العنف المدرسي في الجزائر يطيح بهيبة الأستاذ
٨ فبراير ٢٠١٢أحيى الاعتداء العنيف الذي تعرض له مؤخرا أستاذ اللغة العربية من طرف تلميذ في السنة الأولى بثانوية 01 نوفمبر 1954 في مدينة جديوية بولاية غليزان (غرب الجزائر)، النقاش حول العنف المدرسي في الجزائر، وسبل مواجهته، خاصة وأن حوادث الاعتداء على الأساتذة أصبحت جزءا من المشهد التربوي كل يوم بمدارس وثانويات الجزائر في السنوات الأخيرة. وتقول أستاذة مادة الرياضيات زينب.س بثانوية في الحراش، "لقد أصبحنا مهددين داخل القسم في كل لحظة من طرف تلامذتنا، ذكورا وإناثا، وفي كثير من الأحيان نتراجع عن قراراتنا التأديبية التربوية المعروفة خوفا من ردود أفعالهم العدوانية، لأنه ليس لنا سند يحمينا داخل حرم المدرسة وخارجها"، وتروي الأستاذة زينب لدويتشه فيله، أحداثا عديدة شهدتها الثانوية، تعرض فيها أساتذة للضرب والسب والشتم، وحتى التحرش، من طرف تلامذتهم، دون أن يحصلوا على العقاب المستحق، "لقد أصبحت سلطة التلميذ في القسم أعلى من سلطة الأستاذ وأقوى من رمزيته، لذلك فقدنا مكانتنا بين التلاميذ وفي المجتمع بصفة عامة، ولم نعد نؤدي الرسالة التربوية والتعليمية النبيلة كما يجب أن تكون".
حملة من أجل المطالبة بالقانون
وأمام توسع ظاهرة العنف المدرسي ضد الأساتذة، والتي سادت حتى المدارس الابتدائية، أطلقت النقابة الوطنية لأساتذة التعليم الثانوي والتقني، مبادرة وطنية لجمع أكبر عدد من التوقيعات، في شكل عريضة احتجاج وطنية، للضغط على وزارة التربية لحملها على إصدار قانون لحماية المعلم والأستاذ داخل المؤسسة التربوية من جميع أشكال العنف التي أصبح عُرضة لها. وأكد الأستاذ محمد أوس، عضو المكتب الوطني للنقابة، في تصريحات صحفية، بأن "النقابة كلفت جميع مكاتبها في البلاد من أجل الشروع في جمع توقيعات مستخدمي القطاع في شكل عريضة اسمية، سيتم استعمالها لمطالبة الجهات المسئولة بتحصين الأستاذ من الاعتداءات الجسدية التي باتت تستهدفه، حيث "نطمح إلى جمع أكثر من مائة ألف توقيع على أقل تقدير للمطالبة بسن قانون خاص، ينتهي بفرض الحماية اللازمة لطاقم المُدرسين أثناء التدريس".
الأستاذات الأكثر تعرضا للعنف
ويرفض أستاذ الفلسفة محمود أوبعيش بثانوية عمر راسم أن يتحول الأستاذ إلى شماعة تعلق عليها أسباب العنف المنتشر في الوسط المدرسي، وردا على اتهامات الأولياء المستمرة للأساتذة والمعلمين بأنهم مقصرون في أداء واجبهم التربوي، ويساهمون بطريقة مباشرة وغير مباشرة في توسع الظاهرة، يقول محمود لدويتشه فيله "إن كل الأرقام تؤكد بأن الأستاذ هو "الضحية" في هذا الموضوع وغالبا ما "يدفع ثمن" قرارات الإدارة ومجالس الأقسام الصادرة في حق التلميذ التي تكون في أغلبها رمزية لا تتعدى التوبيخ البسيط والملاحظة الشفهية، وأقصاها النقل إلى مؤسسة أخرى. غير أن أن هذا يؤدي ببعض التلاميذ إلى التفكير في "الانتقام" سواء داخل المؤسسة أو خارجها، كل هذا في ظل استمرار غياب أطر حماية الأستاذ بكل أشكالها، وخاصة الزميلات اللواتي لا حول ولا قوة لهن داخل المؤسسة وخارجها، وهن أكثر تعرضا للعنف الجسدي واللفظي من الأساتذة الرجال، ويعكس عدد شكاويهن في أقسام الشرطة والمحاكم دليلا على ذلك.
المسؤولية على عاتق الوزارة
ويطالب مسعود عمراوي، المكلف بالإعلام في الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، من الوزارة بسن تشريعات قانونية لحماية الأستاذ من جميع أشكال العنف التي يتعرض لها، وتغيير القوانين الحالية التي ساهمت بنسبة كبيرة، ـ حسب رأيه ـ في سيادة سلطة العنف داخل المدرسة. وأضاف في حوار لدويتشه فيله " لقد كانت لنا تشريعات قانونية لحماية الأستاذ بموجب محتوى القانون المدني الصادر في 1975 الذي ينص في عدد من مواده على أن الدولة تحلّ محل الأستاذ إذا قام أولياء التلاميذ بتحريك دعوى قضائية ضده، إلا أنه بعد صدور القانون التوجيهي لقطاع التربية 08/04 في 2008 ألغيت المواد المشار إليها". ويتهم عمراوي وزارة التربية "بتحقير الأستاذ"، وطالبها بمراجعة القانون التوجيهي لسنة 2008، وتضمينه مواد تحمي الأستاذ أثناء ممارسة وظيفته، وفي القضايا المرتبطة بمهنته.
وفي دراسة لافتة أنجزتها الدكتورة بكوش آمال، طبيبة مختصة في الأمراض النفسية بمستشفى عنابة (شرق الجزائر)، تناولت 300 حالة من العنف المدرسي، وجدت أن 51 في المائة منها تتعلق بالعنف اللفظي ضد الأساتذة كالشتائم والتهديدات، و30 في المائة تتعلق بتخريب تجهيزات مدرسية كالطاولات والكراسي والنوافذ الزجاجية وغيرها، كنوع من انتقام التلاميذ من الأساتذة وإدارة مؤسساتهم التربوية، بينما لجأ 29 في المائة إلى الاعتداء على أساتذتهم بالضرب، ووقعت 40 في المائة من الاعتداءات بالضرب داخل المؤسسات التربوية و60 في المائة في محيطها، حيث ترصَّد التلاميذ الجناة أساتذتهم برفقة أصدقاء السوء للاعتداء عليهم.
كلنا معنيون بظاهرة العنف
وبالرغم من صعوبة تحديد الطرف المسئول عن تنامي ظاهرة العنف، إلا أن المختصين يرون في الاكتظاظ وافتقاد الأساتذة للتكوين الخاص في علم النفس التربوي، وغياب أطر قانونية واضحة تحدد مسؤوليات كل طرف وضمانات حمايته، بالإضافة إلى إهمال الأسرة لمهمة التربية، إذ لم تعد تؤدي دورها في متابعة الأبناء داخل البيت وخارجه، وخضوع الأبناء لتأثيرات خارجية بعيدة عن منظومة القيم التي ينتمون لها، وغلبة الظروف الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع على القيم التربوية والتعليمية عوامل تراكمية عبر السنوات تدفع الآن بقوة أكبر بالعنف في الوسط المدرسي.
ويؤكد الأستاذ علي شبيطة الباحث في علم الاجتماع التربوي في هذا الإطار أن 40% من التلاميذ في الجزائر يتميزون بسلوك عدواني يدفعهم إلى ممارسة العنف بمختلف أشكاله، ويقول لدويتشه فيله إن "العنف المدرسي ظاهرة عالمية، وهي مستفحلة في كل المجتمعات، وهو ما يعني أنها ليست خاصية جزائرية، لكن ما يميزها عندنا هو سرعة تناميها"، وعن الأسباب التي أدت إلى انتشارها، فترجع إلى وجود عدة عوامل، من أهمها "خصوصية مرحلة المراهقة التي يمر بها التلميذ، والتي يتميز فيها الفرد بطاقة مرتفعة يقوم بتفريغها في شكل سلوكيات عنيفة، بالإضافة إلى سنوات العنف في الجزائر التي أثرت سلبا على نفسية جيل بأكمله، علاوة على تأثير المحيط الخارجي، وأقصد بذلك وسائل الإعلام سواء التلفزيون أو الإنترنت، والأسرة العاجزة حاليا عن أداء دورها التربوي، ويضاف لهذه العوامل جميعها تنصل الوزارة الوصية عن اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمعالجة الظاهرة واحتواءها".
الجزائر/توفيق بوقاعدة
مراجعة: محمد المزياني