المسلسلات التركية في الجزائرـ التخوف منها بعد الشغف بها
١٦ يناير ٢٠١٢يعترف الأستاذ الجامعي محمد عمار، 33 سنة، وهو أب للطفلتين رانيا في الخامسة و ابتسام في السابعة من العمر، أنه „من بين المدمنين على مشاهدة الأفلام التركية"، ويؤكد أنه كان في السابق ينزعج من "هوس زوجته" لمشاهدة المسلسلات التركية ويضيف قائلا "كانت زوجتي تشاهد مسلسل نور. كان اسم البطل، مهند. وكان الجميع يتحدث عنه في الشارع وكنت انزعج من ذلك. ومرة قرأت في شبكة الانترنت عن انزعاج إسرائيل من أحدى حلقات "واد الذئاب" فبدأت أشاهد المسلسل وأعجبت بمحتواه السياسي و القضايا المخابراتية التي تكشف عن خبايا الأنظمة. ومنذ ذلك الحين لا أفوت أية حلقة من المسلسل، و إن حدث ذلك فإني أعود إلى مشاهدتها في الانترنت".
الإدمان على مشاهدة المسلسلات التركية لم يقتصر على زوجة الأستاذ محمد عمار حيث إنها تفضل المسلسلات التي تكشف جوانب من حياة العائلات التركية كمسلسل "العشق الممنوع " ولكنه انتقل أيضا إلى طفلتيهما رانيا وابتسام. ويرى محمد أن زوجته زينب تتحمل مسؤولية شغف بناتها بالمسلسلات التركية. وتشتكي ربة البيت زينب من أن معدلات ابتسام في المدرسة تراجعت بسبب انشغالها بالمسلسلات التركية، وتضيف أنها "تجد صعوبة في منعها من المشاهدة"، في حين تؤكد الطفلة ابتسام "أنها تحب مشاهدة الأفلام التركية لأن والدتها تشاهدها أيضا كما أنها تحب مشاهدة أبطال الفيلم ".
لا تعاني عائلة عمار وحدها من هوس مشاهدة المسلسلات التركية، فالسيدة فاطمة تعاني هي الأخرى من نفس المشكل، وتشتكي أن زوجها وطفليها في التاسعة والحادية عشرة من المعمر يتابعون باستمرار مسلسل "واد الذئاب". ومع وجود جهاز تلفزيون واحد فقط في البيت، لم يعد لها فرصة مشاهدة مسلسلها التركي المفضل. وتضيف قائلة ‘‘كلما أبحث عن أولادي إلا وأجدهم قبالة جهاز التلفاز، وقد أثر ذلك على التحصيل الدراسي''، و أنها "لا تعرف كيف ستتصرف مع إبنيها، خاصة وأن المسلسل الذي يعشقانه حتى النخاع، طويل وكثير الحلقات".
الفضول خلف الإعجاب بالمسلسل
يبدو أن المشاهد الجزائري اكتشف على غرار نظيره في بلدان العالم العربي نوعا جديدا من الدراما يثير فضوله، إلا أن اكتشاف هذا الإنتاج الجديد، والتعرف على هذه النوعية من الأفلام سرعان ما تحول إلى "هوس المسلسلات التركية”، حيث تتهافت القنوات الفضائية على تقديم هذا المنتوج الجديد الذي يستقطب اهتمام المشاهدين. وقد أثارت هذه الظاهرة جدلا كبيرا في السابق عندما استحوذت بالكامل على اهتمام النساء.
يقول الشاب فيصل بطال، 18 سنة “نحن نحب مسلسلات تركيا، الإمبراطورية العثمانية سابقا، لأنها تتخذ من القضايا والمواضيع السياسية الأكثر جدلا سيناريوهات لمسلسلاتها، لاسيما ما يتعلق بالجاسوسية وتهافت الأجانب علينا، نحن نريد معرفة الحقيقة، وهذه المسلسلات تكشفها بأسلوب درامي جذاب ".
في هذا الإطار تشتكي إحدى السيدات من زوجها الذي أصبح من "أشد المدمنين" على المسلسلات التركية. في حين يؤكد هذا الأخير أنه يجد في المسلسلات ما يبرز جمال الطبيعة التركية ومناظرها الساحرة بالإضافة إلى التعرف على بعض العادات والتقاليد المشتركة، وهو ما جعله يتابع أحداث المسلسل باهتمام.
أما بالنسبة لمصطفى الموظف بمؤسسة حكومية فهو لا يخفي شغفه بمشاهدة مثل هذه الأفلام وما تعرضه من ممثلات جميلات ونجوم، وملابس، ومباني وفيلات وأثاث فاخر. في حين يؤكد زميله رفيق أن شغف زوجته بمشاهدة المسلسلات التركية زاد من رغبته في الإهتمام بحلقات المسلسل ومشاهدتها باستمرار.
اختلاف المنظور
وفي الوقت الذي يشغف فيه الجزائريون بالمسلسلات التركية يرى المواطن التركي إيدن يشار الذي شارك في معرض الجزائر للمنتجات التركية أن"هذه المسلسلات لا تمت نمط العيش في تركيا بصلة ، فهي تعطي تصورات عن حياة طبقة اجتماعية ضيقة جدا" ويضيف المواطن التركي أن المجتمع التركي لا يختلف عن المجتمعات العربية كما يعبر عن اعتقاده أن الاهتمام الكبير للجزائريين بهذه المسلسلات يعود الى "ما يتم ابرازه فيها من حياة الرفاهية والثراء والحرية، حيث يتطلعون إلى ثقافات غير ثقافتهم والى التعرف على ما يجري خارج الجزائر" في حين ترى المواطنة التركية مماريكي ويصال أن "أكثر الفئات متابعة لهذه المسلسلات بتركيا هي فئة الرجال رغم أن هناك من يجد فيها تعديا وخرقا للعادات الإسلامية وهناك عائلات مسلمة في تركيا طالبت بإلغاء اللقطات ”الحرجة” خوفا على أبنائهم".
المسلسلات التركية تعكس صورة المجتمع الجزائري
غير أن الباحث في علم الاجتماع الأستاذ ناصر جابي يعتبر أن المواطن الجزائري "عاش مراحل الإعجاب بالمسلسل المصري والسوري والمكسيكي وقبله الفرنسي والأمريكي" وقال " نحن الآن في المحطة التركية وأعتقد أن المجتمع التركي نصف أوروبي " ولا يستبعد الباحث أن تكون لدى المجتمع الجزائري رغبة لقبول النماذج المعروضة في المسلسلات التركية لأنها "تعكس هذا المجتمع المسلم القريب لنا حضاريا لكنه في نفس الوقت مجتمع شبه أوروبي متقدم نسبيا " ويضيف أنه إلى جانب مشاهدة المرأة في الفيلم وهي تشرب الويسكي هناك أيضا "مشاهد البنت الحامل خارج منظومة الزواج وظاهرة عمل المرأة خارج المنزل والنزاعات داخل الأسرة والصراع بين القديم والحديث وهي كلها مواضيع آنية بالنسبة للمجتمع الجزائري، وتعكس ما يعيشه الجزائري وما يطمح لتحقيقه".
رتيبة بوعدمة - الجزائر
مراجعة : عبدالحي العلمي