العنف يدفع بشابات عربيات في ألمانيا إلى مراكز الرعاية
١٥ أغسطس ٢٠١٦كما تم الاتفاق عليه مع الشابة السورية نسرين توجهنا في صبيحة يوم ممطر إلى مراكز مؤقت للإيواء والرعاية يقع في حي شرلوتنبورغ البرليني. أدخلتنا مشرفة اجتماعية شقراء طويلة القامة إلى إحدى القاعات في الطابق الأول من العمارة. في داخل القاعة كانت الشابة نسرين البالغة من العمر 16 ربيعا تنتظرنا بشغف. رحبت الشابة بقدومنا مبتهجة ثم شرعت تقص علينا سبب تواجدها في هذا المركز المؤقت:" أنا هنا منذ أيام قليلة، قررت الفرار من عائلة عمي من إحدى المبيتات الجماعية في برلين. لقد كان ابن عمي، والذي هو زوجي في نفس الوقت، يضربني ضربا مبرحا أمام كل أفراد العائلة. حرمت من الخروج من المبيت، وتحولت حياتي بينهم إلى جحيم."
كانت نسرين تقص علينا واقعها المرير وقد انهمرت الدموع من عينيها، كانت تروي لنا مصيرها الجديد الذي كتبته لها الحرب السورية، كما تقول. فقد عاشت الشابة اليافعة، بين أقرب الناس إليها في الغربة، كل أنواع التنكيل والضرب والإهانة. مضت نسرين في حديثها تقول باكية." لم أعد أتحمل هذه القسوة والعنف، لذلك قررت الفرار خفية من الغرفة وتوجهت لإحدى سيارات الشرطة التي كانت رابضة على الطريق الرئيسي. أخذوني معهم إلى مخفر الشرطة، وهناك وبحضور مترجمة عربية تعرفوا على مشكلتي ثم حملوني على جناح السرعة إلى هذا المركز الذي أنا فيه الآن، لأتلقى المساعدة والرعاية بصفتي قاصر."
بينما كانت نسرين، وهي أم لرضيع، تقص علينا قصتها، كانت المشرفة الاجتماعية تداعب يدها الممتدة على الطاولة المستديرة وتنظر إليها بنظرات مطمئنة، وكأنها تريد أن تقول لها لا تخافي يا عزيزتي، نحن هنا لحمايتك ومؤازرتك. ثم شرعت كلاوديا المشرفة الاجتماعية تقول وبصوت ناعم وهي تبتسم :" إن مهمتنا هنا كمؤسسة اجتماعية عمومية تتمثل بالدرجة الأولى في حماية نسرين ورضيعها من عنف أهلها الذين يمثلون خطرا عليها وعلى رضيعها". وأضافت "نحن الآن بصدد البحث عن مبيت يقع بعيدا عن هذه المنطقة، ويجب أن يكون مناسبا لها وخاص بالشابات اللواتي عرفن العنف في محيطهن العائلي".
لقد كانت المشرفة الاجتماعية تتكلم وهي تلقي بنظراتها إلى نسرين وكأنها تطمئنها بمستقبل أفضل ثم استمرت كلاوديا تقول :" نسرين تريد العودة إلى عائلتها المقيمة حاليا في إحدى المخيمات في لبنان، لقد اتصلنا هاتفيا بوالديها وأعلمناهما بوضعية نسرين الراهنة. وقلنا لوالديها بأن نسرين ستضل في حمايتنا بعيدة عن عائلة عمها وزوجها إلى أن تأتي العائلة إلى ألمانيا".
وطمأنت المرشدة الاجتماعية البنت السورية بظروف إقامتها المستقبلية وإن إدارة المبيت ستشرع في البحث لها عن مدرسة حتى تتمكن من تعلم اللغة الألمانية والقيام بأنشطة ثقافية واجتماعية متنوعة حتى تتمكن من الاندماج بسرعة في المجتمع الألماني.
مراكز للإيواء والرعاية بعيدة عن الأنظار
ياسمين، شابة سورية تبلغ من العمر 22 عاما وتقيم في ذات المركز، تقول إن مصير نسرين لا يقتصر عليها لوحدها، بل إن العديد من النساء والفتيات قررن الهروب من عنف أزواجهن واللجوء إلى مراكز المبيت النسوية، ثم استمرت تقول: "أنا واحدة من ضحايا العنف الأسري الذي لم نعرفه هنا في ألمانيا فحسب بل عشناه أيضا في سوريا، لكن ظاهرة العنف مع زوجي ازدادت هنا في برلين في المبيت الجماعي. لقد سبق لإدارة المبيت أن اتصلت بالشرطة، وكنت في كل مرة أنفي قيام زوجي بتعنيفي درءا لشماتة الجيران وخوفا على زوجي من إجراءا ت الشرطة."
وتضيف الشابة السورية القادمة من محافظة إدلب تقول : "إن الاستشارة التي تلقيتها في إدارة المبيت من قبل إحدى المرشدات ساعدتني في أخذ القرار. لقد ساعدتني المرشدة في الذهاب إلى مبيت نسوي من خلال مؤسسة اجتماعية نسائية تعمل في هذا الحقل. اليوم في هذا المبيت أعيش حياة خالية من العنف والألم والعقاب والسجن." هنا في هذا المبيت الذي يتكون من سبع غرف والذي تعيش فيه إلى جانب شابات عربيات، شابات ونساء ألمانيات هربنا هن أيضا من عنف أزواجهن.
يتمثل الدعم الذي تحصل عليه القاطنات في مراكز المبيت في تنظيم حصص للعلاج النفسي يشرف عليها أطباء نفسانيون يتكلمون اللغة العربية، بالإضافة إلى تسجيلهن في مدارس للغة الألمانية فضلا عن تقديم الاستشارة بكل ما يتعلق بمشاغلهن اليومية. وتحرص الإدارة على توفير الحماية الكاملة للنساء اللواتي أصبحنا ضحايا العنف الأسري.
الشابة سوسن تونسية الأصل من مواليد مدينة برلين وتسكن هي الأخرى منذ ما يزيد عن نصف عام في نفس المركز. تركت سوسن البالغة من العمر 17 عاما بيت أهلها، قائلة إن "تمسك والدها بالعادات التقليدية الصارمة كانت وراء قرارها". واستمرت في حديثها قائلة: "الثقة بيني وبين والدي فقدت بالكامل منذ أن بلغت سن 14، لقد شرعت أمي بتنفيذ أوامر أبي التي تمنعني من الخروج من البيت ولقاء صديقاتي، كان أبي يحبذ الضرب المبرح والكلام الجارح والتهديد بترحيلي إلى احد القرى التونسية النائية في الساحل التونسي، عوض الحديث معي لحل تلك الصعوبات بالطرق السلمية والحضارية." لقد وصلت الشابة التونسية إلى هذا المبيت عبر مكتب استشارة للشابات المعنفات، الذي أسرع في توجيهها إلى مكتب الطفولة والشباب من اجل حمايتها من عنف والديها.لا تنوي الشابة التونسية في الوقت الراهن العودة إلى بيت أهلها، لأنها كما تقول: "تخشى غضب والدها والعنف الجسدي واللفظي الذي عاشته يوميا مع عائلتها".