الملف الإيراني وسيناريوهات المواجهة الساخنة
١٨ ديسمبر ٢٠١١توالت في الفترة الأخيرة الأحداث التي تنذر بتصعيد خطير في الصراع حول البرنامج النووي الإيراني، وتحوله إلى مواجهة ساخنة. ففي تقريرها الأخير، أشارت الوكالة الدولية للطاقة النووية إلى وجود معلومات موثقة بوجود أبعاد عسكرية للبرنامج النووي لإيران. وفيما نفت طهران ذلك وكررت موقفها بأن منشآتها النووية مخصصة لتوليد الطاقة الكهربائية، رأت الدول الغربية في التقرير تأكيداً جديداً لشكوكها بسعي إيران لامتلاك أسلحة نووية، وسبباً كافياً لمواصلة فرض المزيد من العقوبات بحقها.
هل حققت العقوبات أهدافها؟
هذه الحرب الدبلوماسية الأمريكية-الإيرانية سبقها اتهام لطهران بمحاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن. كما هددت إسرائيل بشن ضربة عسكرية ضد منشآت إيران النووية. وفي هذا الإطار، يشير كونستانتين كوستن، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بالجمعية الألمانية للسياسة الخارجية، إلى أن ما يهم أوروبا والغرب بالدرجة الأولى هو أن تعود إيران إلى طاولة المفاوضات عن طريق العقوبات. لكنه تساءل حول مدى نجاح هذه العقوبات في تحقيق هذا الهدف بعد ثماني سنوات من فرضها.
ويعتقد الخبير الألماني أن العقوبات قد تكون قد أثرت على اقتصاد إيران، إلا أنها في نهاية المطاف لم تؤثر على برنامجها النووي، معتبراً في الوقت نفسه أن الخط السائد في أوروبا هو محاولة تفادي الحرب في المنطقة "لأن انعكاساتها ستكون كارثية على الجميع".
هل هناك حرب سرية على إيران؟
أما إدموند غريب، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية في واشنطن، فيوضح أن هناك قوى سياسية في الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد بأن العقوبات والضغوط الدبلوماسية لم ولن تحقق أهدافها، وبالتالي فهي تسعى للتحرك باتجاه جديد. ويضيف غريب: "ومن هنا جاء ما بدأنا نسمعه في الآونة الأخيرة من تصعيدات وقرع طبول الحرب تذكرنا بما حدث قبل الحرب على العراق بين عامي 2001 و2002".
ويرى المحاضر بالجامعة الأمريكية في واشنطن أنه إضافة إلى الضغوط الاقتصادية على إيران، فإنه من الممكن أن تكون هناك "حرب سرية تجري الآن بالاتفاق بين إسرائيل والولايات المتحدة، ربما بمساعدة بعض الأطراف الأوروبية أو غيرها ضد إيران". ويدلل على ذلك بحدوث "انفجارات في قاعدة صاروخية إيرانية أدت إلى مقتل أحد كبار المسؤولين في إيران عن هذا المشروع. وهناك عمليات اغتيال لعلماء إيرانيين نوويين، وطائرة التجسس الأمريكية التي تم إسقاطها وغير ذلك".
مواقف عربية متباينة
إلا أن الدكتور مصطفى اللباد، مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية في القاهرة، يرى أن هناك افتقاراً غربياً واضحاً لاستراتيجية للتعامل مع إيران، ولذلك "يجري دورياً فرض عقوبات. لكنها لا تؤثر في صنع القرار في طهران". ويوضح اللباد أن الدول العربية، وبخاصة دول الخليج، في حالة ترقب وتحفز كبيرين لما سيؤول إليه الملف النووي الإيراني، لأنها ستكون أكثر المتضررين في حال توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، فهي قد تتحول إلى ساحة للمعارك وهدفاً لأي رد إيراني. وفي حال امتلكت إيران القدرات النووية العسكرية، فعندها ستعاني هذه الدول من انتكاسات غير مباشرة، لأن ذلك سوف يخل بتوازنات القوى في المنطقة. ويشير الباحث المصري إلى أن قدرات "الدول العربية على الحسم أو ترجيح كفة أحد الخيارين محدودة في الواقع".
ورغم هذه التحديات التي تواجه الدول العربية، إلا أنه لا يوجد موقف عربي موحد حتى بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، التي تعد الأكثر تخوفاً من البرنامج النووي الإيراني، كما يوضح الدكتور اللباد، الذي يقول إنه ورغم الإجماع في العالم العربي على ضرورة كسر احتكار إسرائيل للسلاح النووي في المنطقة، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أن امتلاك إيران للسلاح النووي سيعود بالنفع على الدول العربية. لذلك فالموقف العربي غير موحد. لكن الدول العربية الخليجية المجاورة لإيران بالطبع أكثر تخوفاً من غيرها "مقارنة بالجزائر أو المغرب أو مصر مثلاً".
انقسام في الموقف الأمريكي
وكما أن هناك انقساماً في المواقف العربية، فهناك انقسام أيضاً في الموقف الأمريكي، كما يوضح إدموند غريب، الذي يرى أن هناك مطالبة متزايدة من اليمين والمحافظين الجدد بضرورة شن عملية عسكرية أو شن حرب سرية على إيران. كما أن معظم المرشحين الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية بدؤوا في تصعيد مواقفهم ولهجاتهم بضرورة التحرك ضد إيران وضد العلماء الإيرانيين، ويدعمون التحرك الهادف لفرض عقوبات اقتصادية على البنك المركزي الإيراني. كما يؤيدون دعم القوى المعارضة والمتمردة.
هذه المواقف تأتي معاكسة لموقف إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، التي "تقول إن كل الخيارات موجودة على الطاولة، وإن إيران تشكل أكبر خطر على أمن ورفاهية منطقة الشرق الأوسط، إلا أنهم في الوقت نفسه يقولون إن هناك تداعيات غير معروفة قد تنجم عن أي هجوم على إيران ونندم عليها كما قال وزير الدفاع".
"لا يمكن الاستهانة بإمكانيات الردع الإيرانية"
من جانبه يعتقد الدكتور مصطفى اللباد أن إمكانيات الرد الإيرانية لا يمكن الاستهانة بها، موضحاً أن "السيطرة على الطائرة الأمريكية كانت رسالة واضحة للولايات المتحدة بأن إيران تملك تكنولوجيا أكثر تطوراً مما كان يعتقد، لأنه لم يتم إسقاط الطائرة بل التحكم فيها ودفعها إلى الهبوط على مدرج، وهي رسالة يفهمها المتخصصون جيداً".
ويرى مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية أنه بالإضافة إلى قدرات الردع الإيرانية الصاروخية، هناك أوراق أخرى في يدها، وعلى رأسها إمكانية إغلاق مضيق هرمز الذي يمر منه 40 بالمائة من الإنتاج العالمي للنفط، والذي تستطيع طهران "إغلاقه بكل سهولة باستخدام زوارق صغيرة"، ما قد يؤدي إلى انخفاض المعروض من النفط العالمي وارتفاع أسعاره بشكل كبير، "وبذلك ستكون الدول المستوردة للنفط أكثر المتضررين".
من ناحية أخرى يشير اللباد إلى الطبيعة الجغرافية لإيران، والجبال المحيطة بغربها، ما يمنع في الواقع تعرضها لاحتلال عسكري على غرار ما تم في العراق. لذلك أكثر ما يمكن فعله من القوات المهاجمة هو قصف جوي لاستهداف هذه المواقع المحصنة المتفرقة في أنحاء إيران. وهذا يستوجب القيام بآلاف الطلعات الجوية، الأمر الذي يحتاج إلى وقت وكثافة نيران وتغطية دولية وإقليمية، بحسب تقدير الخبير المصري.
ويوضح الدكتور مصطفى اللباد أن الملف النووي ليس القضية الأساسية بالنسبة لإيران، مشيراً إلى أن المطلب الأساسي لإيران هو الاعتراف بها كقوة إقليمية في المنطقة. لكنه يستبعد سيناريو التفاهم الإيراني-الأمريكي ويتوقع أن يسير الملف النووي الإيراني نحو المزيد من التصعيد.
سمر كرم
مراجعة: ياسر أبو معيلق