المثلث التركي الروسي الإيراني.. هل يتحول التقارب إلى تحالف؟
٤ أبريل ٢٠١٨لم يتردد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وصف نظيره الروسي، فلاديمير بوتين بـ "الصديق العزيز"، في عبارة تحمل أكثر من رسالة. فالمصالح القويّة بين الطرفين ذوّبت الكثير من جليد الخلافات بينهما. وبعد اللقاء الذي جمعهما بالرئيس الإيراني حسن روحاني، تظهر ملامح تشكيل حلف جديد في المنطقة لن تنظر إليه الولايات المتحدة وحلفاؤها في الشرق الأوسط بعين الود.
وضع الحجر الأساس لمحطة "أك كويو" النووية التركية، المشروع المشترك بين أنقرة وموسكو بقيمة 20 مليار، واختيار بوتين لتركيا في أوّل زيارة خارجية له في ولايته الرئاسية الجديدة، ثم التفاهمات التي جرت بين الطرفين في شمال سوريا، كلها عناصر تبيّن أن صداقة أردوغان وبوتين ليست مجرّد تصريح إعلامي. لكنْ إدخال حسن روحاني إلى هذه الصداقة بات رهاناً قوياً لبوتين، خاصة وأن أردوغان ليّن لهجته تجاه مستقبل الأسد، وأضحى يرّكز أكثر على محاربة من يصفهم بالإرهابيين.
إرهاصات تحالف تركي-روسي
يعود الفضل في تطوير العلاقات التركية-الروسية إلى أردوغان وبوتين، فمنذ صعودهما إلى السلطة، وشراكة الجانبين في تطوّر، اللهم من بعض الفترات الخلافية. وأكبر دليل أن التبادل التجاري بينهما انتقل من 4.5 مليار دولار عام 2000 إلى حوالي 40 مليار دولار لاحقا وهناك خطط بزيادته إلى 100 مليار دولار، فضلاً عن المشاريع المشتركة كخط أنابيب نقل الغاز "ترك ستريم" (وُقع عام 2016).
واستطاع أردوغان وبوتين تجاوز مجموعة من محطات الخلاف، كتلك التي تعلّقت بالتدخل الروسي في جورجيا وضم جزيرة القرم وإسقاط تركيا لمقاتلة حربية روسية. والمثير في الأمر، أنه في الوقت الذي اعتقد فيه خبراء أن اغتيال السفير الروسي في أنقرة سيرفع درجة الخلاف، جاءت النتائج عكس ذلك، إذ تطوّرت العلاقات بشكل لافت بعد الواقعة، بل إن الملف السوري الذي كان يشكّل نقطة توتر بينهما، أضحى يساهم مع مرور الوقت في تقاربهما وجعلهما طرفين مؤثرين للغاية في مستقبل البلد.
ويرى الخبير في العلاقات الدولية، حسين هريدي، في تصريحات لـDW عربية، أنه من المبكر وصف علاقة روسيا وتركيا بالتحالف، بل إن "الظروف الإقليمية هي التي فرضت تطوّر الشراكة بينهما، كما أن كل طرف منهما يستخدم هذا العلاقة لأجل تحقيق مكاسب مع الغرب، ولأجل دفع هذا الأخير إلى الانصياع لوجهات نظرهما عبر إظهار أنهما يمكنهما السير بعيداً في علاقتهما في حال استمرار الغرب في استبعادهما" وذلك في إشارة غير مباشرة من الخبير إلى العقوبات الغربية على روسيا، وإلى ترّدد الاتحاد الأوروبي في قبول عضوية تركيا.
هل يرى حلف ثلاثي النور؟
وما يقوّي الاحتمالات بخلق حلف ثلاثي بين موسكو وأنقرة وطهران هو استمرارهم في التواصل في عدة ملفات، وقد كان تصريح أردوغان قبل أشهر لافتاً عندما قال إن استقرار إيران مهم لتركيا، على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها عدة مدن إيرانية. ولم يأتِ التصريح من فراغ، فبلاده مرتبطة بشراكات اقتصادية واسعة مع إيران كالتخلي عن الدولار في المعاملات الثنائية، كما أن حجم التجارة بين الجانبين اازداد مؤخراً، والنفط الإيراني يعدّ أحد مصادر الطاقة في تركيا.
لكن، لتركيا وإيران وجهات نظر جد مختلفة في الموضوع السوري، وظهر ذلك في انتقاد طهران للعملية التركية في عفرين، فضلاً عن معارك دارت بين جماعات مسلحة مدعومة من إيران والقوات التركية في سوريا، كما خلق الملف العراقي نقطة خلاف بينهما، إذ تساند إيران الحكومة العراقية في رفضها للوجود التركي في البلد.
وبالنسبة للعلاقات الروسية-الإيرانية، فهي اليوم في أقوى مراحلها التاريخية. إذ طوى البلدان صفحة التوترات القديمة وأصبحا شريكين اقتصاديين، مستفيدان من العزلة التي حاول الغرب أن يطوّقهما بها. ومن أوجه تعاونهما إنشاء ممر "شمال جنوب" الذي وقعاه عام 2002 إلى جانب الهند، والذي يعدّ أحد أهم الممرات التجارية في العالم، خاصة وأن دولا أخرى أعلنت انضمامها إليه كتركيا وأوكرانيا وعمان وأرمينيا. فضلاً عن تفاهماتهما في المجال الأمني بمنطقة آسيا الصغرى، ووقوفهما معاً في وجه خطط واشنطن وحلف الناتو بالشرق الأوسط، لا سيما الموضوع السوري، فلولا شراكة إيران وروسيا، ما استطاع بشار الأسد البقاء.
ورغم كل هذه المعطيات، يستبعد حسين هريدي أن تصل علاقة الأطراف الثلاثة إلى تشكيل حلف، مشيراً إلى أن "المصالح السياسية المشتركة بينهم لم تنشأ إلّا خلال تطوّرات الأزمة السورية، بينما تتفاوت مصالحهم في ملفات أخرى". ويتابع هريدي أن "التحالفات في الشرق الأوسط يعتريها الكثير من عدم اليقين، إذ لا أحد يدري كيف ستتطور الأمور، خاصة مع انتظار القرار الأمريكي الجديد بشأن الاستمرار أو الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني".
كيف تنظر الأطراف الأخرى إلى هذا التقارب؟
كثيرة هي الأطراف التي يضايقهما التقارب الروسي-التركي-الإيراني، منها الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل، فهذه الدول الثلاث الأخيرة تجمعها علاقات تبدأ من البرود وتنتهي بالعداء مع واحدة أو أكثر من الدول الثلاث، وتحديدا إيران التي بات حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط ينظرون إليها كعدو. لكن هل تخاطر تركيا، بالذهاب بعيداً في علاقتها مع روسيا وهي تدرك أن مكانتها في حلف الناتو قد تتضرر؟ وهل تقوي كل من روسيا وتركيا علاقاتهما مع إيران لدرجة التحالف وهما يعلمان أن هذا الأمر لن يعجب قوى إقليمية ودولية؟
لا يظن حسين هريدي أن تركيا وإيران وروسيا سيقيمون حلفاً ضد أعداء محتملين، فكل التفاهمات التي جرت بينهم هي مرحلية ومرهونة بوقت محدد، ومن ذلك التنسيق بين أنقرة وموسكو خلال الأسابيع الماضية في عمليتي "غصن الزيتون وتحرير الغوطة الشرقية".
ويتابع هريدي أنه من الأسباب التي أدت إلى هذه التفاهمات، "تعاظم نفوذ بوتين في سوريا بشكل ألزم كل الفاعلين الدوليين في الملف بعدم تجاهل الدور الروسي، خاصة مع تخلّي واشنطن عن الساحة السورية"، حسب تصريحات الخبير الذي أشار إلى أن العلاقة المعقدة التي تجمع الأطراف الثلاثة بالغرب، ومن ذلك العلاقة القوية بين روسيا وإسرائيل، وعدم استعداد تركيا للتخلي عن دورها في حلف الناتو، كلها عوامل تزيد من إمكانية عدم قيام حلف بينهم.