المنتخب الألماني يحقق "معجزة بيرن" في مونديال 1954
١٠ مايو ٢٠٠٦في أجواء ماطرة وتحت ضغط نفسي شديد، خاض المنتخب الألماني لكرة
القدم نهائي مونديال عام 1954. وفي حين توقع المراقبون وملايين من عشاق لعبة الجماهير أن تتوج هنغاريا بطلة لهذا ا لمونديال، خصوصا بعد الخسارة التي مني بها المنتخب الألماني أمامها في الدور الأوّل لهذه البطولة، قلب اللاعبون الألمان بقيادة مدربهم القدير سيب هيربيرغر كل التوقعات واستطاعوا تكبيد المنتخب الهنغاري هزيمة ما زالت ماثلة في عقول المهتمين بكرة القدم وعرفت بعد ذلك في ألمانيا بـ"معجزة بيرن" نسبة إلى مدينة بيرن السويسرية التي استضافت البطولة. وكانت هنغاريا متقدمة بهدفين نظيفين على ألمانيا. وبعد ذلك، انقلبت كفة المباراة لصالح اللاعبين الألمان ونجح هذا الفريق الذي خرج لاعبوه من ويلات الحرب في تحويل الهزيمة إلى نصر اعتبره كثيرون الأهم في تاريخ كرة القدم الألمانية
نهاية الحرب وبداية النجاح
بعد أن حرم المنتخب الألماني من المشاركة في بطولة كأس عالم الأولى التي نظمت بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بسبب موقف ألمانيا من هذه الحرب، لم يقطع المدرّب القدير سيب هيربيرغر اتصالاته مع لاعبيه، بل على العكس تماما. فقد واصل عمله كمدرب انتظارا للمونديال القادم الذي استضافته سويسرا عام 1954. وخاض المنتخب الألماني المباراة الأولى ضد البلد المضيف سويسرا. وكانت هذه المباراة فاتحة المهام للكرة الألمانية الجديدة، حيث نجح المنتخب الألماني من الفوز في هذه المباراة التي حضرها ما يقارب الـ115ألف متفرّج بـهدفٍ نظيف. ولكن ما زالت مهمّة الصعود إلى الدور الثاني في غاية الصعوبة بالنسبة للمنتخب الألماني الذي سيستوجب عليه مواجهة كل من المنتخبين الهنغاري التركي. و لم تكن مواجهة المنتخب الهنغاري تسرّ الألمان كما هو الحال أمام سويسرا، فقد مُني الألمان بخسارة كبيرة أمام الهنغاريين بـ8 أهداف مقابل 3. وتفوّق الهنغاريون على الألمان في تقديمهم لكرة قدم جميلة وممتعة. علاوة على ذلك، لم يتكبد الفريق الهنغاري هزيمة واحدة على مدى 33 مباراة، منها 27 انتصار و 6 تعادلات. إلاّ أنّ هذه الخسارة لم تؤثر على أداء المنتخب الألماني، بل جعلته يعيد ترتيب صفوفه من جديد، ليتمكن من الحصول على بطاقة التأهل المتبقية للدور الثاني عبر بوابة المنتخب التركي الذي مني بهزيمة كبيرة بـ7أهداف مقابل هدفين.
معجزة بيرن
وقبل بداية المباراة النهائية لمونديال 1954 التي احتضنها إستاد فانكدورف في مدينة بيرن السويسرية، رجّحت كلّ التوقعات كفة المنتخب الهنغاري على حساب المنتخب الألماني. وذلك بسبب الخسارة الكبيرة التي مُنيت بها ألمانيا أمام هنغاريا في الدور الأوّل. إضافةً إلى الأداء القوي الذي تميز به المنتخب الهنغاري في هذه البطولة، خصوصا بعد فوزه على منتخب البرازيل في نصف النهائي. المباراة بدأت تحت تساقط الأمطار وبحضور ما يقارب 62 ألف متفرّج. ولم يتوقع الجميع أن يخالف مدرّب المنتخب الهنغاري التوقعات في عدم إشراك نجم المنتخب المصاب بوشكاش، الذي شارك كلاعب أساسي منذ البداية رغم الإصابة. وبدا واضحا منذ بداية المباراة الضغط الشديد والمتواصل على المنتخب الألماني الذي لم يتمكن من السيطرة على مجريات المباراة في ظل الهجمات المتواصلة للهنغاريين. وإستغلّ نجم الفريق المصاب بوشكاش حالة الإرتباك في صفوف دفاع المنتخب الألماني ليحرز الهدف الأوّل في الدقيقة الرّابعة. وفي ظل حالة التزعزع والإرتباك هذه، فشل حارس المرمى الألماني توريك من إبعاد كرة مررها له المدافع كوهل ماير الى الوراء، وذلك بعد دقيقتين فقط من إحراز الهدف الأوّل، ليستغل أحد لاعبي هنغاريا هذه الفرصة ويهز بها بقوة شباك المرمى الألماني، ليحرز الهدف الثاني للمنتخب الهنغاري. إلاّ أنّ الألمان لم يتأخروا في تقليص الفارق وإعادة تحريك عجلة الفريق من جديد عندما أحرز مورلوك الهدف الأوّل في الدقيقة العاشرة، وعندما جرى الزيت في أتراس الماكينات الألمانية، كانت المفاجأة الكبرى عندما تمكن هيلموت ران من تسجيل هدف التعادل من ضربة ركنية عكسها قائد الفريق فريتس فالتر.
وبذلك عادت المباراة إلى نقطة الصفر من جديد وأصبح الهنغاريون في مواجهة حقيقية مع هذا المنتخب الجديد الذي جاء ليصنع معجزة كانت على أرض الواقع عندما عكس فالتر كرة أمامية لهيلموت ران الذي هيأها لنفسه قبل أن يسددها قوية بقدمه اليسرى عن بعد 20 مترا، لتعانق شباك الحارس المجري وسط دهشة وصدمة على المدرجات. ولم يتوقف الألمان في الدفاع عن مرماهم حتى الدقائق الأخيرة، وكانت الفرحة الكبرى عندما أطلق حكم المباراة صافرة النهاية ليحقق الألمان مفاجأة لم تكن في الحسبان. وتوّج الألمان أبطالاً حقيقيين لهذا المونديال بعد تأكيدهم للجميع أنهم قادرون على صناعة المعجزات
.
أمّا لاعبوا المجر فقد سقطوا في أرض الملعب أثر الصدمة التي تكررت معهم في نهائيات كأس العالم 1950 ضد البرازيل. وقال نجم الفريق بوشكاش بعد أعوام من هذه البطولة:" لايمكن أن يحصل لي أسوأ ما حصل ذلك اليوم." بالفعل كانت هذه المفاجأة من العيار الثقيل وتحوّلت فيما بعد الى فيلم يحمل إسم"معجزة بيرن". وقد أجبر هذا الفيلم المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر على البكاء تأثراً بهذا الحدث العظيم، عندما شاهد أوّل عرضٍ له عام 2003.