تزايد امتعاض الألمان من اللاجئين .. وأثره على اندماجهم
٢٦ أبريل ٢٠١٩نصف الألمان تقريباً لديهم تحفظ على طالبي اللجوء! هذه نتيجة أحدث استطلاع للرأي أجري في ألمانيا. الدراسة نشرتها مؤسسة "فريدريش إيبرت" المقربة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وأظهرت أن نسبة الرافضين لطالبي اللجوء من الألمان زادت مقارنة بعام 2016 رغم انخفاض عدد طلبات اللجوء.
يتزامن ذلك مع استطلاعات ودراسات تشير إلى أن الأحزاب اليمينية قد تضاعف مقاعدها في انتخابات البرلمان الأوروبي، التي ستجرى بعد حوالي شهر من الآن، بينما يتوقع أن تُمنى الأحزاب التقليدية بخسارة كبيرة.
هذه الأرقام والتوجهات المتنامية الرافضة للاجئين ترخي بظلالها على حياة هؤلاء في مجتمعهم الثاني في ألمانيا، فما أسبابها وكيف يمكن أن تؤثر على مسألة الإندماج؟
"الجهل بطبيعة الآخر"
موقع "شبيغل أونلاين" الذي نشر الدراسة قال إن ألمانيا "تنتشر فيها الآن المواقف السلبية تجاه طالبي اللجوء... وتجذرت المواقف الشعبوية اليمينية لدى فئات واسعة من المواطنين". كما أشارت الدراسة إلى انتشار نظريات المؤامرة بشكل كبير في صفوف المواطنين الألمان.
ويرى رامز كبيبو، وهو خبير في شؤون اللاجئين، بأنه ينبغي التعامل بحذر مع نتائج هذه الدراسة. ويشرح كبيبو في حديثه مع DW عربية بالقول: "كون نصف الألمان لديهم تحفظات على اللاجئين لا يعني بالضرورة أن هؤلاء يمينيون أو مع اليمين المتطرف ولا يجب التعامل معهم كذلك. الثابت هو أن هناك تخوفات واستياء لدى فئة من الألمان من موضوع اللاجئين وينبغي تحليل أسباب هذا الخوف وليس نشر أحكام مسبقة وتصنيفات ظالمة لأي طرف".
وفي اعتقاد الخبير، فإن جزءاً من أسباب هذه التحفظات هو الاختلاف بين ثقافة اللاجئين والبلد الجديد: "عندما جاءت موجات لاجئين من دول أخرى ثقافتها قريبة إلى حد ما من الثقافة الألمانية، لم تكن تخوفات كالموجودة اليوم من لاجئين لهم ثقافة تبدو مغايرة، وطبعاً استغلتها بعض الأطراف للتحذير من أسلمة المجتمع وغير ذلك في ظل جهل فئة كبيرة من الألمان بطبيعة هؤلاء اللاجئين والاكتفاء فقط بما يروجه الإعلام أو الأحزاب اليمينية عنهم".
بدوره يرى منصور حسنو، وهو كاتب وباحث سوري في مجال اللاجئين يعيش في ألمانيا منذ أربع سنوات، أن هناك بالتأكيد فئة من اللاجئين تتحمل أيضاً جزءاً من المسؤولية عن هذه الصورة السلبية بسبب التورط في مشاكل وجرائم أو عدم الالتزام بقوانين وقواعد المجتمع، رغم أن من المعروف كون هذه الفئة تحت الأنظار وأي تصرف غير مسؤول يمكن استغلاله لخدمة أجندات معينة.
مسؤولية الإعلام؟
ويضيف حسنو في تصريحات لـDW عربية: "هذا دون أن ننسى أن نفس المشاكل عندما يتورط فيها ألمان لا يتم لومهم بنفس الحجم، والإعلام بدوره يلعب دوراً في ترسيخ الصورة السلبية من خلال التركيز على ما هو سلبي وتضخيم بعض الأحداث التي يتورط فيها لاجئون. وباتت كل وسيلة إعلامية تخدم أجندة الجهة السياسية المحسوبة عليها من خلال ورقة اللاجئين". لكن رامز كبيبو يرى أن الإعلام الألماني في بداية موجة اللجوء كان متعاطفاً مع اللاجئين وقاوم فيما بعد الحركات المعادية لهم. لكن "في نهاية المطاف أصبح مسايراً، تحت ضغوط المجتمع، للتوجه العام حول اللاجئين".
يشار إلى أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، الذي يستخدم ورقة اللاجئين والمهاجرين في برنامجه السياسي، يواصل تحقيق نجاحات في ألمانيا. كما يتوقع ان يحصد نتائج جيدة في الإنتخابات الأوروبية المرتقبة.
أي تأثير على الإندماج؟
وعن تأثير مثل هذه الأرقام والدراسات على موضوع الاندماج في صفوف اللاجئين، يتفق الخبيران على أن مثل هذه المعطيات تؤثر بالتأكيد على اللاجئ ودوره ومدى إمكانية اندماجه في مجتمع يشعر أن نصفه لا يتقبله. وفي هذا السياق يقول منصور حسنو: "عندما تقرأ أن نصف المجتمع الذي تعيش فيه لا يتقبلك وفي الشارع تجد إعلانات تقول لك عد إلى وطنك فهو يحتاجك وما إلى ذلك... كيف يمكن أن تواصل مثلاً تعلم اللغة والتكوين والعمل للاندماج في مجتمع يعتبرك مجرد ضيف غير مرغوب به؟ من الطبيعي أن تشعر بالإحباط". كما ينتقد حسنو ما يعتبره "غياب خطة جديدة من الدولة الألمانية بخصوص إدماج اللاجئين والاستفادة من وجودهم لتحقيق تنوع أكبر في ألمانيا، وهكذا نجد أنهم يمارسون نفس المهن، لأنهم بعد إتمام دراسة اللغة لا يجدون من يحتضنهم".
مع ذلك يحذر كبيبو من "الغرق في دور الضحية"، ويضيف: "مثلما لا يرغب اللاجئون في تعميم الصورة السلبية عنهم، يجب كذلك أن لا يعمموا نظرتهم للألمان بناءً على دراسات كهذه، لأن هذه الأرقام تظهر وجود خلل يجب تحليله ومعالجته، لا زيادة الشرخ في المجتمع، ولا ينبغي كذلك التعامل مع أي فشل لهم في ألمانيا على أنه بسبب العنصرية وكون الآخر نازياً كما يروج البعض". وفي هذا السياق، يقترح الخبير السوري فتح نقاش بين اللاجئين ومختلف الجهات المعنية بالموضوع من سياسيين ومنظمات المجتمع المدني ومواطنين ألمان لتحليل أسباب هذه التخوفات والتحفظات.
انقسام بين اللاجئين
على مواقع التواصل الاجتماعي، أثارت نتائج الدراسة نقاشات وانقساماً بين اللاجئين السوريين، فبينما اعتبر البعض نتائج الدراسة عادية وأبدى تفهمه لموقف هذه الفئة الكبيرة من الألمان، انتقد آخرون هذا التوجه واعتبره عنصرياً.
في هذا السياق علقت شابة سورية على موقع "فيسبوك" تقول :"ضع نفسك مكان العنصري في ألمانيا: لاجئ في بلدك "بطنو واصله لحلقو" وقد أنجب 10 أطفال وابنته الصغيرة بعمر 8 سنوات حجّبها ويأخذ عن كل طفل 200 يورو من دافعي الضرائب ولا يشتغل ولا يسمح لزوجته بالدراسة، وفوق كل شيء يعتبر هؤلاء (الألمان) كفاراً مع أن الأموال التي يتقاضاها هي من ضرائب صناعات الكفار والخمر والشوارع الحمراء وليس من بيت خزانة المؤمنين... لا أبرر للعنصري لكن بعض أفعالنا تخلق العنصرية". ليخلف المنشور تفاعلاً كبيراً بين رافض ومؤيد له. فقد رد لاجئ سوري على ما ورد فيه بالقول إن "العنصري ستجدينه يخلق لك مشاكل ويفشلك في أي مكان أو زمان حتى إذا كنت تعملين تجدينهم يضايقونك ويفشلونك وهذا تعرضت له شخصياً. الآن يهاجمون اللاجئين بحجة أنهم لا يدفعون الضرائب، لكن لو كان كل اللاجئين يعملون ويدفعونها سيجدون حجة أخرى وهي أسلمة أوروبا، فالعنصري في دوامة لا تنتهي". وعلى صفحات أخرى اختار بعض رواد فيسبوك السخرية للرد على نتائج الدراسة، فقد نشر معلق يقول مثلاً "يكفينا النصف الأول من الألمان، النصف الثاني يحتاج لكورس (دورة) اندماج".
س.أ/ ي.أ