"الوقود الحيوي يهدد التنوع البيولوجي والأمن الغذائي"
٢٧ مايو ٢٠٠٨أثارت قضية إنتاج الوقود الحيوي وتأثيره على التنوع البيولوجي جدلا حادا لدى المشاركين في المؤتمر التاسع حول التنوع الحيوي، الذي تنظمه الأمم المتحدة في مدينة بون الألمانية. وبينما تطالب منظمات بيئية عالمية بوقف إنتاج الوقود الحيوي، يرفض مندوبون عن دول منتجة لهذا الوقود وصفه بأنه مضر بالبيئة، على غرار البرازيل، التي تعد أكبر منتج في العالم لمادة الإيثانول، التي تستخدم لتشغيل المحركات.
تراجع الزراعة من أجل توفير الغذاء أمام زحف الزراعة من أجل التطبيقات الصناعية
من جهتها، قرعت منظمات بيئية عالمية -على غرار منظمة السلام الأخضر (غرين بيس)- أجراس الخطر، مشيرة إلى الأضرار البيئية التي يلحقها الوقود الحيوي بالبيئة، بناء على دراسة أصدرتها المنظمة، تعدد تلك الأضرار.
تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن هذا النوع من الوقود البيولوجي يعتبر أحد الحلول الناجعة لتحقيق أمن الطاقة، كما يعتبر بديلا جيداً للوقود الأحفوري، خاصة وأنه لا يتسبب في انبعاثات الغاز السامة. الأمر الذي دفع عددا من البلدان إلى الإقبال على إنتاجه وتوريده، حيث تسعى الحكومة الألمانية إلى رفع نسبة الوقود الحيوي إلى 20 % من نسبة المواد المستعملة كوقود لتشغيل المحركات مما سيؤدي إلى تحويل 60 % من الأراضي المخصصة للزراعة في ألمانيا إلى أراضي مخصصة لزراعة النباتات بغرض استخدامها في إنتاج الوقود الحيوي أو إلى رفع نسبة إيرادات الوقود الحيوي إلى الأضعاف، بحسب منظمة السلام الأخضر (غرين بيس).
وتشير المنظمة البيئية العالمية إلى أن المشكلة في الاعتماد على الوقود الحيوي، الذي يتم استخراجه من الذرة والقصب السكري وفول الصويا والأرز والقمح والنخيل، تكمن في تحويل مساحات زراعية شاسعة إلى أراض مخصصة لإنتاج الوقود الحيوي. وهو ما يعني توسيع الزراعة بهدف التطبيقات الصناعية على حساب الزراعة من أجل توفير الغذاء، مما سيزيد من حدة الأزمة الغذائية العالمية ويزيد من ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
ويقول مارتن كايزر، المستشار السياسي لمنظمة السلام الأخضر في مجال التنوع البيولوجي والغابات والمناخ،في حديث له مع موقعنا إن الحوافز المالية الكبيرة التي تقدمها الشركات الكبرى المنتجة للوقود الحيوي تدفع بعض الحكومات في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية إلى تحويل ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية والمراعي المخصصة للماشية وكذلك الغابات إلى مساحات شاسعة مخصصة لزراعة المواد التي تستخدم لإنتاج الوقود الحيوي، دون أخذ حاجيات السكان من المواد الغذائية بعين الاعتبار، مما يؤدي إلى عجز تلك البلدان النامية عن تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء.
الوقود الحيوي ليس البديل الأفضل للحفاظ على البيئة
علاوة على ذلك، يتسبب الاستخدام المفرط للمبيدات الحشرية وللأسمدة الكيميائية في تلويث التربة والماء، مما يلحق أضرارا صحية جسيمة بالسكان المحليين وبعمال المزارع. كذلك، يؤكد بعض الخبراء أن إنتاج لتر واحد من مادة الإيثانول يحتاج إلى كميات كبيرة من الماء، تصل في بعض المناطق إلى 3500 لتر ماء، الأمر الذي يزيد من مشكلة نقص المياه في عدة مناطق. ومن ناحية أخرى، أدى التوسع في زراعة المحاصيل المستخدمة لإنتاج الوقود الحيوي إلى طرد آلاف المزارعين من أراضيهم، فضلا عن استئصال آلاف السكان الأصليين من موطنهم الأصلي مثلما حدث مع الهنود في أمريكا الجنوبية.
وفي السياق نفسه، يقول مارتين كايزر عن منظمة السلام الأخضر (غرين بيس) إن إنتاج الوقود الحيوي خلال السنوات القليلة الماضية قد أدى إلى قطع وتدمير مساحات لا بأس بها من الغابات الاستوائية في أندونسيا وماليزيا وإفريقيا الوسطى ومنطقة الأمازون في أمريكا الجنوبية. وأشار كايزر إلى أن هذا التدمير للغابات الاستوائية، التي تعتبر مأوى للحيوانات والنباتات، لتحويلها إلى أراضٍٍ للزراعة الصناعية، يخل بالتوازن البيئي ويؤدي إلى انقراض أصناف كثيرة من الحيوانات والنباتات. علماً بأن هذه الغابات تلعب دورا مهما في المحافظة على رطوبة الأرض بشكل فعال من خلال امتصاص ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى أوكسجين.
حماية التنوع البيولوجي مسؤولية دولية
وحث مارتين كايزر الحكومة الألمانية، التي تستورد نصف حاجياتها من الوقود الحيوي، على وقف هذه الإيرادات كما اقترح بعض الحلول البديلة، من ضمنها تحديد السرعة الأقصى على الطرق السريعة في ألمانيا بـ120 كيلومتر في الساعة والاستعمال المقنن للطاقة وتصنيع محركات لا تستهلك الكثير من الوقود، بالإضافة إلى الاعتماد على الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية بشكل أوسع.
وأضاف المتحدث عن منظمة السلام الأخضر أنه يتعين على الدول الصناعية الغنية حماية الغابات والاستثمار في هذا المجال إذا أرادوا فعلا حماية المناخ، وحثهم على تبني مقاييس دولية مقننة لإنتاج الوقود الحيوي.