المغرب: وزير فرنسي سابق يعيد الاستغلال الجنسي للأطفال إلى الواجهة
٤ يوليو ٢٠١١تحركت العديد من الفعاليات الحكومية ومن المجتمع المدني في المغرب للمطالبة بفتح تحقيق حول موضوع اعتبروا أنه يمس كرامة وحقوق الطفل المغربي ويتعلق الأمر بتصريحات لوزير التربية الفرنسي السابق لوك فيري لإحدى القنوات الفرنسية والتي أشار فيها إلى تورط وزير فرنسي سابق لم يذكره بالاسم في هتك عرض أطفال في مدينة مراكش قبل عام 2002، وأن الأمن المغربي اعتقله قبل أن يطلق سراحه. وفي هذا السياق أكدت السلطات المغربية أنها "تتابع الملف بما يلزم من الجدية، وأنها أعطت تعليمات للنيابة العامة والوكيل العام للملك باستئنافية مدينة مراكش للقيام بالتحريات القضائية اللازمة لاستجلاء الحقيقة".
من جهتها قامت جمعية "ماتقيسش ولدي" المهتمة بمحاربة هذا النوع من الظواهر بتقديم شكاية بمدينة مراكش وباريس من خلال محامييها، ونظمت كذلك ندوة صحفية بباريس لتسليط الضوء على موقف الجمعية الذي عبرت عنه نجاة أنوار، رئيسة الجمعية، مؤكدة على "استيائها وغضبها" من مستغلي الأطفال وإزاء هذا الاستعراض الإعلامي الذي يمس الأطفال المغاربة.
الاستغلال الجنسي للأطفال ينخر المجتمع المغربي
ما إن تطأ قدمك إحدى المدن السياحية المغربية كمراكش وأكادير حتى يبدو لك مشهد مصاحبة أحد الأطفال لرجل في عمر متقدم أمرا مألوفا، لاسيما داخل العلب والحانات الليلية التي لا تهتم في العديد من الأحيان بعمر مرتاديها. هذه الآفة التي تفشت بشكل كبير في المغرب تعود للواجهة باستمرار كلما تفجرت فضيحة جنسية جديدة في المدن السياحية المغربية.
وفي هذا الصدد تقول نجاة أنوار إن جمعيتها "استقت 140 حالة اعتداء من خلال ما نشرته وسائل الإعلام المغربية موزعة على 56 منطقة في المغرب" وهو رقم يتجاوز ستة مرات ماجاء به "تقرير' الائتلاف ضد الاعتداءات الجنسية على الأطفال'' الذي رصد هذه الظاهرة إلى غاية منتصف عام 2007، وبنسبة 53%، مما يدلُّ على أن الظاهرة في تصاعد متنام وخطير على حد تعبير نجاة أنوار التي تؤكد أنه في غياب إحصائيات رسمية مضبوطة من الجهات الرسمية المعنية فإن الوصول إلى تحديد حجم جرائم الاعتداءات الجنسية على الأطفال يبقى مجهولا. وأضافت "إن الإحصائيات المتوفرة لدينا بلغت 306 حالة اعتداء جنسي على الأطفال خلال سنة 2008، تبنت الجمعية 166 حالة من مجموعها، واشتغلت عليها على امتداد سنة 2008. وأضافت نجاة أنوار أن ظاهرة الاستغلال الجنسي بدأت تأخذ طابعا مغايرا لارتباطها من جهة بالسياحة، ومن جهة أخرى، حسب نفس المصدر، لعلاقتها بالطابع المنظم الذي بدأت تأخذه كالشبكات ومنظمات إجرامية تجعل من دعارة الأطفال تجارة تتجاوز حدود المغرب ولها امتدادات على الصعيد الدولي.
الفقر من أهم الأسباب
تتفق العديد من الفعاليات الجمعوية على أن الفقر يعد من أهم مسببات هذه الظاهرة، وهو ما تؤكده كذلك نجاة أنوار، رئيسة جمعية "ما تقيسش ولدي"، وتسترسل قائلة " كل التقارير الصادرة سواء من منظمات دولية أو وطنية تؤكد أن نسبة كبيرة من المعتدى عليهم جنسيا ينتمون إلى أوساط فقيرة أو على عتبة الفقر مما يعني أن أحد المداخل الحقيقية لمحاربة الظاهرة يبقى هو محاربة الفقر"
وفي هذا الصدد صنف تقرير الخارجية الأمريكية لعام 2008 المغرب كبلد منتج ومولد لظاهرة استغلال الأطفال، سواء في خدمة البيوت أو في الجنس، كما جاء في التقرير "المغرب يصدر ويستضيف نساء ورجالا يتعرضون باستمرار للاستغلال الجنسي من أجل غايات مادية". ولهذا فالجمعيات المدنية بالمغرب تدعو إلى بلورة إستراتيجية فعالة للمرافقة الطبية والنفسية للضحايا الحاليين. لأنه حسب الأخصائية النفسية مونية الداودي فالأسوأ يبرز بعد مرور أشهر على الحادث ضمن "ما يسمى بقلق ما بعد الصدمة والسقوط في شرك الشعور بالذنب". وتضيف أن المعتدى عليه قد يحاول تقمص نفس دور المعتدي في المستقبل، فهي توضح أن 90 في المائة من حالات الاغتصاب ارتكبها أشخاص تعرضوا لذات الفعل في طفولتهم. ولهذا فهي تؤكد على أهمية المرافقة الطبية والنفسية للضحايا.
وكما عبرت عن ذلك نجاة أنوار فالسلطات الحكومية المختصة لم ترق إلى تفعيل إجراءات مناسبة للحد من هذه الجرائم، إذ لا توجد إلى حدود ألان إستراتيجية عامة و شمولية توحد بين مختلف القطاعات وتمد الجسور مع المنظمات والجمعيات ذات الاختصاص كما الدولة لا توفر الإمكانيات والوسائل لمكافحة الظاهرة على حد تعبير أنوار التي توضح أن السلطات ملزمة بملائمة قوانينها الوطنية مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الطفل و البروتوكولات الاختيارية ذات الصلة.
القانون المغربي والاعتداء الجنسي على الأطفال
فاجئ القضاء المغربي الرأي العام بالحكم الذي أصدره في المرحلة الابتدائية في حق الأستاذ الإسباني بجامعة موريسيا بالحكم عليه بـ 30 سنة سجنا، وفي هذا السياق تنوه نجاة الكص بهذا القرار الذي تعتبره ضروريا من أجل إنزال العقاب على مرتكبي جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال.
ولتوضيح تناول القانون المغربي لهذا الموضوع تشير نجاة الكص إلى أن القانون الجنائي يعاقب على أفعال هتك عرض أو محاولة هتكه على كل طفل أو طفلة يقل سنه عن 18 سنة بعقوبة حبسية تتراوح بين سنتين وخمس سنوات. وتضيف أن هتك العرض المرتبط بالعنف المرتكب على طفل أو طفلة قاصر يتراوح بين من 10 إلى 20 سنة.
أما إذا كان الفاعل من أصول الضحية أو ممن لهمم سلطة عليها وكذلك إذا استعان الجاني بشخص أو عدة أشخاص فإن العقوبة قد تصل من 20 إلى 30 سنة على حد تعبير الخبيرة القانونية نجاة الكص. كما يجرم القانون المغربي التحريض على الفساد والبغاء بمعاقبة الجاني بحبس قد يصل إلى 10 سنوات وبغرامة مالية قد تقارب عشرين ألف يورو، فالنصوص القانونية شملت جميع الأطراف الذين يقدمون إعانة لممارسة البغاء أو أخذ نصيب مما يحصل عليه الغير عن طريق البغاء أو الدعارة. إلا أن الكص توضح أنه بالرغم من صرامة المشرع في هذا الجانب بتنصيصه على عقوبات حبسية ومالية زجرية ردعية فالقضاء يتساهل مع مرتكبي هذا النوع من الجرائم.
وتضيف نجاة الكص قائلة "ينبغي على بلادنا أن تنظم وتشارك في حملات تحسيسية إعلامية وطنية ودولية مثل تلك التي تنظمها الوكالة الدولية لمحاربة استغلال الأطفال"، وهذه الحملة المنظمة بمساهمة 83 دولة تقوم بالبت السمعي والبصري لفائدة الأوساط الأكثر تعرضا للخطر وتكون التوعية بلهجة مفهومة. وفي نفس الصدد تشير الكص إلى ضرورة تكوين جبهة وطنية لمناهضة هذه الآفة وأن تتكون من أسر وضحايا جرائم الاستغلال الجنسي ومن الجمعيات المهتمة بشؤون الأسرة والطفل، كما أشارت كذلك إلى أهمية دور المدرسة والإعلام في مجال التحسيس، وهو ما أكدت عليه كذلك نجاة أنوار عندما تحدثت عن الدور الفعال لمختلف قطاعات الإعلام المرئية والسمعية والمكتوبة و الإلكترونية في توعية أفراد المجتمع و الأسر و استنهاض المسؤولين لمواجهة هذه المعضلة.
سارة زروال / الدار البيضاء
مراجعة: حسن زنيند