القرصنة الالكترونية للموسيقى والكتب الرقمية
٢٥ أكتوبر ٢٠١٣كان نابستر أول خدمة موسيقية بتقنية تبادل الملفات الموسيقية بين المشتركين على الإنترنت. والتي انطلقت عام 1999 وسرعان ما انتشرت بين ملايين عشاق الموسيقى بفضل هذه الخاصية (أي خاصية المبادلة). وتجاوزت أعداد المستفيدين من هذه الخدمة في قمة نشاطها على الإنترنت عشرة ملايين مشترك في الدقيقة الواحدة. كانوا يتبادلون الموسيقى مجاناً من بعضهم البعض بصيغة إم بي ثلاثة MP3.
عشر سنوات مضت حاول خلالها العالم وضع بدائل قانونية لهذا الانتهاك. ولم تُكتشف الفائدة الاقتصادية للملفات الصوتية MP3بفضل عالم الأقراص الصوتية الكلاسيكية أو الفونوغراف. لكن شركات دخيلة على هذا العالم مثل أبل وآي تيونز أو أمازون كانت أكثر سرعة، فقد فهمت قيمة هذه التقنية وتقاسمت الأرباح فيما بينها.
الجهل بقوة عالم إم بي ثلاثة
لم يعط الاقتصاد المبني على الموسيقى الإنترنت حقه من الاهتمام، فالكثير من المدراء الموسيقيين لاحظوا المساحة التي يوفرها الانترنيت للألعاب الرقمية. ولم يعلم سوى قليلون منهم، أن الملفات الصوتية إم بي ثلاثة والإنترنت ستقلب عالم الموسيقى رأساً على عقب.
وحين أدرك هؤلاء أهمية الإنترنت، كان الأوان حينها قد فات. فتصاعدت مخاوف الموسيقيين والعاملين في مجالها من القرصنة المتنامية من خلال الإنترنت وتكومت الشكاوى الصادرة منهم بشأن التجاوزات.
عالم الكتاب أنضج
في الوقت الذي نضجت فيه القرصنة الموسيقية على الإنترنت، كانت الكتب الرقمية قد خطت خطواتها الأولى. فخلافاً لغيرها من الكتب، انتشر إنتاج الكتب الرقمية المتخصصة بشكل متزايد. وخلافاً لعالم الموسيقى، استقبل ناشرو الكتب فكرة توفير الكتب على الإنترنت رقمياً بسرعة أكبر، تفادياً لاحتمالية توفير قراصنة الإنترنت لهذه الكتب بطرق غير قانونية. ولذا، هدف ناشرو الكتب إلى طرح هذه الكتب على الإنترنت دون مشاكل تقنية وبأسعار مقبولة.
وانطلقت هذه البادرة في منتصف العقد الأول من الألفية الثانية، وعلى قمة الذين بادروا بطرح الكتب رقميا هي شركة أمازون، إضافة إلى منصات وملتقيات مختصة في نشر الكتب إلكترونياً مثل Libri.de, Libreka.de, Bücher.deالألمانية.
اليوم، تتوفر تقريباً كافة الأعمال الأدبية بصورة الكتب الورقية والرقمية. ويشهد سوق الكتب الرقمية تصاعداً في الطلب، إذ بلغ الطلب على شراء الكتب الرقمية في الأسواق في عام 2011 0.8% لتصل في العام الماضي إلى 2.4%. ورغم ارتفاعها عن العام الماضي، يبقى الاهتمام بالكتب الرقمية قليل نسبياً.
تتعدد أسباب الاهتمام الضئيل في الكتب الرقمية: فيفضل البعض إحساس الكتب الورقية على تلك الرقمية، في الوقت الذي يشتكي فيه البعض من ارتفاع أسعار الكتب الرقمية. إلا أن هؤلاء يتناسون أن النسخة الرقمية لا تمنح مالكها الحق في التصرف بها على أكثر من جهاز واحد.
شركة أمازون العالمية حاولت لهذا السبب السيطرة على سوق الكتب الإلكترونية عن طريق طرحها نظام محدد لمنتجاتها يتناسب مع أمازون كيندل، والذي هو عبارة عن جهاز لتصفح وقراءة الكتب الإلكترونية. لكن هذه الخطوة أثارت استياء كثير من المستخدمين.
قانوني ضد غير قانوني
لا عجب في أن سوق الكتب الإلكترونية رغم بطئ نموه، لكنه جذب اهتمام الجانب الآخر من المعادلة، أي القراصنة. بوابة التنزيل الإلكترونية TorBooxتوفر اليوم قرابة 42.000 كتاب إلكتروني، منها كتب شهيرة. ويصل عدد عمليات التنزيل للكتب من على هذه البوابة إلى 1.2 مليون شهرياً. وأكثر ما يعجب مستخدمي هذه الصفحات أنها تمنحهم الحق في التصرف بالنسخة ونسخها على أكثر من جهاز واحد.
في أواخر صيف 2013 وجد TorBooxمشكلة بسبب نجاحه، فلا زال سوقه في نجاح متزايد، ما يعني الحاجة لخادم حاسوب أكبر، إلا أن التبرعات الصادرة عن المستخدمين نقصت. ولذا فقد أصبح الموقع منذ بداية شهر أكتوبر 2013 متوفراً بحسب خاصية "كل ما تستطيع قراءته" بكلفة ثلاثة يورو شهرياً.
تراجع سلطة أمازون
كان من المتوقع أن تتمكن شركة كبيرة مثل أمازون من اللحاق بقراصنة الإنترنت باستخدام وسائل قانونية، فبسبب قوته السوقية يمكن لأمازون تحديد الأسعار، بحيث تقلل من الأسعار أقصى ما تستطيع، فتتجاوز مبيعات المؤلفين والمطابع، وحينها ستكون خسائر الطرفين الأخيرين الناتجة عن أمازون مشابهة لتلك الناتجة عن القرصنة (اللاقانونية).
على صعيد آخر، يرى قراصنة توربوكس أنفسهم أقرب إلى روبن هود، الذي سرق الأغنياء لإطعام الفقراء، فنيتهم كانت إعلان الحرب على عمالقة الإنترنت مفاجئين المطابع بعرضهم بإنشاء صفحة تنزيل على الإنترنت. في المقابل تهتم نقابة تجار الكتب بتحديد تعريفة موحدة للكتب الإلكترونية في ألمانيا، لمنع احتكار أمازون الفرصة لتحديد هذه التعريفة.
التوعية بدل التجريم
لم تصل الأمور إلى هذا الحد بعد، فالنقابة تأمل في تحقيق التوعية:" نود لفت نظر المستخدم إلى أن تحركاته على هذه الصفحات غير قانونية، على خلاف عروض قانونية سنحاول جذب انتباهه إليها"، وفقاً للناطقة باسم النقابة كلوديا باول.
فوحدها Libreka.deتحوي أكثر من 270.000 كتاب. "نحن نؤمن بأن جزء كبير من المستخدمين سيسلك الطريق القانوني". حسب كلوديا باول، التي تضيف، أنه من الضروري استنكار الصفحات غير القانونية بوضوح تام، لكن الوقت ما زال مبكراً لسن عقوبات. وتوجه القضايا المتعلقة بهذا الشأن إلى السلطات أو الأنظمة المضادة للقرصنة.
السؤال المطروح هو كيف يمكن تفسير القفزة السريعة للقرصنة رغم التطور السريع لسوق الكتب الإلكترونية في ألمانيا. وتجيب كلوديا على هذا الاستفسار قائلة إن هذا يحدث من خلال جذب الانتباه إلى كونه مجال مربح للجهات الموفرة للخدمة بشكل غير قانوني، فمن خلال الإعلانات المنتشرة على صفحاتهم يوفرون دخلا لهم. وتقول"لا تزال فرص تحقيق الشهرة لهذه الصفحات الموفرة لهذه الخدمات لاقانونياً ضعيفة. كما من الصعب علينا توفير فرص مجانية مشابهة للمستخدمين بشكل قانوني".
لكن دور النشر مازالت تماطل مع تطبيق فكرة التعرفة الشهرية، فهي بذلك تضرب عصفورين بحجر: مكافحة القرصنة وتهديد عمالقة الإنترنت. ورغم أن ذلك يعني للمطابع والمؤلفين ربحاً أقل، إلا أن الشركات المنتجة للفونوغراف لم تفلس بسبب بيع الملفات الصوتية إم بي ثلاثة. فبعد انكسار في المبيعات الصوتية الموسيقية وصلت المليار عادت من جديد إلى الازدهار. اليوم، يكسب يورو واحد من كل خمس يوروهات في عالم بيع ملفات الموسيقى بفضل ملفات إم بي ثلاثة والأرقام في تصاعد.