الهجرة نحو أوروبا بين الحلم والكابوس
٣٠ مايو ٢٠١٣يجلس الشاب أبو مع أصدقائه في شاطئ العاصمة السنغالية دكار، وقد أقدم قبلها على إحراق جواز سفره كي لا يتم التعرف على هويته في حال فشلت تجربة العبور وتم اعتقاله من قبل شرطة خفر السواحل. مشهد عبور الشاب أبو على متن قارب صيد ليلا في اتجاه إسبانيا تم تصويره سابقا ضمن فيلم سينمائي بعنوان "القارب" للمخرج السينمائي موسى توري. عائلة أبو التي دفعت مبلغا ماليا كبيرا لتغطية تكاليف الرحلة ينتابها الخوف، وقد تحولت الرحلة في النهاية إلى كارثة وسط أمواج الأطلسي العاتية.
فيلم "القارب" نال إعجابا كبيرا أثناء فعاليات مهرجان الفيلم في بوركينا فاسو، لأنه يرسم بلا تحفظ معركة المهاجرين من أجل البقاء. ويقول المخرج السنغالي موسى توري في هذا السياق "لإنتاج هذا الفيلم قابلت أشخاصا قاموا برحلات خطيرة. وحتى لا يكونوا مجبرين على قضاء حاجتهم في المرحاض وبالتالي فقدان مكان جلوسهم وسط القارب، كانوا مجبرين طوال أيام على أكل بعض الفطائر فقط وشرب القليل من الماء. وتستمر الرحلة ستة أو سبعة أيام وهم جالسين لا يفكرون في المستقبل، بل في أنهم بصدد الإقبال على الانتحار. وهذا هو صلب موضوع الفيلم. فنحن نجلس في الحقيقة مع هؤلاء الأشخاص وسط القارب، ونتفكر كمتفرجين في الواقع المعاش ".
المعركة من أجل البقاء قاسية
الآلاف من الشباب يموتون سنويا عطشا أو غرقا وسط البحر الأبيض المتوسط، وعددهم الحقيقي غير معروف. هارون يعرف الكثير من هذه الحوادث المتكررة يوميا، وقد قام مؤخرا بدفن أصدقاء انقلب قاربهم المطاطي. هارون لاجئ منحدر من السنغال، وهو يعمل مع إحدى منظمات الإغاثة الإسبانية المغربية في طنجة شمال المغرب، وهي منظمة تهتم بالأفارقة الذين لا يحملون رخص إقامة. هارون يفتح دولابا في مقر تلك المنظمة، ويقول "لدينا هنا ألبسة متنوعة وطعام خاص بالرضع... الناس يأتون إلينا ونوزع عليهم ما لدينا لمساعدتهم في تحسين ظروف عيشهم".
ويلاحظ هارون أن بعض اللاجئين يتوقفون فجأة عن طرق باب المنظمة، مما يعني بالنسبة إليه أنهم غادروا نحو أوروبا على متن أحد القوارب. وإذا كان السياح يحتاجون إلى نصف ساعة من الوقت للعبور على متن سفينة فخمة وسريعة من طنجة نحو طريفة الإسبانية ويدفعون 50 يورو كسعر لتلك الرحلة، فإن اللاجئين الأفارقة يكونون بحاجة إلى شهور من الوقت للإعداد لمغامرتهم البحرية، ويدفعون مبالغ مالية كبيرة.
وإذا كان الشباب الأفارقة يتطلعون إلى تحسين ظروف عيشهم بتحقيق حلم العبور إلى إسبانيا وإيطاليا أو اليونان، فإن هذه الدول بالذات تعاني منذ مدة من أزمة اقتصادية خانقة تتسبب في أعداد متزايدة من العاطلين عن العمل في صفوف أبنائها الذين اختاروا من جهتهم الهجرة إلى ألمانيا ودول شمال أوروبا. وقد زادت معدلات الهجرة من إسبانيا وإيطاليا واليونان إلى ألمانيا إلى أكبر نسبة منذ 20 عاما. وقال المكتب الاتحادي للإحصاءات في وقت سابق إن 1.081 مليون مهاجر وصلوا ألمانيا العام الماضي بزيادة 13 في المائة عن عام 2011 ، وهو أعلى عدد منذ عام 1995 .
شباب جنوب أوروبا يهاجر نحو الشمال
ووصلت أكبر أعداد من دول في شرق أوروبا ودول جنوب منطقة اليورو التي تواجه صعوبات في مواجهة الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة نتيجة لأزمة الديون المستمرة منذ ثلاث سنوات في منطقة اليورو. وارتفع عدد المهاجرين القادمين من اسبانيا واليونان والبرتغال وإيطاليا بنسبة 40 في المائة أو أكثر مقارنة مع العام السابق. وقال مكتب الإحصاءات "ارتفاع معدلات الهجرة من دول الاتحاد الأوروبي المتضررة من الأزمة المالية وأزمة الديون قوية على وجه الخصوص."
وظلت ألمانيا واجهة نادرة للقوة الاقتصادية خلال الأزمة، واستفادت من الإصلاحات الهيكلية العميقة التي أجرتها قبل عشر سنوات ومن الشركات الصغيرة والمتوسطة القادرة على التنافس، إضافة إلى تدني أسعار الفائدة. ويبلغ معدل البطالة في ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا 6.9 في المائة، وهو يزيد قليلا عن أدنى مستوى بلغه خلال فترة ما بعد توحيد شطري ألمانيا. وعلى العكس من ذلك فهناك شخص واحد من كل أربعة في اسبانيا واليونان بلا عمل وتقترب نسبة البطالة بين الشباب في تلك الدول من 60 في المائة.
وجعل هذا من ألمانيا وجهة مفضلة بشكل متزايد رغم كثرة العقبات مثل اللغة. لكن الأعداد من جنوب أوروبا ما زالت في مجملها محدودة نسبيا مقارنة بالوافدين من شرق أوروبا.