من تنامي قوة الجهاديين في بلاده.
بيد أن المملكة العربية السعودية ترى في استقالة بشار الأسد أو إسقاطه شرطا ضروريا لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا. ولا يبدو أن المملكة العربية السعودية قادرة على إقناع الولايات المتحدة بصحة موقفها وجذبها إلى جانبها. ويبدو واضحا أن مساعي الرياض في مواصلة عزل طهران دوليا ستفشل أيضا. ولا يغير في ذلك عراقة العلاقات المتينة بين واشنطن والرياض شيئا. في هذا السياق كتب موقع المونيتور" يقول " بالتأكيد سيبقى البلدان يحافظان على شراكة إستراتجية"، لكن العلاقات وصلت إلى أبعد مدى لها لا غير. ويضيف الموقع "المصالح تجمع الدولتين، لكنهما تختلفان في القيم".