المعاقون التونسيون..بالإرادة تُقهر الظروف وتُصنع النجاحات
٢٥ سبتمبر ٢٠١٢يتطلب النجاح في رياضة المعاقين سنوات من العمل مع فئات اجتماعية مهمشة تعاني من نظرة دونية من المجتمع الذي تعيش فيه وتتضافر فيه جهود فرق متعددة الاختصاصات. يقول علي حرز الله، رئيس الجامعة التونسية لرياضة المعاقين في حديث لـDW عربية "إن هيئته تعمل في صمت منذ ما يزيد على 20 سنة وتقوم بتنظيم دوري محلي في ألعاب القوى وكرة القدم". ويضيف "أن النتائج التي حققها رياضيو تونس المعاقين في مختلف التظاهرات الدولية لم تكن صدفة، بل نتيجة عمل طويل".
ويبين حرز الله أنه من خلال المنافسات المحلية المختلفة يتم التعرف على الرياضيين الذين لهم بعض المواهب والخصال ليتم إدماجهم في صلب الفريق التونسي. ويضيف" أن الرياضي يخضع منذ انضمامه للفريق إلى تدريبات يومية حتى يرتقي بأدائه إلى أحسن المستويات". ويؤكد "أن تكوين بطل يتطلب سنوات عديدة من العمل والتضحيات".
ويرى المختصون في شأن رياضة المعاقين أن التدريب الرياضي لوحده لا يكفي لصناعة بطل، بل يتطلب الأمر عناية من نوع خاص يتداخل فيها الاجتماعي بالرياضي. ولم تغفل جامعة رياضة المعاقين في تونس هذا العنصر، إذ يوضح علي حرز الله أنه في مجال الرعاية الاجتماعية، توفر الجامعة لعناصر الفريق التونسي الإقامة والإعاشة على مدار السنة بمراكز التدريب المتواجدة بالجهات إلى جانب الرعاية الصحية ومساعدات مالية منتظمة وإن كانت بسيطة.
دور هام للمجتمع المدني
ورغم قلة إمكانياتها وضعف مواردها، تحاول الجمعيات الأهلية توفير الرعاية لروادها من المعاقين وتأهيلهم تربويا وبدنيا ونفسيا. ويقول هشام بن نصر، رئيس الاتحاد التونسي للقاصرين ذهنيا في تصريح لـ DW عربية إن منظمته تؤمن عبر مراكزها 113 المتواجدة بمختلف جهات البلاد التربية والعناية اللازمة لفئات المعوقين من القاصرين ذهنيا ابتداء من سن السادسة وحتى سن متقدمة. وتساعد الدولة هذه الجمعية الأهلية التي ترعى القاصرين ذهنيا بمنح تبلغ حوالي 400 يورو سنويا لكل تلميذ معاق. ويبين هشام بن نصر أن إعانة الدولة والصناديق الاجتماعية على ضعفها تؤمن جانبا من احتياجات رواد المراكز المختصة. ولا تقتصر الجمعيات غالبا على مساعدة الدولة بل تشجع وتدعو أصحاب الخير لتنبي روادها ودعمها ماليا.
ويؤكد بن نصر على الجانب الإنساني في رعاية المعوقين، ويقول" تصوروا طفلا عمره 6 سنوات كانت أمه تربطه إلى عمود في بيتها لأنه كان يكسر كل شيء، وبعد سنة كاملة من الرعاية بأحد المراكز تجد ذلك الطفل يساهم مع أترابه من القاصرين ذهنيا في حفل مسرحي ويتناغم معهم، ثم عند وجبة الفطور تكتشف أنه يأكل بالفرشاة ويجلس بأدب على الطاولة. أنا أعتبره انجاز للفريق التربوي وللجمعية ويدل على عمل بكل حب وإخلاص."
تشجيع العائلة أساسي للنجاح
ويعزى نجاح الرياضيين المعاقين في تونس إلى عمل الجمعيات الرياضية والمنظمات الأهلية، ولكن يبقى تشجيع العائلة ومرافقتها لابنها أهم عوامل النجاح. يؤكد محمد الزمزمي المتحصل على ميدالية برونزية في حديث لـ DW عربية "أن الفضل يعود لوالدته التي شجعته على ممارسة الرياضة وعلى التدريب". ويضيف " أن النجاح وتحقيق نتائج متميزة مرتبط بالعمل اليومي وبالاستعداد العقلي والبدني". وحول دور الرياضة في حياته يقول" أنها مكنته من تحسين لياقتك البدنية ونمّت إحساسه بدوره في المجتمع الذي تعيش فيه".
وتمثل التظاهرات الرياضية الخاصة بالمعاقين فرصة للمعاق للشعور بالسعادة والحماسة واثبات الذات. فرغم صغر سنها تبدو ندى الباهي، البالغة من العمر 20 سنة، عازمة على مواصلة التألق والنجاح، وتبين خلال مقابلة مع DW عربية أنها تحصلت على ذهبية 400 متر وبرونزية 100 متر عدو في ألعاب لندن الأخيرة، وتشير إلى أن إحساسها بالسعادة لا يوصف عندما صعدت منصة التتويج. ومثل هذا التتويج فرحة رائعة لعائلتها، وتضيف أن حصولها على الميدالية الذهبية وتألقها شكلت مفاجأة سارة لأهلها وأصدقائها.
وإذا كان التألق في رياضة المعاقين يشعر المعوق بذاته ويقوي روابطه بعائلته وبمحيطه، فإن النجاح يتطلب إرادة قوية وعزيمة صلبة لتحدي صعوبات التمرين والتدريب وإشكاليات الواقع اليومي. وتؤكد مروى براهمي في حديث لـ DW عربية أن نجاحها كان نتيجة رعاية طيبة من قبل الإطار الرياضي والتربوي في مركز رياضة المعوقين بقفصة وأن النجاح كان وليد إرادة جماعية وعمل مضني. ويوافقها الرأي محمد الشرمي، المتحصل على عدد من الميداليات في ثلاث دورات أولمبية مختلفة بأثينا وبيكين ولندن، إذ يبين أن طريق النجاح طويل وانه يتدرب بانتظام 9 حصص في الأسبوع بملاعب رياضة ألعاب القوى ليستمر في تحقيق نتائج طيبة.
نجاة بلغيث الاخصائية النفسية تقول في حديث لـDW عربية أن أسباب نجاح الأطفال المعاقين يرتكز على عوامل أساسية لعل أهمها دور العائلة في الإحاطة النفسية وتشجيع الطفل أو الشاب على ممارسة الرياضة، إضافة بطبيعة الحال إلى دور المربي بمراكز الرعاية في تنمية القدرات الكامنة لدى المعاق.
وتشير بلغيث إلى أن المعاق عندما يتحول إلى مبدع أو منتج بفضل الرعاية النفسية والاجتماعية والطبية ... يندمج بسهولة في المجتمع، ويصبح في كثير من الأحيان المعيل لعائلته، وعندما ينجح على غرار الرياضيين يصبح مصدر فخر لعائلته وللمجتمع بأسره.