لماذا تراجعت سمعة الولايات المتحدة في ألمانيا و أوروبا؟
٢٨ يونيو ٢٠١٥DW: هناك دراسة جديدة قام بها مركز بيو للدراسات وتقول إن سمعة الولايات المتحدة كدولة صناعية قيادية في تحسن مستمر على الصعيد العالمي، بينما تراجعتسمعتها في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، فما هو سبب هذا التراجع؟
كارستن فوغت: تراجع سمعة الولايات المتحدة قد بدأ في فترة الحروب التي شنها الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في الشرق الأوسط. ويرى الكثيرون أن الأمريكيين ساهموا في عدم استقرار الدول هناك، وخاصة في نشوب الحرب في العراق والنزاع في سوريا. وفي حالات كثيرة يتم تحميل الأمريكيين أيضا المسؤولية عن التطور والعمليات العسكرية في ليبيا، رغم أن فكرة ذلك لم تكن أمريكية، وإنما أوربية. وعلاوة على ذلك كانت هناك الفضيحة التي كشف العميل الأمريكي السابق إدوارد سنودن النقاب عنها بشأن نشاطات وكالة الأمن القومي الأمريكي التجسسية.
DW: لماذا لم يتمكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما من التأثير إيجابيا على سمعة الولايات المتحدة في ألمانيا؟
كارستن فوغت: حذرتُ آنذاك كمنسق الحكومة الألمانية للعلاقات بينها وبين الولايات المتحدة من رفع مطالب مفرطة وغير واقعية إلى رئيس أمريكي، فبالنظر إلى اختلاف الثقافة السياسية في الولايات المتحدة عنها في ألمانيا وبسبب دور الولايات المتحدة كدولة عظمى، فإنه لا يستطيع تحقيق مطالب معينة. ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال أهم حلفائنا الذي يكون من حيث قيمه أقرب منا من الصين وروسيا، إلا أن هناك فوارق أيضا، مما لا يدركه ألمان كثيرون. وأنا أيضا أجد صعوبات كبيرة في توضيح الثقافة الأمريكية في ألمانيا.
DW: ماذا توقع الأوروبيون؟
كارستن فوغت: اتسمت القوانين التي صدرت بعد الحادي عشرمن أيلول/سبتمبر لمكافحة الإرهاب بالعديد من البنود المشكوك فيها من حيث شرعيتها. وتمثل التوقع آنذاك في إلغاء حكومة أوباما جميع هذه القوانين. ونجح الكونغرس في ذلك الآن جزئيا عن طريق تقييد بعض صلاحيات وكالات المخابرات. إلا أن تسوية التوازن بين حقوق وكالات المخابرات وبين الحريات المدنية لا تزال تتم بصورة أرى أنها مشكوك فيها. وهذا لا ينسجم مع ما تتوقعه أغلبية الألمان.
DW: يتعرض أيضا قانون باتريوت آكت ومعتقل غوانتانامو لانتقادات شديدة. وينطبق ذلك بشكل خاص على تعريض السجناء للتعذيب بهدف الحصول على معلومات حول أعمال إرهابية. وبينما تؤيد نسبة 58 بالمائة من المستجوَبين الأمريكيين هذا الأسلوب، فإن نسبة 68 بالمائة من الألمان يرفضونه، فما هو سبب اختلاف المواقف الأوربية والأمريكية من هذا الموضوع؟
#b#كارستن فوغت: ليس لدينا ترتيب مشترك لقيمنا، ففي الولايات المتحدة يحاول الكونغرس التقدم بمبادرات ترمي إلى رفض التعذيب مبدئيا. ويشجع ذلك بشكل خاص جون مكين المحافظ الذي تعرض في فترة حرب فيتنام بنفسه لإجراءات تعذيب اتخذها الفيت كونغ ضده. إلا أن مكين لم ينجح في ذلك كليا، فالتوازن بين الأمن والحرية معلق، وذلك بموافقة المواطنين.
DW: هل الولايات المتحدة مهتمة بتحسين سمعتها في ألمانيا؟
كارستن فوغت: نعم، إنها مهتمة بذلك. وهذا واضح كليا. وهناك خلية تفكير أمريكية كبيرة يثير موقف الألمان قلقها، فالولايات المتحدة تحتاج إلى ألمانيا كشريك لها بشأن سياستها تجاه أوروبا وأيضا بشأن نزاعاتها مع روسيا والنزاعات على حافة أوروبا.
ولم يهتم الأمريكيون حتى بداية الأزمة في أوكرانيا إلا قليلا جدا بأوروبا، وإنما كانوا قد ركزوا اهتمامهم على الصين وروسيا. ورغم ذلك، فإنها لم تتابع التطورات هناك بعناية كافية ولم تتعامل مع المشاكل القائمة هناك.
DW: ما هي آثار ذلك على سمعة الولايات المتحدة؟
كارستن فوغت: رغم أن الأمريكيين والأوروبيين لا يتخذون نفس الموقف بشأن نزاع روسيا، فإن الموقفين متشابهان. وكانت هناك علاقات تجارية مكثفة بين ألمانيا وروسيا. ويعيش في ألمانيا ما يتراوح بين اثنين وثلاثة ملايين شخص ترعرعوا في الاتحاد السوفييتي وهاجروا منذ عام 1989 من مناطق سوفييتية سابقا. وعليه يمكن القول إنه بقيت هناك علاقات عائلية بيننا. ورغم ذلك يتابع الأمريكيون والألمان بنفس القلق ظاهرة الاستبداد في روسيا وسياسة روسيا العدوانية تجاه أوكرانيا وغيرها من الدول المجاورة من ناحية اللهجة المستخدمة على الأقل.
وتصريح القيادة الروسية بأنها ترى في حماية الأقليات الناطقة باللغة الروسية في الدول المجاورة إحدى مهماتها، ترى دول البلطيق وبولندا ورمانيا فيه تهديدا لها. ورغم أنني مؤيد لتعاون وثيق بين ألمانيا وروسيا، إلا أنه لا يمكن أن يتم ذلك دون الاهتمام بمصالح الدول في جوارنا المباشر، ففي هذه الحالة سنكون سريعا محاطين بجيران متشككين ومعادين. وهذا لا ينسجم مع أهداف السياسة الألمانية، وإنما نحتاج إلى تعاون وثيق بين ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى وبين الولايات المتحدة. ورغم أن اختلاف الآراء في الأمور التفصيلية أمر طبيعي، إلا أنه من الضروري أن يكون أمام أوروبا وألمانيا والولايات المتحدة هدف واحد وأن تتبنى جميعها حلولا مشتركة.