العملاقة الألمانية "إيون" تسعى للتربع على عرش قطاع الطاقة العالمي
٢٢ فبراير ٢٠٠٦لم تأت زيارة رئيس العملاقة الألمانية للطاقة "إيون" فولف بيرنتات أمس للعاصمة الإسبانية مدريد مفاجأة لمراقبي قطاع الطاقة، فالشركة الألمانية معروفة منذ سنوات بتوجهاتها الرامية إلى السيطرة على أكبر قسط ممكن في هذا القطاع الحيوي لتسبق بذلك شركات طاقة منافسة مثل الروسية "غاز بروم" أو الفرنسية "إي دي إف". وفي حين أعرب بيرنتات في مؤتمر صحفي عقب مفاوضات مع مسؤولي شركة الطاقة الأسبانية انديسا Endesa عن تفاؤله بإتمام الصفقة، قالت الشركة الإسبانية اليوم إن العرض الذي تقدمت به شركة "إيون" E.ON لشراء كل أسهمها "غير مناسب،" وذلك بالرغم من أن عرض "إيون" البالغ 29،1 مليار يورو يفوق عرض منافس انديسا التقليدي في أسبانيا جاز ناتورال Gas Natural بمبلغ سبعة مليارات يورو. لكن مجلس إدارة الشركة الأسبانية يرى أن مبلغ 29،1 مليار يورو لا يساوي قيمة انديسا الحقيقية. وكانت شركة "إيون"، كبرى شركات الطاقة في ألمانيا قد أعلنت يوم أمس الثلاثاء، 21 شباط فبراير 2006، أنها عرضت على شركة انديسا شراء كل أسهمها بسعر 27،50 يورو للسهم الواحد، ودفع ثمن الشراء نقداً. وصرحت "إيون" انها ستنشيء عند إتمام الصفقة أكبر شركة للغاز والطاقة الكهربية في العالم، وسيكون مقر هذه الشركة ألمانيا.
موجة الاستحواذ
وتعتبر شركة انديسا أكبر شركة لإنتاج الطاقة الكهربية في منطقة شبه جزيرة إبيريا، فهي تنتج نحو 41،9 بالمائه من الطاقة الكهربائية المستهلكة في أسبانيا، كما تستحوذ على حصة 10 بالمائة في سوق الغاز الطبيعي في أسبانيا. أما "إيون" فتعد ثاني أكبر شركة طاقة أوروبية بعد اي دي اف الفرنسية. وبهذا العرض تنضم الشركة الألمانية التي تتوافر لديها سيولة نقدية كبيرة إلى موجة من عمليات الاستحواذ الهائلة التي تجتاح حالياً الأسواق الأوروبية. ويقدر الخبراء الاقتصاديون السيولة المتوافرة لدى "إيون" بحوالي 20 مليار يورو. وخيم عرض "إيون" لشراء انديسا على أسواق البورصة يوم أمس، حيث ارتفعت أسهم انديسا بسبة 9 بالمائة لتصل قيمة السهم إلى 74،27 يورو بفضل عرض الاستحواذ الذي من شأنه توسيع استثمارات "إيون" في اسبانيا وفرنسا وايطاليا وأمريكا اللاتينية. أما أسهم "إيون" فقد ارتفعت قيمتها بنسبة 3،3 بالمائة لتصل إلى 49،96 يورو للسهم الواحد. الجدير بالذكر أن إجمالي قيمة الصفقة إذا تم أخذ الديون، التي تثقل كاهل انديسا، بعين الاعتبار يبلغ 55،2 مليار يورو.
تحفظ أسباني
وحسب المصادر الحكومية في مدريد فقد أبلغت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل رئيس الوزراء الأسباني خوسيه لويس رودريجيس ثباتيرو مسبقاً بعرض "إيون". أما وزير الاقتصاد الاتحادي الألماني ميشائيل كلوس فقد أبلغ نظيرة الأسباني أنه لا يرى "أي ضرر في أن تتواجد أكبر شركة عالمية للطاقة في ألمانيا بعد إتمام الصفقة". لكن عرض "إيون" أثار حفيظة السياسيين الأسبان، ما جعل الحكومة الأسبانية تعلن رسمياً أنها تحترم "قواعد السوق"، لكنها في نفس الوقت تؤكد حقها في اتخاذ قرارات استراتيجية فيما يتعلق بقطاع الطاقة في أسبانيا. وكانت لهذه الصفقة أصداء كبيرة في الصحف الأسبانية. جريدة إل بايس El Pais علقت على الموضوع بأن "عرض "إيون" لا يعجب رئيس الوزراء الأسباني ثباتيرو وأنه أبلغ شخصياً مدير الشركة الألمانية رفضه لعقد مثل هذه الصفقة." وقد شدد ثباتيرو أمس في كلمة توجه بها للصحفيين على "أهمية انديسا الاستراتيجية بالنسبة لإسبانيا." إضافة إلى ذلك كتبت الصحفية أن الحكومة الأسبانية تبحث حالياً عن وسائل قانونية لعرقلة الصفقة، لا سيما وأن الدستور الأسباني يمنح الحكومة ما يسمى بـ"السهم الذهبي" أو حق الاعتراض على إجراء مثل هذه الصفقات الكبيرة.
مخاوف المستهلكين
مما لاشك فيه أن شركة "إيون" كانت تتوقع رداً أفضل، خاصة بعد إجراء سلسلة من المفاوضات الايجابية مع مجلس إدارة شركة انديسا. وكان فولف بيرنتات، مدير "إيون" يأمل بعقد هذه الصفقة كونها الأكبر في تاريخ الشركات الألمانية وفي قطاع الطاقة على مستوى العالم. لكن رد انديسا جاء ليخيب أمال بيرنوتات بعد أن أعلنت الشركة الأسبانية أن عرض "إيون" غير كاف. إلا أن الشركة الاسبانية ترى في العرض الألماني أمراً إيجابياً، وهو أنها لا تنوي طرح حصص انديسا للبيع بعد عملية الشراء. ويعني ذلك أن انديسا لم ترفض العرض الألماني كلياً، الأمر الذي يبعث الأمل في نفوس القائمين على شركة "إيون". وإذا تمت هذه الصفقة فسيكون بمقدور شركة "إيون" احتكار سوق إمدادات الكهرباء والغاز في ألمانيا. ويثير هذا الأمر حفيظة هولغر كرفينكل من اتحاد حماية المستهلكين الألمان، إذ يتوقع أن يكون لهذه الصفقة: "عواقب وخيمة، وأنها ستؤثر على ضمان حرية المنافسة في سوق الطاقة الألماني، بالإضافة إلى احتمال زيادة أسعار الطاقة في ألمانيا لضمان سداد تكاليف "إيون" في هذه الصفقة." أما خبيرة الطاقة الألمانية كلاوديا كيمرت فهي متأكدة من أن المستهلك العادي سيدفع تكاليف طموحات "إيون" التوسعية. وفي هذا السياق تقول كيمرت: "ستقوم "إيون" حتماً بزيادة أسعار الطاقة، ناهيك عن أن المنافسة في قطاع الطاقة الأوروبي ستزداد صعوبة، نظراً لانحصارها بين عدد أقل من الشركات، الأمر الذي سيؤثر بالتأكيد على الأسعار."