النمسا.. كيكل من "خطر على الأمن" إلى "مستشار الشعب"!
٧ يناير ٢٠٢٥هيربرت كيكل يستقطب ويثير الجدل، هذا ما يمكن أن يتفق عليه النمساويون. ويعتبر "خطرا أمنيا" بالنسبة لخصومه السياسيين، حسب ما صرح به سابقا المستشار كارل نيهامر من حزب الشعب المحافظ.
لكن يبدو أن للناخبين رأي آخر، حيث صوت له أكثر من 1,4 مليون ناخب في الانتخابات التشريعية التي جرت في سبتمبر/ أيلول الماضي، وحقق فيها كيكل وحزبه فوزا ساحقا، حيث أصبح أكبر قوة في المجلس الوطني (البرلمان) بحصوله على 28,8 بالمائة من الأصوات، وفي استطلاعات الرأي الحالية يؤيده حوالي 35 بالمائة من الناخبين.
وبعد فشل محادثات أحزاب تيار الوسط لتشكيل ائتلاف حكومي، كلف رئيس الدولة ألكسندر فان دير بيلين، حزب الحرية النمساوي اليميني الشعبوي بتشكيل الحكومة.
من شخص انطوائي متحفظ إلى "مستشار الشعب"
بعد الانتخابات التشريعية أجرت محطة ORF النمساوية العامة استطلاع رأي، أشار فيه الناخبون إلى أنهم صوتوالحزب الحرية النمساوي بسبب برنامجه الانتخابي، في حين فقط 2 بالمائة صوتوا له بسبب زعيمه ومرشحه لمنصب المستشار، هيربرت كيكل.
ولد هيربرت كيكل عام 1968 في مدينة فيلاخ بولاية كيرنتن في أقصى جنوب النمسا. لا يتمتع بكاريزما جذابة مثل زعماء الحزب السابقين، وكان يوصف بأنه انطوائي وفردي، وكان لفترة طويلة يقف ويعمل من وراء الكواليس، ومقابلاته مع وسائل الإعلام نادرة، ولا يعرف سوى القليل عن سيرته الذاتية: فهو متزوج ولديه ابن وحيد، ويمارس الرياضات الجبلية ورياضة الترياثلون. بعد أدائه للخدمة العسكرية التحق بجامعة فيينا حيث درس العلوم الإنسانية، لكنه ترك الدراسة من دون الحصول على شهادة جامعية.
والآن صار كيكل جاهزا ليصبح المستشار المقبل للنمسا أو "مستشار الشعب" كما أعلن حزب الحرية النمساوي، دون أي تحفظ بشأن الماضي النازي لهذا التعبير. فقبل انتشار كلمة "القائد (Führer) أطلق هتلر على نفسه لقب "مستشار الشعب". وكان هتلر نفسه قد ولد في النمسا ونجح عام 1938 في ضمها إلى الرايخ الألماني. لكن حزب الحرية النمساوي ينأى بنفسه عن النازية، وقبل الانتخابات بشهر واحد رفع دعوى قضائية ضد جميعة، شرحت تاريخ وخلفيات تعبير "مستشار الشعب".
طائر العنقاء ينهض من رماد فضيحة إيبيزا
ارتقى هيربرت كيكل خطوة خطوة في الحزب نحو القيادة، حيث بدأ مسيرته مستشارا وكاتبا لخطابات زعيم الحزب الأسبق يورغ هايدر، ثم أصبح أمينا عاما للحزب تحت قيادة رئيسه السابق هانز كريستيان شتراخه، الذي سقط عام 2019 بعد ما يعرف بفضيحة إيبيزا،حيث تم تصوير فيلم فيديو سرا مع سيدة يعتقد أنها روسية على جزيرة إيبيزا الإسبانية، يوثق قبول شتراخه وأحد أعضاء الحزب بالفساد والرشوة.
كيكل أصبح زعيما للحزب عام 2021 ونجح في تجاوز هذه الفضيحة التي هزب الحزب وأثرت عليه، رغم أن المستشار السابق زعيم حزب الشعب النمساوي المحافظ، سيباستان كورتس، قد اتهمه بالضلوع في الفضيحة. وكان كيكل حينها وزيرا للداخلية، ورفض الاستقالة من منصبه، فأقاله كورتس، وكان بذلك أول وزير تتم إقالته في تاريخ النمسا الجديدة.
متشدد في قضايا الهجرة وصديق بوتين!
خلال توليه منصب وزير الداخلية لمدة 17 شهرا، كان كيكل يتخذ مواقف متشددة وخاصة فيما يتعلق بالهجرة: فمرة خطط حظر تجوال في مراكز الاستقبال الأولية للاجئين وسمى ذلك "راحة ليلية طوعية"، وفكر في ترحيل مرتكبي الجرائم الأجانب، بعد إدانتهم في المرحلة الأولى من التقاضي حتى قبل أن يصبح الحكم باتا غير قابل للطعن. وفي انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2019، ألمح كيكل إلى أنه يريد التحايل على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وقال في حوار مع قناة التلفزيون النمساوية العامة "لازلت أعتقد أنه يسري مبدأ: يجب أن يتبع القانون السياسة وليس السياسة تتبع القانون".
ويشارك كيكل حزبه التشكيك في الاتحاد الأوروبي، ووصف سياسته في وقت سابق بأنها "متعجرفة وراضية عن نفسها". ويدعو برنامج حزبه إلى تقليص صلاحيات مؤسسات الاتحاد الأوروبي ويطالب بـ "حصن النمسا" ضمن منطقة دول شينغن. وبذلك يكون حزب الحرية النمساوي، أكثر اعتدالا من حزب البديل من أجل ألمانيااليميني الشعبوي، الذي أكد في برنامجه للانتخابات التشريعية التي ستجرى في 23 شباط/ فبراير المقبل، على الخروج من الاتحاد الأوروبي.
لكن في الكثير من المجالات الأخرى هناك تطابق بين مواقف حزبي الحرية النمساوي و"البديل" الألماني، فكلاهما يستخدمان مصطلح "الهجرة العكسية" وذلك من أجل خلق مزاج عام مناسب لعمليات ترحيل جماعية للمهاجرين.
وعزز كيكل شعارات حزبه المناهضة للإسلام وألقى عام 2016 كلمة في اجتماع لشبكات يمينية متطرفة. ويعود إليه الفضل في رفع شعار "داهام بدل الإسلام" وداهام تعني المنزل، أثناء الحملة الانتخابية. وكما ممثلو فعل حزب البديل تقرّب كيكل أثناء جائحة كورونا من مناهضي التلقيح ومن يؤمنون بنظريات المؤامرة.
الغاز الروسي وتحميل الغرب المسؤولية
كما يشكل رفض دعم أوكرانيا ضد روسيا ومدها بالسلاح، عنصر إلتقاء بين حزبي الحرية النمساوي و"البديل من أجل ألمانيا". ففي شباط/ فبراير 2023 في الذكرى السنوية الأولى لغزو روسيا أوكرانيا، تحدث كيكل في البرلمان النمساوي عن "التاريخ الطويل لاستفزازات الولايات المتحدة وحلف الناتو"، وأن كلا الطرفين مذنبين. ويعارض كيكل العقوبات الأوروبية ضد روسيا، ويرى حزبه أن مساهمة الغاز الروسي في تأمين إمدادات الطاقة "لا تزال مهمة".
في عام 2016 عقد حزب كيكل "الحرية النمساوي" اتفاقية صداقة مع حزب بوتين "روسيا الموحدة"، لكن فيما بعد تم التقليل من شأن هذه الاتفاقية. وقال ساسة أمنيون ألمان في الخريف الماضي، إذا شارك حزب الحرية النمساوي في الحكومة، فيجب إعادة النظر في التعاون الاستخباراتي مع النمسا. ووصف النائب البرلماني رودريش كيزفيتر من كتلة الاتحاد المسيحي في البوندستاغ، حزب الحرية النمساوي بأنه "حصان طروادة لروسيا في أوروبا".
هل يسير كيكل على درب أوربان؟
يخشى منتقدو كيكل، أنه إذا أصبح مستشارا قد يسير على درب رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان الذي يعتبر صديقا لبوتين، بل حتى إنه قد يعيد تشكيل النمسا على غرار المجر! وعلاقاتهما، كيكل وأوربان، ببعضهما جيدة، وأسسا في الصيف الماضي مع رئيس الوزراء التشيكي السابق، أندريه بابيش، كتلة "وطنيون من أجل أوروبا" في البرلمان الأوروبي.
بعد الانتخابات التشريعية، تم تشكيل حصن منيع ضد حزب الحرية النمساوية في البداية، إذ لم يكن أي حزب يرغب في التحالف معه، وقال حينها الأمين العام لحزب الشعب النمساوي المحافظ، كريستيان شتوكر في جلسة للبرلمان "لا أحد يريده". لكن الآن يريد شتوكر نفسه، الذي أصبح الرئيس المؤقت لحزب الشعب بعد استقالة نيهامر، أن يشارك في ائتلاف حكومي مع كيكل، يضم حزبي: الشعب النمساوي المحافظ، والحرية النمساوي اليميني الشعبوي!
أعده للعربية: عارف جابو