المناخ والفساد يقلبان نعمة المطر إلى نقمة
١٣ ديسمبر ٢٠١٥من منا لا يتذكر صور السيول والطوفان المرعبة في عمّان وجدّة والدوحة وبيروت وبغداد والمكلا والإسكندرية خلال شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني الماضيين. زخات المطر الغزير أنتجت خلال ساعات قليلة بحيرات هائلة وسيول غمرت الأنفاق وجرفت السيارات والأرزاق والنفايات وأوقعت العديد من الضحايا في العديد من الشوارع والأحياء. وإذا كانت بلدان كاليمن تعاني الفقر والحروب التي تمنع إنشاء وتجهيز بنية تحتية مجهزة لصد الكوارث، فإن المفاجئ هو تكرار هذه الكوارث حتى في مدن بلدان غنية كالسعودية وقطر والعراق التي تصرف عشرات المليارات من الدولارات سنويا على تجهيز البينة التحتية. ولعل الأمر الأكثر مفاجأة أن مدينة كبيرة مثل مدينة جدة السعودية ما تزال بشكل جزئي دون شبكات متكاملة للصرف الصحي ومياه الأمطار. كما أن الكوارث تتكرر في ظروف تُظهر استمرار عجز السلطات المحلية في المدن العربية أعلاه عن فعل أشياء ملموسة للحد من الدمار والأضرار التي تُلحق بالمواطنين وأرزاقهم.
مسؤولية التغيّرات المناخية المتطرفة
تؤكد تقارير دولية وإقليمية أن المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم ابتلاء بالجفاف والتصحر وموجات الحرب والتغيرات المناخية المتطرفة الأخرى. وعليه فإن خبراء ومسؤولين يلقون باللوم على هذه التغيرات في حدوث كوارث الفيضانات كما حصل مؤخرا في عماّن والإسكندرية. وبالفعل فإن كميات الأمطار التي سقطت هناك خلال فترات قصيرة تتجاوز المعدلات المألوف بأضعاف. ففي الإسكندرية على سبيل المثال سقط 3,2 مليون م3 من الأمطار في غضون ساعات قليلة يوم 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ما يعني حوالي ضعف المعدل الطبيعي المقدّر بحدود 1.7 مليون م3.
مسؤولية الفساد واستفحاله!
أحمد عوض، مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية في عمّان يقرّ بذلك ويرى بأن تبعات التغيرات المناخية تشتد قسوة وتضعنا أمام تحديات جديدة، غير أن الواقع يفيد بأن "البنية التحتية ضعيفة وما حدث مؤشر على عدم جاهزيتها وضعف مستواها وضعف مؤسسات تخطيط المدن التي عجزت عن تطوير بنية تأخذ التغيرات المناخية بعين الاعتبار". ويضيف عوض في مقابلة مع DWعربية بأن "الفساد يتحمل أيضا مسؤولية جزئية عن هذا الضعف، وإلا كيف يمكن لأحياء في مدينة كعمّان أن تغرق بعد هطول مطري غزير لأربعين دقيقة فقط".
في سياق متصل يقول خبير بريطاني يعمل في مؤسسة دولية شبه حكومية تنشط في معظم الدول العربية فضل عدم الكشف عن اسمه أن الفساد الإداري المنتشر في كل مكان مسؤول عن انتشار الأحياء العشوائية وإهمال صيانة وتجهيز البنية التحتية، لاسيما وأن مليارات الدولارات تُصرف عليها سنويا وخاصة في بلدان كالسعودية ومصر والأردن. وأردف الخبير في حديث مع DWعربية إن من أبرز أوجه الفساد تلك التي تحصل من خلال "الاتفاقات الشفهية بين المتعهدين وموظفي الإدارات وأجهزة الرقابة والحاسبة لتمرير مشاريع الطرق والصرف الصحي والأنفاق رغم أن تنفيذها لا يتماشى مع النوعية المطلوبة".
مسؤولية الإهمال وغياب الصيانة
المعطيات وتصريحات خبراء ومسؤولين من جهة أخرى تشير إلى أنّ إهمال البنية التحتية المتوفرة الضعيفة بالأصل يزيد الطين بله. ويتجسد هذا الإهمال في قدمها وغياب الصيانة الدورية بشكل يؤدي إلى تعطل عمل شبكات تصريف المياه. في لقاء خصت به DWعربية تقول الدكتورة نعمى شريف الخبيرة في مجال شبكات الصرف الصحي: "إن شبكات الصرف الصحي في هذه البلدان قديمة وطاقتها التصميمية لا تستوعب كميات الصرف الصحي الإضافية الناتجة عن التزايد السكاني وظروف ازدياد السكان الناجم أيضا عن الظروف السياسية في البلدان المجاورة". وتضيف الخبيرة: "إضافة إلى ذلك فإن شبكات الصرف الصحي ليست مصممة لاستيعاب غزارات كبيره من الأمطار بسبب ظروف الجفاف التي هي الغالبة في المنطقة" كما أن "المشكلة تكمن أيضا في العشوائيات ومخالفات البناء المنتشرة بكثافة والتي لا تغطيها البنية التحتية. لذلك لا بد من وضع خطة طوارئ لمواجه هذه التحديات عن طريق بناء وصيانة منشات معالجة المياه والمرافق العامة المناسبة".
ما هي الحلول الممكنة؟
لكن السؤال هو : كيف يمكن القيام بعملية البناء والصيانة في ظل الفساد والمحسوبية وضعف الموارد المالية؟
"منذ سنوات تزيد على عقد من الزمن هناك وعود بتحديث شبكات المياه في إحدى العواصم العربية، غير أن ذلك لم يحدث حتى الآن رغم وضع التصاميم ورصد الأموال لذلك"، كما تقول اينس دوبرفسكي، الخبيرة في المعهد الألماني للتنمية في مدينة بون الألمانية، وتضيف في حديث مع DWعربية " إنّ التغيرات المناخية تفرض علينا إقامة بنية تحتية أكثر استجابة، على سبيل المثال من خلال إقامة سدود صغيرة في محيط المدن والأحياء لمنع تدفق مياه الوديان الجارفة إليها". وفي المناطق التي تجري فيها السواقي والأنهار مثل نهر النيل، "لا بد من توفير حرمة أوسع لمجاريها من أجل استيعاب المياه الفائضة كما هو عليه الحال في ألمانيا". عدا ذلك فإن الفيضانات ستكرر ومعها الكوارث الأكثر قسوة على السكان وممتلكاتهم. الجدير ذكره أن السلطات الألمانية قامت خلال السنوات الماضية بتوسيع حرمة الأنهار التي تمر في أراضيها كنهر الألب والراين من خلال توسيع حرمة مجاريها ومنع البناء والأنشطة العمرانية فيها. وجاء هذا التوسيع بعد فيضانات غمرت أجزاء من مدن عدة مثل كولونيا ودريسدن وماغديبورغ وهالة.