المناظرات التلفزيونية: مسرحية إعلامية أم مساعدة فعلية للناخب؟
١ سبتمبر ٢٠١٣للمرة الرابعة تجرى في ألمانيا مناظرة تلفزيونية بين المرشحين الأوفر حظا قبيل الانتخابات البرلمانية. والمناظرة هذه المرة بين المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي ومنافسها بيير شتاينبروك من الحزب الاشتراكي الديمقراطي. ويجب عليهما مواجهة أسئلة أربعة من المذيعين لمدة ساعة ونصف الساعة. وهناك شيء جديد في هذه المناظرة وهو وجود المذيع شتيفان راب، مذيع برامج التسلية الشهير إلى جانب ثلاثة من المذيعين المعتادين المتخصصين في السياسة.
المناظرات التلفزيونية قبيل الانتخابات البرلمانية (انتخابات البوندستاغ) تقليد قديم في ألمانيا. ففي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كان من المعتاد أن يلتقي جميع مرشحي القمة من الأحزاب الممثلة في البرلمان في حلقة تصل إلى أربع ساعات من المناقشات المستمرة حول قضايا الحملة الإنتخابية. لكن هذه المناقشات توقفت بعد انتخابات عام 1987، وجرت الحملات الانتخابية في التسعينيات دون عقد تلك المناقشات.
حرب العراق والفيضانات في ألمانيا
ولم تعقد مناظرة تلفزيونية إلا بداية من انتخابات عام 2002 ، وكانت بين المستشار السابق غيرهارد شرودر ومنافسه إدموند شتويبر، وجاءت تلك المناظرة على النموذج الأمريكي : ودخل شرودر وشتويبر حلبة المناظرة كمرشحين لمنصب المستشار، في أسلوب المناظرات الرئاسية الأمريكية، وبشعار "المسألة متوقفة على المستشار!"، علما بأنه في ألمانيا يتم انتخاب نواب البرلمان أولا ثم ينتخب هؤلاء بعد ذلك المستشار. وقد عقدت مناظرتان بين شتويبر وشرودر، الأولى قبل أربعة أسابيع والثانية قبل أسبوعين من الانتخابات. واستمرت كل واحدة منهما لمدة 90 دقيقة جرى فيها نقاش حول القضايا الملحة في البلاد، وكانت أهم القضايا آنذاك في المناظرتين هي المشاركة الألمانية في الحرب على العراق والفيضانات المدمرة التي اجتاحت الولايات الشرقية في ألمانيا آنذاك.
وكان الاهتمام كبيرا من جانب الإعلام والناخبين على حد سواء. وتابع كل مناظرة حوالي 15 مليون مشاهد. وهي نسبة لا تعرفها قنوات التلفزيون إلا في المباريات الدولية لمنتخب كرة القدم. وقد أرست مناظرتا عام 2002 تقليدا جديدا، لأن الانتخابات التي تلتها شهد كل منها مناظرة المرشحين المتنافسين على منصب المستشار، وجرى نقلها على الهواء مباشرة على القنوات العام واثنين من أكبر القنوات الخاصة، أرسلت كل واحدة منهما مذيعا يشارك في المنظرة.
هل هي مملة وبدون فائدة؟
وبسرعة أصبحت تلك المناظرات التي تأخذ الطابع الأمريكي موضع أعجاب بالنسبة لوسائل الإعلام والناخبين والمرشحين الكبيرين. ولا عجب بعد ذلك أنها أصبحت تأخذ الطابع المؤسساتي. لكن برغم ذلك لم تسلم من الانتقادات، فالنسخة الأخيرة، نسخة عام 2009 تعرضت لانتقادات شديدة. وكان الاتهام المشترك من قبل التحليلات الإعلامية للمناظرة هي أنها : مملة وغير مجدية وأنها بدت مشلولة؛ فقد كانت بين المستشارة ميركل ونائبها الاشتراكي شتاينماير، حيث كانت هناك آنذاك حكومة ائتلاف كبير بين الحزبين.
ولكن هل هذا صحيح؟ منذ عام 2002 يقوم فريق من الباحثين من مختلف الجامعات بوضع المناظرات التلفزيونية تحت المجهر. ويدعون أناسا ليتابعوا معهم المناظرات ويوثقوا انطباعاتهم أثنائها وبعدها، حتى يمكن للباحثين معرفة ما يتقبله المتلقي جيدا أثناء المناظرة وما الذي يرفضه، وفيما إذا كان ذلك مرتبطا بأية مؤثرات.
تحفيز للانتخاب
وتظهر النتائج أنه حتى مناظرة عام 2009 التي جرى الزعم بأنها مملة وغير مجدية؛ اعتبرها المشاركون مع الباحثين في الأستوديو مناظرة جديرة بالاهتمام ومفيدة؛ في تناقض صارخ مع صدى وسائل الإعلام الذي أعقب تلك المناظرة. هذا النوع من المناظرات الذي يأخذ الشكل المسرحي بمحتوى مركز – ويمكن القول إنها حملة انتخابية موضوعة تحت المجهر - يقوم بمد جسر لقطاعات من الناخبين، وبدونها لم يكونوا ليهتموا كثيرا بالسياسة. وهؤلاء خصوصا هم من يجدون المناظرة مفيدة، ويتعلمون منها شيئا ويتأثرون بها. وأخيرا وليس آخرا فإن مثل هذه المناظرات تعمل على تعبئة الناخبين. فهي تحفز المواطنين على المشاركة في الانتخابات، وخصوصا الفئات الاجتماعية البعيدة عن السياسة بعض الشيء.
هناك نقطة انتقاد أخرى للمناظرة، مفادها أن المناظرة تؤدي إلى وقوف الحزبين الرئيسيين فقط ومرشحيهما لمنصب المستشار في دائرة الاهتمام؛ بينما يستبعد المنافسون الأصغر. وفي عام 2002، قدم المرشح الرئيسي للحزب الليبرالي، غيدو فيسترفيله، شكوى أمام المحكمة الدستورية الاتحادية بأن مرشحي الحزبين الرئيسيين فقط هما من يسمح لهما بالمشاركة في المناظرة، بينما لا يسمح له هو (فيسترفيله) بالمشاركة. ولم تلق الدعوى النجاح، فقد قررت المحكمة الدستورية أنه: عموما يجب فعلا أن تكون التغطية الإعلامية عن كافة الأحزاب متوازنة لكن ليس في كل حالة مفردة.
مع ذلك، فستشارك هذا العام الأحزاب الصغيرة أيضا. فيوم الاثنين (2 سبتمبر/ أيلول 2013) بعد مناظرة ميركل وشتاينبروك، ستكون هناك حلقة نقاش ينقلها التلفزيون، ويشارك فيها كبار المرشحين من الحزب الليبرالي، وحزب الخضر وحزب اليسار. فجميع الأحزاب الممثلة في البرلمان الألماني (البوندستاغ) مسموح لها قبل انتخابات هذا العام بالمشاركة في حلقة النقاش مرة. ومن يراجع نتائج الانتخابات في عام 2009 وعلى وجه الخصوص النتائج الجيدة الاستثنائية لما تسمى بالأحزاب الصغيرة سيعرف أيضا أن المشاركة في المناظرة "الكبرى" ليست ضمانا لتحقيق نتائج جيدة يوم الانتخابات.
تورستن فاس
تورستن فاس أستاذ العلوم السياسية بجامعة ماينز، ومدير قسم الأبحاث السياسية التجريبية في معهد العلوم السياسية.