العملية العسكرية التركية بسوريا.. أية دلالات للدول العربية؟
١٠ أكتوبر ٢٠١٩بعد مرور أسابيع على تهديد أنقرة على القيام بعملية عسكرية شمالي سوريا، ترجمت أنقرة كلامها إلى أفعال وأطلقت عملية عسكرية اختارت لها كاسم "نبع السلام". وفي خطاب له اليوم جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن هدف العملية هو إفشال مخطط لإقامة "دولة إرهابية"، في إشارة للمقاتلين الأكراد الذين طالبهم بإلقاء السلاح، وهدد "بتدمير من يتبقى منهم".
انتقادات دولية وعربية للعملية التركية
مباشرة بعد شروع تركيا في عمليتها العسكرية شمالي سوريا، كانت السعودية أو دولة خليجية تدين العملية التي وصفتها بـ "العدوان". وحذرت الرياض على لسان مسؤول في وزارة الخارجية من أن الهجوم "يهدّد أمن المنطقة ويقوّض جهود محاربة تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش). وفي حديث مع DW عربية قال حسن ظافر الشهري، الخبير الاستراتيجي والعسكري السعودي، بأن الرياض "حريصة منذ البداية على وحدة التراب السوري ولهذا من الطبيعي أن تدين كل تدخل في الأراضي السورية سواء من تركيا أو إيران. الملاحظ الآن أن الإيديولوجية التركية تنافس الإيديولوجية الإيرانية في سوريا".
وفي رد فعل له على الانتقادات السعودية اتهم أردوغان الرياض بقتل المدنيين في اليمن، بينما وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بـ"القاتل". وبدورها أدانت مصر العملية العسكرية التركية على الأراضي السورية بأشد العبارات. وفي بيان لها قالت وزارة الخارجية المصرية؛ "إن تلك الخطوة تُمثل اعتداءً صارخاً غير مقبول على سيادة دولة عربية شقيقة استغلالاً للظروف التي تمر بها والتطورات الجارية، وبما يتنافى مع قواعد القانون الدولي".
ومن المقرر أن تعقد جامعة الدول العربية بعد غد السبت اجتماعا طارئا، بناء على طلب من مصر "لبحث العدوان التركي على الأراضي السورية".
وبينما نددت السعودية ومصر والإمارات بـ"العدوان" التركي، أجرى أمير قطر، تميم بن حمد بن خليفة، أمس الأربعاء اتصالا هاتفيا بالرئيس التركي. ووفقا لوكالة الأنباء القطرية (قنا)؛ ناقش تميم مع أردوغان، آخر التطورات الإقليمية والدولية لاسيما مستجدات الأحداث في سوريا. ويرى البعض في توقيت الاتصال ووقته دعما من الدوحة لأنقرة في عمليتها.
بعد تخليها عن الأكراد هل تفقد واشنطن مصداقيتها كحليف؟
وفي تحول سياسي كبير، رأى فيه البعض تمهيدا للهجوم العسكري التركي على شمال سوريا، بدأت الولايات المتحدة الاثنين المنصرم بسحب بعض قواتها من المنطقة. ووصفت قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها المقاتلون الأكراد، الخطوة بأنها تمثل "طعنا بالظهر". وقال مصطفى بالي، المسؤول في هذه القوات، إن القوات الأمريكية تركت المنطقة لتتحول إلى منطقة حرب.
وسواء تعلق الأمر بالحرب في سوريا، العراق أو اليمن أو الأزمة الإيرانية السعودية/ الخليجية، أو في السياسة الداخلية، تعتمد الأنظمة العربية على واشنطن كحليف استراتيجي. رغم الدعم الذي تتلقاه الأنظمة الحاكمة من واشنطن إلا أن مواقف الإدارة الأمريكية تحت قيادة ترامب غير مستقرة وأحيانا متناقضة.
وبالنسبة للخبير العسكري نزار عبد القادر فإن "تخلي واشنطن عن حلفائها ليس جديدا. نفس الشيء حدث مع الإدارات السابقة من بوش مرورا بأوباما فترامب. فأوباما رسم خطوطا حمراء للنظام السوري في حال استعمل الأسلحة الكيماوية لكنه تراجع. وتخلى أيضا عن أمن الدول الخليجية، والآن جاء دور ترامب وما يقوم به في سوريا".
بيد أن حسن ظافر الشهري، الخبير الاستراتيجي والعسكري السعودي يقلل من هذه المخاوف بالقول: "علاقتنا مع البيت الأبيض طويلة وعميقة. صحيح أنها تمر بفترات تكون فيها العلاقات باردة شيئا ما، لكن سرعان ما تعود لحالتها الطبيعية. والرياض لا تخشى أن تتخلى عنها واشنطن لأن لديها بدائل كالتوجه إلى موسكو وبيكين والاتحاد الأوروبي".
وفي الداخل الأمريكي اتهم القائد السابق للقوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جوزف فوتيل الرئيس الأميركي بالتخلي عن حلفاء كان لهم دور حاسم في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، في إشارة للمقاتلين الأكراد. وكتب فوتيل يقول: "سياسة التخلي هذه قد تقضي على معركة دامت خمس سنوات ضد تنظيم الدولة الإسلامية وستضر فعليا بمصداقية الأميركيين في كل المعارك المقبلة التي سنحتاج فيها إلى حلفاء أقوياء". وأقام البعض مقارنة مع الحروب السابقة التي تخلى فيها الأميركيون عن حليف ليجد نفسه منفردا في مواجهة تحديات، منها حكومتا لاوس وجنوب فيتنام في السبعينيات.
تداعيات العملية العسكرية التركية في المنطقة
وأثارت العملية العسكرية التركية الكثير من ردود الفعل الدولية بسبب عواقب العملية العسكرية. ففي اتصال هاتفي مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، أعرب وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، عن تحفظ برلين على العملية العسكرية. وغردت الخارجية الألمانية على "تويتر" قائلة إن الوزير الألماني عبر عن مخاوف بلاده والاتحاد الأوروبي من "العواقب السلبية لهذا الهجوم، والتي قد تصل إلى تعاظم نفوذ تنظيم ′الدولة الإسلامية′ في سورية مرة أخرى".
وبدوره يرى نزار عبد القادر، الخبير الاستراتيجي والعسكري، أن تأثير العملية التركية سيكون كبيرا، ويوضح في حديث مع DW عربية قائلا: "العمليات العسكرية التركية ستكون لها تداعيات على الاستقرار في الشرق الأوسط وعلى الوضع السياسي محليا وإقليميا. فهي ستتسبب في ويلات ومشاكل للسكان والمدنيين وسيكون هناك قتلى ونازحون. كما أن الأزمة السورية ستتعقد ومحاولات البحث عن حل سياسي ستكون شبه مستحيلة".
ومن بين التأثيرات المحتملة للعملية العسكرية التركية هرب مقاتلي "داعش" المعتقلين في السجون والمخيمات التي يشرف عليها المقاتلون الأكراد. وفي خطاب له أعلن الرئيس التركي أن قواته تمكنت من "تحييد 109 من الإرهابيين". وفي تغريدة لها قالت قوات سوريا الديموقراطية في حسابها الرسمي أمس على تويتر أن القوات التركية نفذت غارة جوية على سجن فيه عدد من معتقلي "داعش".
وعن مخاوف فرار المعتقلين قالت كلاوديا دانتشكشي، مديرة شركة الاستشارات الألمانية "حياة ألمانيا"، في حوار معDW إن " مخيم الهول المخيم الأكثر شهرة سيتأثر أيضًا. نحن متأكدون تمامًا من أن القوات الكردية ستقوم بكل ما في وسعها لمقاومة الهجوم التركي ... لكن الأكراد ليس لديهم الكثير من المقاتلين. وليس من الواضح هل سيتم سحب الحراس في مخيم الهول أم لا".
إضافة إلى تأثير العملية التركية على استقرار المنطقة واحتمال فرار مقاتلي "داعش" من المعتقلات، يرى البعض أن الخطوة التركية تهدف إلى إحداث تغيير ديموغرافي وعرقي في الشمال السوري. كما يتهمونه بالسعي إلى القيام بتطهير عرقي في المنطقة. وفي هذا الصدد يقول إرتان توبراك، رئيس الجالية الكردية بألمانيا، في مقابلة مع DW إن أدروغان يسعى إلى "منع قيام دولة كردية على الحدود السورية التركية. أما هدف أروغان على المدى الطويل هو ضم المناطق السورية الشمالية".