القنوات الجزائرية الخاصة تكسر احتكار السلطة للتلفزة
٥ أبريل ٢٠١٢أطلق رجال أعمال وإعلاميين جزائريين قنوات خاصة في الخارج مباشرة بعد قرار السلطة في الجزائر فتح مجال السمعي البصري في إطار الإصلاحات السياسية التي باشرتها وتزامنا مع الحراك السياسي التي تشهده المنطقة العربية. وبدأت هذه القنوات تبث برامج عن الحياة السياسية والاجتماعية للجزائريين حتى قبل صدور القانون المنظم لهذا المجال، وهي برامج كانت بمثابة طابوهات (تابوهات) لم يكن التلفزيون الحكومي ليجرأ على بثها.
أربع قنوات خاصة جزائرية عبر النايل سات في ظرف قياسي
ومن بين أبرز تلك القنوات التي شدت إليها انتباه المشاهد الجزائري قناة "المغاربية" التي يبدو أنها باتت تحظى بمشاهدة كبيرة من قبل الجزائريين، بدليل الكم الهائل من المكالمات والاتصالات التي ترد على القناة للمشاركة في برامجها التفاعلية. وتتحدث عدة مصادر عن أن "المغاربية"، التي تتخذ من المملكة المتحدة (بريطانيا) مقرا لها، يقف خلفها مجموعة من رجال الأعمال المحسوبين على الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة المقيمين في عدد من الدول الغربية. فيما تذكر جهات أخرى أن دولة خليجية معروفة تقف خلف تمويل القناة، وهنا يشار تحديدا إلى إمارة قطر التي يقيم فيها زعيم الحركة المحظورة عباسي مدني.
وهناك مصادر تمضي إلى أبعد من ذلك إذ تقول إن نجل عباسي مدني الأكبر أسامة هو أحد المساهمين البارزين في القناة التي تروج لأطروحات لم يعتد الإعلام الجزائري على تداولها. ورغم محاولة القناة تقديم نفسها بشكل موضوعي من خلال استضافة شخصيات متنوعة تعبر عن مختلف الآراء، إلا أن مقاربتها للمواضيع جعلتها تكون أقرب منها لخطاب يتعلق بالأزمة الأمنية في الجزائر والعنف الدموي الذي شهدته البلاد إثر إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية عام 1991، التي فازت بها الجبهة، وغيرها من الملفات التي تحاول السلطة في الجزائر طي صفحاتها.
كما أطلقت قناة "الجزائرية" برامجها على "النايل سات"، انطلاقا من الأردن بداية يناير المنصرم، وتتميز بأنها قناة إعلامية وثقافية وترفيهية تعمل على تمرير قيم وطنية. وقبل أيام فقط من ذلك، أعلنت جريدة "الشروق اليومي" عن انطلاق بث تجريبي لأول قناة فضائية تلفزيونية خاصة. وقالت الصحيفة إن القناة ستقدم برامجها باللغات العربية والفرنسية والأمازيغية وتبث من عمان وبيروت، على أن تفتح مكاتب لها في الجزائر.
وتعرف فضائية الشروق نفسها بأنها "عامة وشاملة"، وخطها التحريري "سيكون مدافعا عن المصالح العليا للجزائر". وإلى جانب "الشروق تي في"، أطلق صحافيون قناة فضائية جديدة تحمل اسم "النهار" على القمر الصناعي "نايل سات". وبالرغم من نفي جهات قريبة من الفضائية الجديدة عن وجود علاقة قانونية تربطها بيومية "النهار الجديد"، إلا أن شعار القناة وخطها التحريري الإخباري الذي لا يبتعد كثيرا عن التوجه التحريري للنسخة الورقية من النهار، يدفع الكثيرين إلى الربط بين الاثنين.
احتكار ظاهره قانوني وباطنه سياسي
وظلت السلطة في الجزائر تحتكر القنوات التلفزيونية والإذاعية لمدة خمسين عاما لغاية العام الماضي حيث أعطت الضوء الأخضر لرفع الاحتكار وفتح مجال السمعي البصري في انتظار سن قانون يؤطر المهنة. وتعود أسباب إطلاق هذه القنوات لبرامجها من الخارج، حسب الإعلامي والكاتب الصحفي مصطفي هميسي، إلى عدم وجود إطار قانوني. وأضاف هميسي لموقع DWعربية ان هناك عوامل سياسية تتعلق بتردد السلطة في فتح المجال للمبادرة الخاصة خوفا من المعارضة.
الشارع يراقب بحذر موجة الفضائيات الخاصة
ويبدو أن الشارع الجزائري، الذي كان يرى في الصحف الوطنية منبرا له لطرح مشاكله بالدرجة الأولى، في ظل الانغلاق الذي تعرفه وسائل الإعلام الثقيلة، قد انتبه لوجود تزاحم عدد كبير من القنوات الجزائرية "الخاصة" على احتلال مساحة لها ضمن فضاء الإعلام الثقيل للتنافس على اقتسام كعكة المشاهد الجزائري.
يقول سمير ( 39 سنة) إنه يتابع هذه الأيام قناة "الشروق تي في"، خصوصا وأنها ذهبت بالمشاهد نحو همومه عبر تطرقها لمواضيع تهم المواطن كالسكن والنقل وغلاء المعيشة. وأضاف أن "اهتمام هذه القناة بالجزائر العميقة عن طريق بث تحقيقات وريبورتاجات من الواقع تتطرق للمستور من معاناة شريحة من المواطنين، هو ما يعطيها مصداقية".
وترى فتاة تقول إن اسمها سميرة (23 سنة) أن القنوات الخاصة هذه تتحدث بحرية تامة وكشفت عن قضايا كانت فقط تتناول في الصالونات وفي القاعات المغلقة. وحسب سميرة فإنها تتطرق في برامجها إلى "الشق الاجتماعي"، وتتناول بعض نقاط الضعف لدى التلفزيون الجزائري. وتسوق سميرة مثالا على ذلك قيام قناة "النهار تي في" بتخصيص حصة "لليوتيوب"، تنقل من خلالها آراء للشباب من مختلف المناطق دون قص أو حذف.
أما داود (37 سنة) فعبر عن إعجابه بقناة المغاربية على خلفية عرضها لبرامج تخص فترة معينة عايشتها الجزائر تخفي الكثير من الأسرار ترتبط بالأزمة الأمنية في سنوات التسعينات. ويقول داود إن "القناة تستضيف شخصيات معارضة للنظام في الجزائر ومنشقة عنه تكشف عن ما يدور في دواليب الحكم من صراعات؛ وهذا بالنسبة إليه شيء مثير ويستحق المشاهدة".
وبالنسبة لمضمون هذه القنوات يقول الخبير الإعلامي فيصل مطاوي إن قناة المغاربية المتواجدة مقرها في لندن هي الوحيدة التي فتحت برامجها للتعبير الحر للجزائريين عن طريق الاتصال كما أنها تتناول مواضيع تتعلق بالصراع داخل السلطة في الجزائر ودور الجيش من خلال استضافة معارضين وربما هذا هو الهدف الرئيسي لإنشائها، أي إسماع صوت المعارضة المغيب.
أما بخصوص القنوات الأخرى كالنهار تي في وشروق تي في فهي تبقى بالنسبة للخبير الإعلامي متخوفة من تناول مواضيع جريئة تتعلق بالرئيس ودور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية والتحقيقات حول الفساد. لذا يعتبرها مطاوي "ضعيفة لأنها في بداية انطلاقها ولا تريد إزعاج السلطة والمواطن الجزائر بحاجة لإسماع صوته الذي غيب في التلفزة الحكومية وله الحق في الإعلام بما يدور في بلده".
رتيبة بوعدمة – الجزائر
مراجعة: أحمد حسو