المجر ترأس الإتحاد الأوروبي- ما وضع اللجوء والهجرة فيها؟
١ يوليو ٢٠٢٤على مدى السنوات الماضية وخلال فترة ترأسه الحكومة منذ العام 2010، حرص رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان على انتهاج سياسة معادية للمهاجرين ازدادت حدتها مع موجة اللجوء عام 2015، ما دفع حكومة أوربان إلى بناء سورٍ مسيّج على الحدود مع صريبا، وسن قوانين تشرّع دفع الأشخاص إلى مناطق حدودية ومنعهم من طلب اللجوء داخل الأراضي المجرية، كما قامت الحكومة المجرية بملاحقة طالبي اللجوء داخل المجر أحيانصا واعتبار بعضهم تهديدًا للامن القومي، بحسب ما ذكر تقرير لمنظمة هاينرش بول الألمانية عام 2017.
لذلك وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020 أطلقت المفوضية الأوروبية إجراء الانتهاك الخامس ضد المجر لانتهاكها الصارخ لقانون الاتحاد الأوروبي بسبب التغييرات التي أدخلتها على نظام اللجوء في مايو/أيار من ذلك العام، وبحلول نهاية عام 2021 بدأ الاتحاد الأوروبي ستة إجراءات تتعلق بالانتهاكات ضد المجر لعدم مطابقة تشريعاتها.
وتبدأ اليوم فاتح يوليو تموز 2024 رئاسة المجر الدورية للإتحاد الأوروبي مدة ستة أشهر.
كيف تخلت المجر عن قانون اللجوء؟
في عام 2016 وبعد موجة اللجوء الكبرى إلى أوروبا، أصدرت المجر، والتي تعتبر أحد مراكز العبور إلى أوروبا الغربية عبر ما يعرف بطريق البلقان، قانوناً شددت فيه الرقابة على الحدود بمقدار 8 كم داخل المجر، وسمحت لعناصر الشرطة بإعادة الأشخاص عبر الحدود من أجل تقديم طلب للجوء، في مناطق العبور والتي كان اثنان منها يعملان فقط وقتها، وكان يتم دخول 15 شخص عبر منطقتي العبور يوميًا فقط، بينما رصدت حالات عنف مورست على طالبي اللجوء عبر الحدود المجرية لمنعهم من الدخول، حسب ما أظهرت أبحاث استقصائية أجرتها مؤسسات إعلامية مختلفة.
لكن اعتبارًا من 28 مارس/أذار 2017، بدأت الحكومة المجرية تطبيق قانونٍ جديد سمحت فيه بإرجاع أي شخص يقيم بشكل غير قانوني في المجر إلى صربيا من كامل أراضيها، واعتبرت بعض طالبي اللجوء تهديدًا للأمن القومي، وبالتوازي مع انخفاض عدد طلبات اللجوء المقدمة في المجر رغم محاولات الوصول إليها المرتفعة بذلك الوقت للعبور إلى دول أوروبا الأخرى.
المحامية في منظمة "لجنة هيلسنكي" أنيكو باكوني تحدثت لـ"مهاجر نيوز" من مكتب المنظمة في بودابست شارحةً الوضع الحالي لطالبي اللجوء في المجر: "لدينا العديد من القضايا أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، قمنا برفعها باسم لاجئين على المجر، إذ ينبغي على المجر أن تغير تشريعاتها، وأن تمتثل لجميع أحكام المحكمة الصادرة عن المفوضية الأوروبية، لكن هذه الأحكام لا يتم تنفيذها في المجر. وأعتقد أنه من الصعب جدًا على الاتحاد الأوروبي التعامل مع مثل هذه الدولة العضو غير الراغبة بتطبيق القواعد والتي تخالفها جميعها.. أعتقد أن المجر سوف تضطر إلى دفع غرامات لعدم امتثالها لحكم المحكمة الأوروبية".
وتشرح باكوني: "اليوم لا يوجد نظام لجوء مجري، ولا يمكن الوصول إليه بشكلٍ أساسي، ما يعني أن الأشخاص الذين يصلون عبر طريق البلقان، ممنوعون بحكم التشريعات من دخول المجر فعليًا وطلب اللجوء فيها، وما يحدث بالفعل أن من يصل على الحدود الصربية المجرية، لا يستطيعون البقاء بالمجر سوى لدقائق ريثما يتم إعادتهم لصربيا بموجب القانون".
أدت هذه الإجراءات التي طبقتها المجر إلى انخفاض عدد طالبي اللجوء فيها، وانخفض عدد من حصلوا على وضع لاجئ أو حتى حماية مؤقتة في البلاد، بحسب المتحدث باسم منظمة الهجرة العالمية IOM في المجر دانيال باغاميري في حديثه لـ"مهاجر نيوز".
بينما تلفت باكوني إلى أن الإجراءات المجرية المتشددة كانت مصحوبة بدعاية كراهية مكلفة للغاية من قبل الحكومة، التي تعتبر هذا الخطاب المناهض للمهاجرين واللاجئين أمرًا محوريًا، وموضوعًا مركزيًا في عقيدتهم السياسية. وقد استثمروا بشكل كبير في هذه الدعاية، لذلك كان هناك الكثير من الإعلانات العامة والملصقات في جميع أنحاء البلاد تعبر عن ذلك، بينما كان خطاب الحكومة بشكل عام يدور حول أخطار الهجرة، وقد ربطوا الهجرة بالإرهاب، وروجوا لفكرة أن الإجراءات المشددة ضرورية للدفاع عن البلاد من المهاجرين، وأن المجر تلعب دور المنقذ لأوروبا من الهجرة غير المرغوب فيها.
وتضيف المحامية من "لجنة هيلسنكي" لـ"مهاجر نيوز" "هذا المناخ العدائي للغاية، لم يكن فقط ضد المهاجرين واللاجئين، بل لجميع المنظمات التي تقدم الدعم لهم".
ما البديل القانوني الذي قدمته الحكومة المجرية؟
نهاية سبتمبر/أيلول 2022 قضت محكمة العدل الأوروبية (ECJ) في لوكسمبورغ بأن إجراءات اللجوء في المجر تنتهك جزئياً قانون الاتحاد الأوروبي، وبحسب الحكم فإن نظام اللجوء في المجر مصمم للحد من الوصول إلى ملفات القضايا لبعض المتقدمين وكذلك لمستشاريهم القانونيين، دافعت الحكومة عن نفسها بأن هذه الإجراءات متوافقة تماماً مع التشريعات المجرية، إلا أنه لا يتوافق مع قانون الاتحاد الأوروبي، حيث لم يتمكن طالب اللجوء وممثلوه القانونيون من الوصول إلى الملف لإعداد دفاعهم.
منذ عام 2020 أعلنت الحكومة المجرية عن تشريعات جديدة للتقدم لطلب الحصول على اللجوء في أراضيها، ولكن ليس على حدودها البرية، وإنما عبر سفاراتها في صربيا وأوكرانيا، لأنهما الدولتان الحدوديتان للمجر من خارج الاتحاد الأوروبي.
يشرح لـ"مهاجر نيوز" المتحدث باسم منظمة الهجرة العالمية IOM في المجر دانيال باغاميري هذا النظام قائلًا: "في حين يواجه طالبو اللجوء المحتملون عوائق متزايدة في الوصول إلى أراضي المجر، أولئك الذين يحتاجون إلى الحماية الدولية، يمكنهم تقديم ما يسمونه بيان النوايا لتقديم طلب اللجوء فعليًا إلى سفارات المجر، واحدة في كييف، والأخرى في بلغراد، وبناءً على هذا الطلب تقوم السفارة بإرسال بيان النوايا هذا إلى الوكالة الوطنية المسؤولة عن عملية تحديد حالة اللجوء، لمنح الشخص أساس قانوني لدخول البلاد".
وتضيف المحامية في منظمة "لجنة هيلسنكي" أنيكو باكوني لـ"مهاجر نيوز" "منذ مايو 2020 تم تطبيق هذا النظام، وعلى طالبي اللجوء التقدم بطلب للسفارة في كييف مثلًا، لكنه أمر مثير للسخرية نظرًا للحرب، وإذا تمت الموافقة على طلب النوايا، فسيتم منح المتقدم تصريح سفر لمرة واحدة إلى المجر لتقديم طلب لجوء فعلي".
وتتابع باكوني: "لتوضيح مدى جودة عمل هذا النظام، من المثير للاهتمام أن ننظر إلى عدد الأشخاص الذين حصلواعلى تصريح السفر لمرة واحدة، والذين كان عددهم منذ عام 2020، 21 شخص فقط، هناك 21 شخص فقط كانوا قادرين على السفر إلى الجر وطلب اللجوء خلال 4 سنوات تقريبًا، وهذا رقم منخفض جداً. في البداية، كان هناك العديد من الأشخاص المتواجدين في صربيا والذين تفاءلوا بهذا النظام واعتقدوا أنه وسيلة لتحسين وضعهم، لكن سرعان ما أدركوا أن هذا لم يكن خيارًا قابلاً للتطبيق حقًا، لأن عددًا قليلاً جدًا من الأشخاص حصلوا على مقابلة في السفارة، وعدد أقل من الأشخاص حصلوا على تصريح للسفر".
وهذا ما يؤكده المتحدث باسم منظمة الهجرة العالمية IOM في المجر الذي يرى أن ما يفعله هذا النظام، الذي تم انتقاده على نطاق واسع، لا يفعل سوى الحد من نطاق طلبات اللجوء، ولا يمكن للأجانب تقديم طلب اللجوء بموجب التشريع الحالي.
"إذا نظرت إلى الأرقام التي تشير إلى الإحصائيات، وعدد الأشخاص الذين يطلبون الحماية، فهو رقم منخفض بشكل يبعث على السخرية بالنسبة لأي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي"، تعلق المحامية من "لجنة هيلسنكي"، وتضيف: "كان الأشخاص الـ21 الذين حصلوا على تأشيرات من إيران، هذا كل ما نعرفه عنهم، لا نعرف ملفاتهم الشخصية أو على أي أساس تم اختيارهم"
نحن نعرف الملف الشخصي لهؤلاء الأشخاص الـ 21، آسفون، كلهم من إيران. وهذا ما نعرفه عنهم. لكننا لا نعرف الكثير منهم شخصيا. لذلك نحن لا نعرف ملفاتهم الشخصية. ولكن يبدو أنهم جميعا من إيران. وهذا ما نعرفه عنهم. حاليًا وبخلاف هذا النظام من المستحيل تقديم طلب اللجوء في المجر، ومثلًا سيكون هناك عدد قليل جدًا من الأشخاص الذين يمكنهم تقديم طلب اللجوء في المجر من سوريا أو أفغانستان مثلًا".
وما بين يونيو/حزيران 2020 ونهاية 2023 رفضت طلبات 99 شخصًا تقدموا بطلب الحصول على اللجوء من السفارات المجرية في صربيا وأوكرانيا.
ماذا عن اللاجئين الأوكرانيين؟
رغم تصريحاتها المتعاطفة مع الشعب الأوكراني، لم تقدم الحكومة المجرية الكثير من الناحية العملية لاستقبال الأوكرانيين الفارين من الحرب وأغلبهم من النساء والأطفال. بل وقع عاتق الاستقبال بشكل شبه كلي على المنظمات غير الحكومية والبلديات والسكان المحليين.
فالحكومة أغلقت على مدى السنوات الماضية بشكل تدريجي مراكز الاستقبال المخصصة لطالبي اللجوء، ولم يتبق سوى مركزين قرب الحدود السلوفاكية، لم يتم استخدامهما لإيواء الهاربين من الحرب في أوكرانيا، رغم أنهما هما شبه فارغين، بينما لم تأخذ الحكومة بعين الاعتبار فتح مراكز الاستقبال ولو لا تحرّك المجتمع المدني لكان الوضع أسوأ بكثير.
وحول هذه النقطة يشرح المتحدث باسم منظمة الهجرة العالمية IOM في المجر دانيال باغاميري لـ"مهاجر نيوز": "في السنوات الأخيرة، كان اللاجئون الأوكرانيون هم الوضع الذي يهيمن على جدول الأعمال. تم تسجيل أكثر من 4.5 مليون أوكراني عبروا الحدود منذ بداية الحرب في أوكرانيا. وعدة أشخاص من الواضح أنهم بقوا في المجر، لكن رغم أنه يتم التساهل معهم بالخطاب السياسي كذلك يتلقون تضامنًا ساحقًا من المجتمع المجري".
للمحامية في لجنة هيلسنكي أنيكو باكوني رأيًا مشابهًا بهذه النقطة، إذ تخبر "مهاجر نيوز" أنه بعد الحرب على أوكرانيا أصبح من الصعب قليلًا بالنسبة للحكومة المجرية استخدام الخطاب العام المناهض للمهاجرين، لأنه كان هناك ترحيب حار بالأشخاص الفارين من الحرب من أوكرانيا، لذلك بقيت الحدود مفتوحة، وكان هذا أمرًا رائعًا بعد سنوات وسنوات من حملات الكراهية ضد اللاجئين والمهاجرين".
أما بالنسبة للمتقدمين الروس للجوء في المجر ترى باكوني أن "الوضع صعب للغاية بالنسبة لهم بسبب العلاقات الوثيقة بين المجر وروسيا. ومن الصعب جدًا عليهم الحصول على الحماية بسبب ذلك. لدينا العديد من العملاء الذين نمثلهم في إجراءات اللجوء، بعضهم وصل إلى المجر من خلال إجراءات دبلن. لقد دخلوا الاتحاد الأوروبي عبر المجر، ثم ذهبوا إلى دولة عضو أخرى وطلبوا الحماية. وبعد ذلك، أعادهم الأعضاء إلى المجر. ومن الصعب جدًا عليهم الحصول على الحماية هنا، لسوء الحظ".
ماذا عن قوانين العمالة الأجنبية؟
رغم مواقف أوربان المعروفة بالتشدد اتجاه الهجرة، أعلنت الحكومة المجرية عام 2023 عن فتح الأبواب لاستقبال العمالة الأجنبية، نظرًا لنقص العمال المحليين وفي ضوء التطورات الصناعية الجديدة، فيما يسمى بـ "العمال الضيوف" من بلدان ثالثة، ليصل عددهم عام 2023 نحو 100 الف بينما كان العدد نحو 35 ألف عام 2020.
بينما دخل قانون الهجرة الجديد حيز التنفيذ في 1 يناير 2024 في المجر، حيث أدخل تغييرات كبيرة وشروط أكثر صرامة على اللوائح الحالية لمواطني الدول الثالثة (TCNs).
وتحدد اللائحة الجديدة 24 نوعًا من تصاريح الإقامة، منها 8 لغرض التوظيف. وقد تم إلغاء تصريح الإقامة لأغراض أخرى، والذي كان فئة مرنة إلى حد ما. أحد أكبر التغييرات هو أن القانون الجديد يقدم فئات منفصلة من تصاريح العمل للعمال ذوي المهارات العالية والعمال الضيوف ذوي المهارات المنخفضة، وتصريحًا جديدًا للمستثمرين.
المحامية باكوني ترى أن هذا "أمر مثير للاهتمام، لأن الحكومة لطالما وعظت بعكس ذلك، لكنها اليوم مضطرة لاستقبال الأجانب. كذلك حاولنا عندما وصل اللاجئون بالسابق دمجهم بسوق العمل ووجدنا عراقيل كثيرة، بينما تمكن اللاجئون الأوكرانيون من الالتحاق بسوق العمل بسرعة، وكنا سعداء برؤية ذلك، كما كان سوق العمل سعيدًا أيضًا برؤية العمالة القادمة".
وتنوه باكوني إلى أنه رغم هذا المناخ لا زال هناك من ينادي بأن الأجانب يسرقون وظائف المجريين ولا يرغبون بوجودهم.
فيما يشدد باغاميري على نقطة بأنه من الواضح أيضًا أن "الحكومة المجرية تميز بشكل واضح بين المهاجرين من أجل العمل، ومواطني الاتحاد الأوروبي وأولئك الذين يأتون إلى المجر لأغراض اللجوء، الذين لا ترى الحكومة أن المجر مكانهم المناسب".
كيف تتعامل الحكومة المجرية مع هذه الانتقادات؟
في عام 2024 بلغ معدل الهجرة الصافي 0,628 لكل 1000 نسمة، في بلدٍ عدد سكانها نحو 9 ملايين و600 ألف نسمة، بينما كان المعدل عام 2015 0,61 لكل 1000 نسمة.
توجهنا في "مهاجر نيوز" بطلب إلى المديرية الوطنية المجرية لشرطة الأجانب من أجل التعليق على هذه المعلومات، لكنها رفضت الإدلاء بأي تعليق.
في حين تعلق المحامية من لجنة هيلسنكي أنيكو باكوني لـ"مهاجرنيوز": "أعتقد أن هذا النوع من النهج في التعامل مع اللجوء ليس وحشيًا تجاه طالبي اللجوء والمهاجرين فحسب، بل يُظهر أيضًا النقص الهائل في التضامن تجاه الدول الأعضاء الأخرى. لأنه عندما لا تحصل إحدى الدول الأعضاء على حصتها من نظام اللجوء الأوروبي المشترك، فما الهدف من هذا؟ كما تعلمون، يعتمد الأمر على حقيقة أننا جميعًا نتحمل المسؤولية. وإذا كانت هناك دولة عضو واحدة لا تتحمل المسؤولية بشكل واضح، فإن القيام بذلك يقع على عاتق الدول الأخرى".
راما الجرمقاني-ناتاشا ميلريش