"الهاربون من السياسة" في مصر يستهلون العام بماراثون
٣ يناير ٢٠١٤في سابقة هي الأولى من نوعها في البلاد، شهدت مصر سباق ماراثون تحت اسم: "اجري من السياسة"، وذلك في آخر يوم من عام 2013. وهي حملة دعت إليها مؤسسة "بلادي"، المنظمة التي تهتم بالمشكلات الاجتماعية في البلد كالتحرش الجنسي، والتعليم، والنظافة.
هدف الحملة كان لمّ شمل جموع المصريين بعدما فرقهم التباين في وجهات النظر السياسية مع تزايد الصراع في البلاد، رافعين شعار "كل ما نجري من بعض في السياسة أكثر .. هنلاقي نفسنا قربنا من بعض في الإنسانية أكثر". أي: "كلما ابتعدنا عن السياسة، كلما اقتربنا من بعضنا في الإنسانية".
"الشعب المصري فقد إنسانيته، بعد تزايد عدد القتلى الذي أصبح أمرا روتينيا"، كما يقول – وبحماس شديد – إسلام سمير، أحد مؤسسي الحملة التابعة لمؤسسة "بلادي". انطلاق السباق كان من أمام وزارة الثقافة. وهذا الاختيار لم يأتي بالصدفة، كما يقول إسلام في حديث لـDW عربية: "الانطلاق من أمام مقر وزارة الثقافة جاء بعد أن فقد الشعب المصري ثقافته"، في ظل ما نشهده من أحداث سياسية ساخنة. لذلك، يشمل الاحتفال جميع المصرين "دون تمييز بين غني وفقير لأنه يوم مجاني، حتى يتمكن الفقير من الاستمتاع به".
ويشدد المنظمون على منع استخدام أي شعارات سياسية في الماراثون، أو استخدام صور للشهداء كي يبدؤوا عاما جديدا بعيد عن السياسة، "لأن السياسة هي من فرقتنا وفرقت عائلاتنا"، كما يشرح إسلام سمير.
هذه الفعالية، الأولى من نوعها في مصر، رفعت سقف طموحات المنظمين؛ فباتوا يأملون في أن يصبح هذا الحدث عالميا، حتى يسجل العالم أن مصر احتفلت في يوم من السنة بالجري من السياسة. وقد خاطبوا الأمم المتحدة لاختيار هذا اليوم "يوما عالميا للجري من السياسة".
تنحية السياسة جانبا
أحمد إبراهيم (30 سنة) من المشاركين في الماراثون، أرهقته الفوضى وعدم الاستقرار الأمني، كما يقول: "بقالنا ثلاث سنوات نتحدث عن السياسة، فلندعو المصريين، بعيدا عن أي اختلاف في وجهات النظر، ولنقترب من بعضنا". وأكد أن الدعوة شجعته على الهروب من السياسة.
ويتفق مع هذا الرأي فادي حسام، 19 سنة، في حديثه مع DW عربية، قائلا "كنا نتمنى منذ ثورة يناير أن تصبح مصر في مصاف الدول المتقدمة، ولكن في ظل ما نراه في مصر، أصبحتُ مهموما وأخاف ليس على مستقبلي فحسب بل على مستقبل أولادي أيضا". ولا يرى فادي أملا في أن تتحسن مصر، فهو لا يثق في النخب السياسية أو الأحزاب السياسية التي لها أجندات خاصة، على حد تعبيره.
ويبدو أن الفكرة راقت تماما لفادي، لذلك لم يتردد في المشاركة، لأن "السياسة محيطة بنا في كل مكان، سواء في المترو أو المنزل أو الجامعة، أو حتى مواقع التواصل الاجتماعي التي من المفترض أنها ترفيهية". لذلك، "لابد من الهروب من السياسة ولو ليوم واحد". ويقول "مع بداية السنة الجديدة، نبدأها بوعود مختلفة بعيدا عن المؤامرات والتوتر، لنعود بشيء جديد لصالح البلد، خاصة بعد إعلان الإخوان المسلمين جماعة إرهابية"، والذي "قد يساعد على العيش في وضع أفضل"، على حد تعبيره.
جدوى الهروب من السياسة؟
رغم الحماسة التي أبداها المشاركون في الماراثون، بيد أن بعض المشاركين غير مقتنعين بجدوى الفكرة. ومنهم، نوران عبد السلام (19 سنة)، التي ترى أن "الحملة لا تساعد على تخفيف ضغوط السياسة، لأن السياسة محيطة بنا ولا نستطيع الهروب منها". واستطردت قائلة: "الشعب المصري هو من يبحث عن السياسة، حتى لو هربت منه، مشاركتي جاءت فقط لحبي للجري وليس أكثر من ذلك".
وهي وجهة نظر يشاركها بها أحمد السيد (22 سنة)، الذي أكد أن معظم المشاركين في المسابقة قد شاركوا إما للحصول على مكافأة مالية أو لأنهم يحبون الرياضة، لأن فكرة الهروب من السياسة أمر شبه مستحيل.
مبادرة الماراثون بدعم سياسي محدود
شارك في الحملة عدد من الشخصيات السياسية، منهم جورج إسحق، السياسي المعروف وأحد مؤسسي حركة كفاية. و الناشط السياسي ممدوح حمزة، والدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية جامعة القاهرة. وكان لـDW عربية حديث مع الدكتور ممدوح حمزة، أخبرنا فيه أنه شجع الفكرة وساهمت "ماليا في دعمها بمجرد أن عرضت" عليه. ويضيف "أنا أول واحد يجري من السياسة لأنها في كل مكان ولازم نرتاح قليلا من هذا الاتجاه، خاصة بعد التخلص من الإخوان المسلمين".
ولكن أشهد أشهد الصالحي، أحد المنظمين من مؤسسة "بلادي"، أكد في حديثه مع DWعربية أن الشخصيات السياسية التي حضرت الاحتفال، عزفت عن دعم الحملة، ومنهم ممدوح حمزة وحسن نافعة، والذين أيدوا الفكرة شفهيا فقط. في وقت رفضت الحملة تبرعات من جانب بعض الأحزاب السياسية، حتى لا يقال أنها تنضوي تحت تيار معين، ولا يتم استغلالها للترويج السياسي لحملاتهم البرلمانية والرئاسية.
السياسة ليست المشكلة
وفي نظرة تحليلية للموضوع، يرى الدكتور صبحي عسيلة، الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن أغلبية الشعب المصري يرى أن الأخوان المسلمين والجماعات الإسلامية بشكل عام هم السبب في عزوفهم عن السياسة". وأرجع السبب في ذلك، إلى عدم تسليمهم بواقع ثورة 30 يونيو. ويستكمل في السياق ذاته قائلا: "تبدو السياسة من وجهة نظر البعض المشكلة الوحيدة في البلاد، بخلاف المشاكل الاقتصادية التي لا يوجد نقاش جاد حولها الآن. كما لم يعد أحد يهتم بهموم المصريين أنفسهم ومشكلاتهم، وفقا له.
وعلى جانب آخر، تعتبر سارة يوسف، باحثة في علم الاجتماع، أن الشعب المصري تعرض لحالة كبت شديدة نتيجة أنه "لم يعد يعرف الصح من الخطأ"، وصار يحاول أن يخرج الطاقة السلبية عن طريق ممارسة الرياضة. وتعتبر سارة أن تكرار هذا الحدث سيساعد بشكل أو بآخر في أن يشعر الناس بالراحة النفسية.