المشهد الثقافي العراقي خلال عام
٢٨ ديسمبر ٢٠١٢يكاد النشاط الثقافي في العاصمة العراقية ينحصر في منطقة شارع المتنبي بقلب بغداد والأزقة الصغيرة المؤدية إليه، والمقاهي القليلة التي تطل عليه. ولكن المشهد الثقافي في كردستان يتخذ طابعا أكثر انفتاحا.
المتابع لهذا المشهد خلال عام ، لا يجد ما يسجله سوى عروض مسرحية متواضعة، وبضع معارض فنية متواضعة المستوى بسيطة الإخراج والعرض، وغياب كامل للسينما، وسوق كتب فقير( رغم عدم وجود أي تحديدات على استيراد الكتب). ربما خرجت مبادرة أنا عراقي أنا أقرأ عن هذه الحصيلة الهزيلة من خلال فعالياتها قبل شهرين في شارع أبو نؤاس، على أن يجب أن لا ننسى أن نوع الكتب التي عرضت وبساطة أسلوب العرض أنبأت بدورها عن تراجع ثقافي مثير للهلع في ارض بابل وسومر وآشور.
المشهد الثقافي قريب ومتصل بالمشهد الجامعي، بل أن الجامعات شهدت تراجعا ملحوظا يعكس أزمة ثقافية حادة تمر بها النخب المثقفة العراقية.
مجلة العراق اليوم من DWعربية حاورت مدرس الأدب الانكليزي في كلية اللغات بجامعة نوروز في دهوك أحمد خالص الشعلان في هذه الهموم وسألته عن أهم محطات المشهد الثقافي خلال عام 2012 ، فجاءت إجابته مقاربة لقراءة اغلب مراقبي الشأن العراقي، معتبرا أن هذا المشهد يقترب من الهاوية " ومن قال إن هناك نشاط ثقافي خلال الأعوام التي مرت فذلك ضرب من الوهم والخيال".
"البعث حول الثقافة إلى فعل إرهابي، والأحزاب الدينية أجهزت عليها"
واعتبر الشعلان، النشاطات الثقافية التي تقوم بها مجاميع الشباب والفنانين والتجمعات الثقافية رد فعل يقصد منه الدفاع عن ثقافة تحتضر.
الشعلان أشار إلى أن نظام البعث الديكتاتوري حافظ إلى حد ما على نشاط ثقافي علماني الطابع، إلا " أنّه حوّل مجمل هذا النشاط إلى فعل إرهابي الجانب ، ليُجهز في النهاية على كثير من مقوماتها، واليوم جاء دور الأحزاب الدينية لتُجهز على ما تبقى من مقومات الثقافة".
ويرى كثيرون أن أحزاب الإسلام السياسي التي تقوى في المنطقة، إنما هي امتداد لنظريات الخلافة الإسلامية في مختلف عصورها، وهذا ما ذهب إليه الأكاديمي احمد الشعلان مشيرا بالقول" إن عمرو بن العاص الذي احرق مكتبة الإسكندرية إنما هو سلف هؤلاء الذي يدعون اليوم إلى تدمير كل صرح ثقافي لا يمت للإسلام بصلة".
واستعرض الشعلان تسميات بعض المنظمات الثقافية ومن بينها (الجمعية العراقية للدفاع عن الثقافة)، مستنتجا من هذه الاسم أن المثقفين يشعرون بخطر داهم على ما بنوه خلال عقود من الزمن، وهم بالتالي يدافعون عن منجزاتهم الثقافية.
الساحة العربية عموما والعراقية بشكل خاص تفتقد اليوم إلى جمهور ثقافي، وبالتالي فإن مثقفي العراق يتحركون على مساحة المشهد وحدهم، ولا يجدون في الغالب من يستجيب لإبداعهم .
ثقافات الفضائيات السريعة صارت تصنع وعي الناس، وبالتالي فقد تراجع دور المثقفين، وصاروا أشبه بنخب غريبة تكافح أن تبقى على قيد الحياة وسط مجتمع لا يعرفها ولا يقيّم نتاجها، وقد اتفق الأديب والأكاديمي احمد الشعلان مع هذا الرأي مبينا افتقار المثقفين إلى وسائل وآليات دفاع تمكنهم من التصدي لهذا الغزو الفضائي.
ماذا تخرّج الجامعات؟
تمثل الجامعة نوعا من التطبيق العملي للثقافة، ويعكس أداء الجامعات في الغالب مستوى ثقافة المجتمع. بعد التغيير عام 2003، ظن كثير من الأكاديميين العراقيين المغتربين أن ثورة ثقافية علمية ستطال الجامعات من حيث مناهج التعليم ومستوى كوادر التدريس، ومستوى وسائل التدريس ، لكن شيئا من هذا لم يحدث، واستمرت الجامعات في تخريج كوادر فقيرة ضعيفة لا تواكب متطلبات سوق العمل، وتضيف أعدادا كبيرة إلى سوق البطالة المقنعة.
الأكاديمي احمد الشعلان شرح المشكلة بوصفه" أن هناك طلاقا بين المؤسسات الأكاديمية وبين الثقافة ، والرسائل الجامعية عبارة عن استنساخ من رسائل عراقية وعربية مكررة، وكلها تخلوا من أي إبداع ولا تشكل إضافة للمشهد الثقافي ولا إضافة للعمل الأكاديمي". واعتبر الشعلان، أن اغلب الحاصلين على شهادات دراسات عليا لا يستحقون شهاداتهم.
وأشّر الشعلان وجود أميّة ثقافية في الجامعات، كما إن عددا كبيرا من المثقفين لا يحملون مؤهلا ثقافيا، و قامت بعض الجامعات بمحاولات لتجسير هذه الفاصلة ، لكنها ظلت في مستوى المحاولات الفردية.
وخلص الشعلان إلى القول، إن حالة الطلاق بين المثقفين والجامعات سوف تنتهي حين تعين الجامعات أسماء أدبية وفنية عراقية معروفة ضمن هيئاتها التدريسية بغض النظر عن مستوى شهادات هؤلاء المبدعين، " لأنهم استطاعوا أن يتجاوزوا بإبداعهم قيمة الشهادة الأكاديمية، عندها فقط سينتهي طلاق الجامعات والمثقفين".