العنوسة كابوس يحطم أحلام فتيات غزة
١٥ يونيو ٢٠١٢ريم فتاة غير متزوجة في بداية العقد الثالث تعمل إدارية في إحدى المؤسسات الحكومية شمال مدينة غزة. بصعوبة بالغة وافقت الحديث مع DW عربية. وأبدت ريم عن شعورها بالندم عمن وصفتهم بـ"طابور العرسان" اللذين رفضتهم وهى في سن مبكرة بحجه إكمال تعليمها الجامعي وطموحها في وظيفة ما. وأشارت ريم أن الفتاة في غزة إذا ما وصل عمرها إلى 25عاما يصبح من الصعب التقدم لخطبتها احد. مضيفة "إنني لم أكن أبالي بهذا المنطق الاجتماعي لاننى أتمتع بالجمال والتعليم". إلا أن فكر ونظرة ريم للحياة تبدلت حال تحقيق طموحها بتعليم ووظيفة وتقدما في عمرها. موضحة أن آخر من تقدم لخطبتها منذ ثلاث سنوات متزوج وله أبناء وفى نهاية العقد الخامس. وتابعت ريم حديثها بأنها تنتظر زوجا وشريكا لحياتها "طال انتظاره".
"ظل راجل ولا ظل حيطه"
هُن كثيرات في مجتمع غزة ذات الملامح الجميلة الحاصلات على درجات علمية، ونجحن في تحقيق حلمهن في التعليم والوظيفة. و بعضهن فضلن التعليم الجامعي على الارتباط بالزواج في سن مبكرة. فباتوا ينتظرن تحقيق حلمهن الثاني- الزوج والأبناء- في مجتمع عاداته وتقاليده الموروثة تفضل بشكل كبير ألا يزيد عُمر الزوجة عن ثمانية عشر عاما. والى ذلك العُرف والنظرة المجتمعية الغزية فإن" وصف العنوسة لمن تعدت عُمر الخامسة والعشرين". وأشارت آخر الإحصائيات للجهاز المركزي الفلسطيني بارتفاع نسبه العنوسه لتصل إلى نحو 4%.
الحاجة أم سالم من مدينة رفح جنوب القطاع لديها سبعة من الأبناء، تروى لـDW عربية بأنها وافقت على زواج اثنتين من بناتها في سن السادسة عشر دون أن تُكملا تعليمهما، مضيفة بأنهما سعيدات في حياتهن بعد أن رزقن بالأولاد. بينما الخُصة والحسرة في قلب أم سالم على ابنتها منى التي آثرت التعليم والحصول على درجه الماجستير في اللغة العربية. وبينت أن ابنتها التي رفضت الحديث معنا تخطت الثلاثين عاما، ولم يعد العرسان يطرقون بابها. وأنهت الحوار أم سالم بالقول" نفسي اطمئن على زواج بنتي، وبلدنا في ظروف سياسية واقتصادية صعبة كتير وفى نظري..ظل راجل ولا ظل حيطة".
بطالة وغلاء المهور
تظل العنوسة من اشد المشكلات التي تواجه وتؤرق فتيات غزة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتفشي البطالة بأرقام قياسية. رغم ذلك إن غلاء المهور من أهم أسباب ارتفاع العنوسة. التقينا في منتزه الجندي المجهول وسط غزة بأربعة شباب. حاتم محسن، مصطفي عرفات، سلامه أصرف، محمد جمعه. أشار لنا مصطفي بأنه طلق زوجته لأسباب خاصة. مشيرا بأنه تقدم إلى خطبه فتاة، طالبه أهلها بمهر كبير فاق مقدرته.
ويُحمل حاتم الكثير من اهالى الفتيات مسؤولية تأخر بناتهن في الزواج" ليصبحن عوانس" بسبب المغالاة في المهور وتكاليف الزفاف. ويرى سلامه أن مشكله البطالة في غزة من أسباب عدم إقبال الشباب على الزواج قائلا:" أنا الآن عاطل عن العمل ..كيف بدى أتزوج وسط غلاء المهور والبطالة ووضعنا الاقتصادي سيء...شبح العنوسة يطاردنا كشباب". بينما محمد يعتقد أن الفتيات أصبحت مطالبهن ونظرتهن للحياة تختلف عن عشرة أو عشرين عاما مضت" بسبب غيرة البنات من بعضهن في تعليم الجامعات وكمان من الفضائيات اللي أثارت وكبرت أحلامهم اللي أقل من مستوياتنا". ويؤكد مركز شؤون المرأة والأسرة بان هناك ارتباط قوي بين ارتفاع المهور وتكاليف الزواج والبطالة والانقسام السياسي والهجرة وبين ارتفاع نسبة العنوسة عند الفتيات.
آثار نفسية تسبب العُزلة
عن الحالات النفسية التي قد تصيب العوانس ظاهرة الانطواء والعزلة. أم سالم في ذات السياق أشارت لنا أن ابنتها منى تفضل الجلوس منفردة دون مشاركة أسرية، وتقضي معظم يومها في غرفتها ولا تشارك أسرتها في المناسبات المجتمعية. " خوفا من الأسئلة المحرجة لتأخر زواجها". وتبين الأخصائية النفسية ألاء الشاعر أن العنوسة لدى الشباب والفتيات ظاهرة اجتماعية تحولت إلى أزمة مستفحلة، تسبب آثارا نفسية تتمثل في الشعور بالكآبة والقلق من المستقبل والتفكير المستمر والانعزال عن المجتمع، لتجنب سماع الانتقادات. مشيرة أن الأمر قد يصل أحيانا إلى إقامة علاقات غير شرعية. وعن الحلول في نظرها، تعتقد الشاعر بمعالجة الأسباب الاقتصادية ودعم المؤسسات الخيرية لغير القادرين. وخفض الأهالي مهور بناتهن المبالغ فيه.
أعراس جماعية للحد من العنوسة
كثرت في السنوات الأربع الماضية حفلات الزفاف الجماعية بصورة لم يشهدها قطاع غزة على الإطلاق للتخفيف من تكاليف الزواج ولتشجيع الشباب والفتيات على الزواج . فنسمع بين الحين والآخر عن إقامة حفلات زفاف جماعية، تصل الحفلة أحيانا إلى زفاف خمسمائة عريس. وقد دفعت مشكلة العنوسة وعزوف الشباب عن التأخر في الزواج للأسباب الاقتصادية والاجتماعية إلى قيام جمعيات ومؤسسات خيرية مدنية بمساعي حثيثة لتقديم برامج منح ومساعدات وفق معايير خاصة. لم يقتصر الأمر على الشباب والفتيات الذين لم يسبق لهم الزواج، بل من بين تلك البرامج تقديم مساعدات مالية وعينية للمتزوجين من أرامل الشهداء اللواتي تتراوح أعمارهن مابين الثامنة عشر إلى الخمسة والعشرين عاما، واللواتي فقدن أزواجهن عن عمر مبكر خاصة في الحرب الأخيرة في غزة.
شوقي الفرا- غزة
مراجعة: هبة الله إسماعيل