المتاجرة العالمية بالنفايات والخردة خطر يتربص بالدول الفقيرة
١٤ سبتمبر ٢٠٠٦ظن العالم أن تخلص الدول الصناعية من نفايات التصنيع السامة عبر تصديرها أو تخزينها في الدول النامية قد أصبح في عداد الماضي، لكن فضيحة النفايات السامة التي تم تفريغها مؤخرا في ساحل العاج أعادت مخاوف منظمات البيئية والجمعيات الحقوقية إلى الواجهة. فقد تسببت تلك النفايات القاتلة، إلى حد الآن، في مقتل نحو ستة أشخاص عقب استنشاقهم لبخار سام بينما نقل ما يزيد عن 9000 إلى المستشفيات بعد ظهور أعراض التسمم لديهم. تم رصد أولى حالات التسمم لدى سكان عاصمة ساحل العاج، أبيدجان، أوائل الشهر الجاري ولم يتسنى للخبراء بعد تحديد حجم الكارثة التي لحقت بتلك المناطق.
واستنادا إلى مصادر الأمم المتحدة، فقد تسرب جزء كبير من تلك النفايات السامة إلى البحر وإلى بحيرة شاطئية قبالة عاصمة ساحل العاج مما يُنذر بكارثة بيئية وإنسانية خطيرة بدأت تتخذ أبعادا مختلفة. إذ أكد مبعوث الأمم المتحدة في ساحل العاج للشؤون الإنسانية، يوسف عمر، أن مصادر مؤكدة تشير إلى أن النفايات السامة قد تم تفريغها كذلك قرب حقول زرع الخضر. وتعد هذه الفضيحة أكبر فضيحة للتخلص من النفايات السامة في إفريقيا يتم كشف النقاب عنها منذ العام 1988، حسب الخبير في مجال البيئة بيرنشتروف.
مصدر المادة السامة
وتفيد المعلومات المتعلقة بملابسات الفضيحة أنه قد تم إفراغ نحو 400 طنا من النفايات السامة ليل 19 إلى 20 أغسطس/آب 2006 في مناطق متفرقة عند عاصمة ساحل العاج التي يقطنها زهاء أربع ملاين نسمة. وقد نُقلت المواد السامة على متن سفينة شحن تابعة إلى شركة يونانية وتحمل العلم البنامي بعدما قامت شركة هولندية تدعى "ترافيغورا بير" باستئجار سفينة الحاويات "بروبو كوالا" لنقل تلك الشحنة السامة إلى القارة السمراء. إلا أن الخبراء والمحققون لم يتمكنوا حتى الآن من التعرف بشكل دقيق على تركيبة المواد السامة التي تسببت في صعوبات في التنفس والرعاف والإسهال وآلام في الرأس لدى المصابين. غير أن الخبير والناشط في منظمة السلام الأخضر، بيرنشتروف، لم يستبعد أن تكون تلك المواد السامة، ذات اللون الأسود القاتم، عبارة عن بقايا منظفات خزانات النفط. فناقلات البترول وخزانات معامل تكرير النفط تحتاج إلى تنظيف منتظم لإزالة طبقة الزفت التي تتكون على جدران خزاناتها.هذا ما يستدعي استخدام مادة الكلور وحمض الكبريت لإزالة تلك الرواسب. وهي إحدى مكونات النفايات السامة التي تم تفريغها في ساحل العاج.
المطلوب المزيد من الشفافية وتعزيز المراقبة
لقد أحدثت فضيحة إفراغ المواد السامة في ساحل العاج زوبعة سياسية في البلد الإفريقي أطاحت بحكومته بعد استقالة أعضائها. في غضون ذلك فُتح تحقيق في هولندا ضد الشركة التي استأجرت سفينة الشحن التي حاولت إسقاط التهمة عن نفسها بدعوى أنها حصلت على رخصة لتخزين النفايات من المسؤولين العاجيين. الخبير بيرنشتروف اعتبر محاولات الشركة التملص من المسؤولية غير مجدية، لأن عملية تفريغ شحنة سامة في القارة السمراء يفتقر إلى أسس قانونية. لقد قامت الشركة بخرق ثلاث معاهدات دولية. تم إبرام الأولى عام 1980 عقب فضائح نفايات سامة، فيما تحظر معاهدة "بازلر"، التي تم الاتفاق بشأنها عام 1989 وصادقت عليها نحو 170 دولة حتى الآن، مبدئيا تصدير النفايات الضارة للدول النامية. ناهيك عن معاهدة "لومي" التي التزمت فيها دول الإتحاد الأوروبي بعدم تصدير إي نفايات إلى إفريقيا". الدول الإفريقية قامت كذلك في السياق نفسه بمبادرات مشابهة أفضت إلى توقيع الدول الإفريقية على اتفاقية تعهدت فيها تلك الدول عدم استيراد المواد السامة من الدول الصناعية. لكن فضيحة المواد الكيماوية التي قامت إحدى الشركات بإفراغها في ساحل العاج أظهرت أن الدول الإفريقية مازالت مدعوة إلى تكثيف جهودها من أجل الحيلولة دون تكرار تلك المآسي. كما تحتاج المكافحة الفاعلة للمتاجرة بالمواد السامة إلى تنسيق أفضل بين الدول المستوردة والدول المصدرة لضبط خروقات الشركات التي لا تلتزم بالقوانين والمعاهدات الدولية في ذلك المجال.
الخردة والسفن القديمة
ساهمت فضيحة تفريغ المواد الكيماوية السامة في ساحل الحاج في لفت انتباه الرأي العام العالمي إلى قضايا تصدير الخردة الصناعية والسفن القديمة إلى الدول النامية. فتلك القطع الصناعية شأنها شأن المواد الكيماوية تحمل في طياتها مخاطر بيئية جسيمة وتهدد سلامة الإنسان. فالنمو المتسارع الذي تشهده صادرات الخردة الصناعية والسفن القديمة إلى الدون النامية أصبح يشكل مصدر قلق لدى المراقبيين الدوليين والخبراء في مجال الصحة والبيئة. ويقول بيرنشتروف " لن نجد أيا من السفن الماخرة للبحار في الدول المصنعة تتحول إلى خردة". وتتصدر الصين والهند قائمة الدول المستوردة لتلك الخردة البحرية الملوثة بصباغة وحرير صخري سام. يتم تفكيك تلك السفن في عرض الشواطئ ورغم أن كثيرا من القطع الكهربائية والسفن القديمة تحتوي على مواد سامة من صنف خاص يفتك بصحة الإنسان والبيئة. لكن كون تلك التجارة مربحة وتدر أرباحا طائلة على بائعيها تجارها يصعب استئصالها. فالشركات هندية، التي غالبا ما تحتكر تلك التجارة، تشتري السفن القديمة حسب تطور أسعار الفولاذ. السفن ذات الحجم المتوسط تحتوي على 10000 طن من الفولاذ وتدر على الشركة نحو أربع مليون دولار من الأرباح.