الفساد آفة عالمية تستنزف الطاقات الاقتصادية وتوسع دائرة الفقر
٥ أكتوبر ٢٠٠٦"أصبحت الرشوة جزءا من الصفقات التجارية"، هذا ما خلصت إليه دراسة معمقة نشرتها منظمة الشفافية العالمية (Transparency International) يوم الأربعاء في بروكسيل العاصمة البلجيكية. وستفتح هذه النتيجة المتشائمة للدراسة ملف ظاهرة الفساد في الدول والشركات العالمية مجددا. ووفقا للدراسة فإن هذه الظاهرة أحد الأسباب الرئيسية للفقر الذي يفضي إلى كوارث وحروب وهجرات.
الشركات الألمانية من أقل الشركات ممارسة للفساد
وقد حللت الدراسة ظاهرة الرشوة في ثلاثين دولة رائدة في مجال التصدير، ورتبتها في قائمة وفقا لمدى تفشي الظاهرة لدى الشركات المصدرة من هذه البلدان. كما بينت ان دفع رشاوى من قبل هذه الشركات إلى مسؤولين في الدول المستوردة أصبح أمرا اعتياديا تلجئ له الشركات لتسهيل حصولها على عطاءات، خصوصا عندما يتعلق الأمر بعطاءات حكومية مرتبطة ببناء البنية التحتية.
ومن المعروف أن الاقتصاد الألماني يحتل المرتبة الأولى عالميا في مجال التصدير. في الدراسة إن الشركات الألمانية من ضمن أقل الشركات التي تتعاطى الرشوة. وعلى ضوء ذلك جاءت ألمانيا في المرتبة السابعة، لتكون بذلك إحدى اقل الدول فسادا في مجال التصدير. أما المراتب الأولى فاحتلتها الشركات السويسرية والسويدية والنمساوية والاسترالية. فيما شغلت الشركات التركية والروسية والصينية والهندية آخر المراتب في القائمة بسبب ممارستها الحثيثة للرشوة. يذكر ان تقرير هذه العام شمل دولتين عربيتين هما المملكة العربية السعودية، التي احتلت المرتبة الثانية والعشرين، والإمارات العربية المتحدة، التي احتلت المرتبة الرابعة عشر.
الرشوة تبدد ربع الجهد الاقتصادي للدول الأفريقية
وتمارس شركات الدول المصدرة أسلوبا محرما قانونيا للحصول على عطاءات لتصدير منتجاتها وخدماتها، وذلك بدفع رشاوى للمسئولين في القطاع العام والخاص في الدول المستوردة. وتقول المنظمة أن هذه الممارسة تتسبب في غلاء أسعار البضائع والخدمات المقدمة مع عدم ضمان جودتها في الكثير من الأحيان.
وتشير المنظمة إلى أن الرشوة تتسبب في ضياع ربع الجهد الاقتصادي للدول الأفريقية الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تفاقم ظاهرة الفقر لديها. لذا تدعو المنظمة الدول المصدرة لمزيد من الملاحقة القانونية لقضايا الرشوة لديها وترى المنظمة في ذلك وسيلة مهمة لمحاربة الفقر - كما تقول رئيسة المنظمة هاغوته لابيل.
دور الرشوة في صفقات الأسلحة
ولا تقتصر ظاهرة الرشوة على دفع الشركات المصدرة أموالا للمسئولين في الدول المستوردة، فالعكس يحصل أيضا وذلك بدفع أموال للمسئولين في الدول المصدرة خصوصا عندما يتعلق الأمر بتصدير الأسلحة. ففي أغسطس 2005 حكمت محكمة ألمانية بالحبس لمدة سنتين وثلاثة أشهر على وكيل وزارة الدفاع الألمانية السابق، هولغر بفالس، بعدما اعترف خلال المحاكمة أنه حصل على حوالي مليوني يورو من قبل تاجر الأسلحة الألماني الهارب إلى كندا، كارل هاينس شرايبر، في إطار صفقة دبابات ألمانية تم بيعها إلى السعودية بداية التسعينيات من القرن الماضي.
وكان الادعاء العام قد حاول إثبات تهمة الرشوة على بفالس من خلال إثبات قيامه بتسهيل صفقة الأسلحة إلى السعودية مقابل حصوله على أموال. إلا أن عددا من الشهود، بينهم المستشار الألماني السابق، هيلموت كول، ووزير الخارجية السابق، هانس ديتر غينشر، أفادوا للمحكمة أن بفالس لم يكن له ضلع في الصفقة وأنما نفذ قرارات سياسية تم اتخاذها على مستويات عليا. وتعد قضية بفالس من أشهر قضايا الفساد التي هزت المجتمع الألماني في الفترة الأخيرة. ولا يزال الادعاء العام الألماني يحقق في ملابساتها حتى اليوم.