الفيدرالية.. حل مناسب لأزمة السلطة في لبنان؟
٣١ مارس ٢٠٢٣السقوط الحر للاقتصاد اللبناني منذ عام 2019، وتفاقم الأزمة السياسيةفي ظل العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية والشلل في كل مؤسسات الدولة، تحول طرح الفيدرالية من حديث داخل صالونات النخب السياسية إلى حديث وسجال في الشارع اللبناني وعلى المستوى الشعبي.
في العموم يلقى طرح الفيدرالية قبولا لدى الأحزاب المسيحية التقليدية في لبنان بوصفه حلا لسيطرة الأغلبية المسلمة على القرار والحكم، فيما ترفضه الأحزاب التقليدية الأخرى بوصفه طرحا انعزاليا ومقدمة لتقسيم البلاد.
وخلافا للطرحين هناك آراء وازنة معارضة ومؤيدة داخل الفريقين. لكن هل الفيدرالية نظام قابل للتطبيق والحياة في بلد لا تتجاوز مساحته 10452 كلم مربع؟ وهل تشكل فعلا حلا لأزمة الحكم في لبنان؟ وهل تحقق تفاهما أوسع لدى المكونات اللبنانية أم تساهم في تباعدها وبالتالي تعزز فرص تناحرها؟
فيدرالية الطوائف؟
يقول الأستاذ الجامعي والناشط السياسي د. وليد فخر الدين لـ DW عربية إن طرح الفيدرالية في لبنان ناتج عن "ردة فعل ويأس بسبب فشل النظام اللبناني في الحكم، وهذا أمر مشروع. لكن الفيدرالية بحد ذاتها ليست علاجا لأزمة لبنان، وطرحها في هذا التوقيت يدل على تشخيص خاطئ للأزمة".
ويعتبر فخرالدين الفيدرالية بالصيغة المطروحة هي "فصل للمكونات اللبنانية على أساس طائفي، بينما المشكلة في لبنان سياسية بامتياز وليست ناتجة عن عدم قدرة الطوائف على التعايش". ويرى أن فصل المكونات السياسية إداريا وجغرافيا وديمغرافيا لن يؤدي إلى حل على المستوى السياسي في لبنان، بل إلى تصادم أكبر داخل المكون الواحد أولا وبين المكونات ثانيا، بدليل "الحروب التي وقعت بين قادة التنظيمات المسيحية في منطقة بيروت الشرقية التي كانت تعتبر فيدرالية مسيحية إبان الحرب الأهلية، وكذلك المعارك الطاحنة بين حزب الله وحركة أمل، أكبر حزبين شيعيين، في منطقة بيروت الغربية التي كانت تعتبر فدرالية مسلمة".
من جهة أخرى يعتبر الباحث في الأنظمة السياسية والقانون الدستوري د. سليم زخور، أن النظام اللبناني تاريخيا وحاليا قائم أصلاً على أساس فيدرالي. إذ "يكرّس المكونات الطائفية والمذهبية على أنها مكونات سياسية لكل منها حصته في الحكم والمواقع الرسمية في الدولة". لكن زخور يرى أن المشكلة تكمن في أن النظام اللبناني "نسخة مشوهة" عن الفيدرالية، لأنه يتجاهل الاختلافات الأساسية بين هذه المكونات، مما يؤدي إلى خلافات مستمرة. ويضيف لـ DW عربية بأن "الفيدرالية ليست حلا بالمطلق، لكنها بالتأكيد مسار طبيعي نحو تنظيم وإدارة التعددية في لبنان وصولا إلى نظام سياسي صحي."
ويشرح زخور كيف يمكن لأي سجال سياسي في لبنان أن يتحول إلى "اشتباك طائفي" بسبب تغاضي النظام السياسي اللبناني عن اختلافات أساسية ثقافية واجتماعية بين مكوناته، وبالتالي يفتقد للقدرة على إدارة تنوعها بشكل سليم.
خلاف حول موعد التوقيت الصيفي!
تحول قرار إداري بتأجيل تقديم عقارب الساعة في لبنان إلى سجال طائفي استمرّ لعدة أيام، حين أصدر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مذكرة استثنائية تؤجل انتقال لبنان من التوقيت الشتوي إلى التوقيت الصيفي إلى حين انتهاء شهر رمضان لكي يتيح للمسلمين الصائمين الإفطار عند الساعة السادسة بدل السابعة بتوقيت بيروت. القرار لاقى انتقادات واسعة لدى الأحزاب المسيحية وصلت حد عصيانه من قبل المؤسسات الكنسية والشعبية المسيحية. وانقسم اللبنانيون لعدة أيام بين توقيتين زمنيين مختلفين، إلى أن أعلن رئيس الحكومة العودة عن قراره.
يقرّ فخرالدين أن القوى السياسية تستغل مثل هذه الحوادث لتجييش الرأي العام وإظهار أن المشكلة طائفية، فيما الهدف هو تسجيل نقاط بالسياسة.
أما زخور فيقول إن هذا الاشتباك هو نموذج قائم في لبنان باستمرار. مضيفاً أن "النظام يسمح للقوى السياسية باستغلال ثغرات لتحويل اللعبة السياسية إلى لعبة مذهبية وطائفية". ويوضح بأنه "يمكن تفادي هذا الاستغلال وهذه المشاكل في دولة فيدرالية، لأنها أولا تعطي استقلالية للمكونات في الوحدات الفيدرالية لتحديد خياراتها، وثانيا تؤمن البنية الفيدرالية آليات دستورية جديدة مختلفة عن آليات النظام الحالي لاتخاذ القرار على مستوى السلطة الاتحادية مما يسمح بإدارة مشتركة أفضل للحكم".
تقسيم الوحدات الفيدرالية
عمليا يصعب تخيل وحدات فدرالية مقسمة على أساس طائفي أو مذهبي في لبنان، بسبب التنوع والتداخل الكبير بين المناطق والقرى اللبنانية.
غير أن الخبير في القانون الدستوري، د. سليم زخور، يقدم طرحا ينطلق من مناطق جغرافية تتمتع بأغلبية طائفية أو مذهبية معينة تشكل قضاء أو نصف قضاء بحسب مساحتها، تمتلك صلاحية التشريع وتنظيم أمورها الإدارية ولها تمثيلها في الدولة المركزية التي تمتلك حصرية القرار فيما يخص السياسات المالية والخارجية والدفاعية.
هذه المقاربة يرفضها د. وليد فخرالدين الذي يرى أن الفيدرالية تفترض أن المركز هو الأقوى، أما في لبنان الدولة المركزية هي اللاعب الأضعف في المعادلة، فيما القوى السياسية هي الأقوى، ويختم حديثه لـ DW عربية بأن "إعلان فيدرالية في ظل مركز ضعيف يعني حتما التفكك والحرب".
بيروت ـ محمد شريتح