المال مقابل حماية الحدود.. ماذا نعرف عن صفقة الهجرة مع تونس؟
١٨ يوليو ٢٠٢٣اجتمعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني ونظيرها الهولندي مارك روته مع الرئيس التونسي قيس سعيّد في تونس ووقعوا معه على مذكرة تفاهم من أجل تعاون أفضل مستقبلا.
لكن اتفاقية الشراكة مع تونس تحتاج إلى موافقة قادة دول وحكومات الاتحاد الأوروبي قبل العمل بها، وخطوطها العريضة واضحة. إذ أن تونس والاتحاد الأوروبي يريدان مكافحة مهربي البشر (المهاجرين) بشكل أقوى مستقبلا، والحد من عدد المهاجرين الذين ينطلقون من سواحل تونس ويخاطرون بحياتهم من أجل عبور البحر المتوسط إلى أوروبا.
ورغم محاولة كبار موظفي الاتحاد الأوروبي التركيز وإبراز القضايا الأخرى الهامة في الاتفاق مع تونس، مثل الاستقرار الاقتصادي والتجارة والطاقة الخضراء النظيفة وبرامج التبادل للشباب بين الطرفين، فإن قضية الهجرة هيمنت على القضايا الأخرى في الاتفاق.
"فالاتحاد الأوروبي ينظر إلى العلاقات مع تونس والدول الأخرى على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط، من خلال منظار الهجرة" تقول آنا كنول، الخبيرة في شؤون الهجرة لدى مركز أبحاث العلاقات الأفريقية الأوروبية (ECDPM) في بروكسل.
وقد تعرض الاتحاد الأوروبي لضغوط وخاصة من رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية المتشددة جورجيا ميلوني، التي وصل إلى بلادها مهاجرون ولاجئون حتى شهر يوليو/ تموز الجاري بأعداد كبيرة لم تشهدها إيطاليا منذ سنوات. ومهم جدا بالنسبة لحزبها، أخوة إيطاليا، أن يبدو كقوة تقوم بشيء ما ضد الهجرة، يقول أنطوني دوركين، الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR).
الصفقة مع تونس هي جزء من سياسة اللجوء الجديدة
لكن ليس إيطاليا فقط، وإنما العديد من الدول الأوروبية الأخرى تريد التحرك، بعد أعوام من الإخفاق في تحقيق تقدم في سياسية اللجوء. فقد تم التوصل أخيرا في يونيو/ حزيران الفائت إلى اتفاق حول سياسية لجوء وهجرة جديدة، تضع دول الاتحاد الأوروبي أمام خيارين: إما استقبال اللاجئين الطالبين للحماية أو دفع المال. وقد تعرضت لانتقادات شديدة إجراءات اللجوء السريعة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي التي يتضمنها الاتفاق، وذلك بالنسبة للذين يحاولون دخول الاتحاد الأوروبي بشكل غير نظامي برا أو بحرا.
ويُنظر إلى الاتفاق مع تونس في هذا السياق، حيث أنها وافقت على استعادة مواطنيها الذين يتم ترحيلهم من دول الاتحاد الأوروبي، في حال رُفضت طلب لجوئهم. لكن رغم "ضغوط الجانب الأوروبي"لم توافق تونس على استقبال وإيواء المهاجرين من البلدان الأخرى، على سبيل المثال مواطني دول أفريقيا جنوب الصحراء، الذين يتم ترحيلهم من دول الاتحاد الأوروبي، حسب رأي الخبير أنطوني دوركين.
ليست اتفاقية اللجوء مع تركيا لعام 2016
هناك فرق أساسي بين اتفاقية اللجوء مع تركيا عام 2016 والاتفاقية مع تونس التي تشمل مجالات عديدة أخرى غير الهجرة مثل الطاقة المتجددة. وفي حين كان الاتفاق مع تركيا يشمل استقبال المهاجرين من دول أخرى أيضا ولاسيما من سوريا، فإن "الأمر يتعلق الآن في منع الناس من مغادرة تونس، وليس بإعادتهم" يقول دوركين.
وحسب رأي دوركين، هناك قضية أخرى مهمة بالنسبة للاتحاد الأوروبي في اتفاقه مع تونس، وهي أنه "هناك قلق شديد في أوروبا حول احتمال انهيار تونس اقتصاديا". إذ تمر هذه الدولة فعلا في أزمة صعبة بسبب الهجمات الإرهابية أولا ثم أتت جائحة كورونا وبعدها حرب أوكرانيا.
وحذر مفوض الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في مارس/ آذار الفائت من أنه "إذا انهارت تونس اقتصاديا واجتماعا" سيأتي حينها أناس أكثر إلى أوروبا.
الصفقة واضحة: المال مقابل حماية حدود الاتحاد الأوروبي!
ربما يكون كل هذا هو ما دفع الوفد الأوروبي إلى إظهار الود أثناء لقائه الرئيس التونسي، ولو كان واضحا أن مسألة حقوق الإنسان التي أشار إليها الجانب الأوروبي، لا يأخذها قيس سعيّد كثيرا على محمل الجد. فهو لا يزداد استبدادا فقط، وإنما أطلق قبل فترة قصيرة تصريحات عنصرية أيضا ضد المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء. ومنظمة هيومن رايتس ووتش المدافعة عن حقوق الإنسان، تتهم قوات الأمن التونسية بنقل مئات المهاجرين بينهم نساء وأطفال وإلقائهم في الصحراء على الحدود الليبية التونسية.
وينتقد أنطوني دوركين، الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR)، الاتحاد الأوروبي لأنه لو كان يهتم فعلا بمسألة حقوق الإنسان، لما وقع هذه الاتفاقية مع تونس الآن. لكن في المقابل صرح موظف كبير في الاتحاد الأوروبي بأن الاتحاد يريد أن يساعد المهاجرين من خلال المنظمة الدولية للهجرة، كما يريد تعزيز "إدارة حماية الحدود مع الالتزام الكامل باحترام حقوق الإنسان".
كما يتضمن الاتفاق مع تونس التزام الاتحاد الأوروبي بدفع 105 ملايين يورو أخرى بالإضافة إلى 150 مليون يورو لدعم ميزانية تونس. كما وعدت ميلوني وفون دير لاين وروته أثناء زيارتهم الشهر الماضي إلى تونس، بتقديم 900 مليون يورو على شكل قرض طويل الأجل.
إذن الاتفاق واضح: المال مقابل حماية الحدود. لكن ألا يمكن أن يؤدي هذا إلى ابتزاز تونس للاتحاد الأوروبي؟ بالنسبة للخبيرة في شؤون الهجرة، آنا كنول، فإنه ليس هناك فرق كبير سواء أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقات مع الدول الأخرى مثل تونس، أم لا. فعندما يريد الاتحاد الأوروبي منع الهجرة غير النظامية، لدى هذه الدول دائما وسيلة للضغط لتحقيق مصالحها، تقول كنول.
والاتفاق مع تونس هو مجرد خطوة أولى بالنسبة للاتحاد الأوروبي، إذ يمكن إبرامصفقات مماثلة مع دول شمال أفريقيا الأخرى مثل مصر والمغرب.
مارينا شتراوس/ عارف جابو