انتخابات البرلمان التونسي ـ توقعات بمعاقبة الناخبين للأحزاب
٤ أكتوبر ٢٠١٩تشهد تونس يوم الأحد (السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2019) انتخابات تشريعية هي الثانية منذ صدور الدستور الجديد عام 2014. ورغم المسار الديمقراطي يعيش المواطنون التونسيون أوضاعا اقتصادية واجتماعية صعبة. ولهذا يتوقع مراقبون أن يكون هناك تحول كبير في خيارات الناخبين.
فرصة للوجوه الجديدة؟
1503 قائمة هو عدد القوائم المشاركة في الانتخابات، من بينها 673 قائمة حزبية و312 قائمة ائتلافية و518 قائمة مستقلة، موزعة على 33 دائرة انتخابية، منها 27 داخل الأراضي التونسية وست دوائر للجاليات التونسية بالخارج. وسيختار الناخبون مرشحيهم لشغل 217 مقعدا بالبرلمان التونسي.
مجموعة من الشباب والشابات يحملون في أيديهم عدداً من القصاصات التي تحتوي تفصيلاً لبرنامجهم الانتخابي يقومون بتوزيعها على المارة، فيما يحاول أحد المساعدين تثبيت خيمة الحملة بشكل جيد، حتى لا تقتلعها الرياح من مكانها. جهاز الموسيقى الصغير، الذي بحوزتهم، قام الشباب بإيقاف تشغيله توفيراً للبطارية. الحركة تقل بعد ظهر هذا اليوم هنا في الدندان، وهي منطقة سكنية تقع غرب العاصمة تونس.
أمان الله الجوهري يحاول التحدث إلى بائع البقالة المحلي، فيما يعلق أحد المارة على المشهد ويقول إن التصويت لصالح المرشحين المستقلين لا يجدي نفعاً، إذ في النهاية لن يكون لهم أي وزن في البرلمان. لكن الجوهري، المرشح الأول على القائمة المستقلة التي تحمل عنوان "بلادنا"، يرى ذلك بطريقة مختلفة "لقد أبانت الأحزاب القائمة في السنوات الأخيرة عن فشلها، والآن حان الوقت لإجراء انتخابات جديدة". ويضيف: "البرلمان لم يعد ينفذ إرادة الشعب، فقد تحول إلى آلة تصويت دون روح. وبدلاً من ذلك، يتم نهج سياسة الأبواب المغلقة، التي يتم من خلالها التلاعب بالقوانين واستغلال المناصب".
يرى أمان الله الجوهري، وهو مهندس في أوائل الثلاثينات من عمره أنه لو أصبح هناك عدد كاف من النواب المستقلين داخل البرلمان المنتخب حديثاً، يمكن حينها صناعة السياسية على أسس موضوعية. لكن المنافسة كبيرة، إذ داخل دائرته الانتخابية وحدها، تتنافس أكثر من خمسين قائمة، يتم اختيار سبعة نواب منها وإيصالهم إلى البرلمان. ويأمل أكثر من 1500 حزب وقائمة مستقلة على مستوى البلاد في الحصول على واحد من 217 مقعداً في البرلمان.
شبه انعدام للثقة في الأحزاب
الشاب الرزين مطلع على المشهد السياسي في تونس بشكل جيد. والده، الذي كان في السابق عضواً قيادياً في حزب النهضة، توفي عام 1995 خلال فترة حكم بن علي داخل أحد السجون في ظل ظروف غامضة. أمان الله الجوهري نفسه كان عضو مجلس شورى حزب النهضة حتى بعد الثورة، قبل استقالته عام 2013 ورحيله عن الحزب.
زوجته ليست عضواً في الحزب حتى الآن فحسب، بل وتشغل أيضاً منصب وزيرة وهي المرشحة الأبرز للحزب الإسلامي المحافظ للدائرة الانتخابية بالخارج في فرنسا. بنبرة ساخرة يعلق أمان الله الجوهري على ما وصفه بـ"التكتل غير العادي"، قائلاَ: "بعض الناس يعتقدون أنه يمكن إصلاح الأحزاب من الداخل. أنا لست واحداً منهم".
أظهر استطلاع حديث للرأي أن أكثر من 80 في المائة من التونسيين يكادون لا يثقون، أو لا يثقون البتة، في الأحزاب السياسية. أعضاء البرلمان ومؤسسات الدولة الأخرى لا يقدمون الأفضل. وفي الانتخابات المحلية العام الماضي، حققت القوائم المستقلة نتائج جيدة في الغالب. وكذلك خلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في منتصف سبتمبر/ أيلول انتقم الناخبون من مرشحي الأحزاب القائمة. لذلك، يأمل الكثير من المرشحين المستقلين الجدد في الحصول على مقعد في البرلمان هذا العام.
وجوه جديدة تتحدى النظام
فرص جيدة يمكن أن تحسب لصالح "قلب تونس"، حزب المرشح الرئاسي المحتجز نبيل القروي، والذي تأسس قبل بضعة أشهر فقط. الوافد الجديد على المشهد السياسي التونسي سريع الوتيرة هو "عيش تونسي"، وهي حركة شبابية شعبية، نشأت من منظمة غير حكومية، تمولها السيدة أولفة تراس رامبورغ. الحركة تنشط في جميع أنحاء البلاد تحت شعار "لا تخافوا لسنا أحزابا". معظم المرشحين أرادوا فقط أن يصبحوا نواباً لكسب الحصانة والاستفادة من امتيازات البرلمانيين، كما يرى سليم بن حسن، رئيس "عيش تونسي" والمرشح الأبرز في تونس. حركته هي تعبير عن "تعبئة المواطنين ضد النظام". وتقول الحركة إنها في الفترة التي سبقت الانتخابات، استطلعت، عبر الهاتف، آراء مئات الآلاف من التونسيين حول أولوياتهم لصياغة برنامجها الانتخابي من هذا المنطلق.
بيد أن حزب "قلب تونس" الذي يتزعمه المرشح للدور الثاني من الإنتخابات الرئاسية نبيل القروي، تثار ضده في تونس انتقادات حول شبهات فساد، إذ يقبع القروي منذ بضعة أسابيع في السجن بتهم تتعلق بالتهرب الضريبي وتبييض أموال.
أما بالنسبة لجمعية "عيش تونسي" فتُثار ضدها أيضا إنتقادات بسبب صعودها السريع ودور المال واستخدامها قانون الجمعيات على حساب المؤسسات الحزبية.
الاقتصاد، الصحة ومكافحة الفساد هي الموضوعات التي يتم تداولها باستمرار من قبل الناخبين عند سؤالهم عن أكثر مشاكل تونس إلحاحاً في الوقت الراهن. بعد ثماني سنوات من الاضطرابات السياسية، يبدو أثر الإحباط عميقاً في نفوس المواطنين، الذين لم يجنِ غالبيتهم ثمار الثورة.
وفي حين تم إحراز تقدم في التنمية الديمقراطية، بقي الاقتصاد مهمشاً. وفقد الدينار التونسي قيمته لسنوات، وارتفعت الديون الخارجية كما ارتفع التضخم وتراجعت القوة الشرائية للمواطنين بشكل ملحوظ. الفساد ، المحسوبية والبيروقراطية المتأصلة الجذور، تشل البلاد. وعن هذا كله قال أمان الله الجوهري "أولويات الناخبين اجتماعية واقتصادية، ولكن هذا بالضبط ما لا تريد الأحزاب الكبرى استيعابه منذ 2011". ويتوقع الجوهري من الناخبين معاقبة الأحزاب هذه المرة.
تشكيل الحكومة سيكون صعباً
على الرغم من حظر استطلاعات الرأي الرسمية خلال الحملة الانتخابية، إلا أن كل المؤشرات تدل على أنه لن تحصل أي مجموعة أو حزب سياسي رئيسي على أغلبية واضحة في البرلمان. وحتى تشكيل ائتلاف حكومي مكون من حزبين أو ثلاثة أحزاب يمكن أن يكون عقبة رئيسية في برلمان مجزأ مع العديد من المجموعات الصغيرة والنواب المستقلين دون خبرة سياسية. بالفعل في الفترة التشريعية الماضية، كان البرلمان مجزأ لدرجة أن هذا جعل العمل على القوانين أكثر صعوبة.
وقال سليم خراط، رئيس منظمة البوصلة، وهي منظمة غير حكومية تشجع على المزيد من الشفافية في الحكومة "أعتقد أننا بحاجة إلى التكيف مع وضع مماثل في البرلمان الجديد والذي يمكن أن يشل عمل المشرعين ويؤخر من اتخاذ الإصلاحات التي تمس الحاجة إليها".
وبعد مرور أسبوع من تلك الانتخابات البرلمانية، ستجري في تونس الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. وفي هذه الحالة، يواجه المحامي المستقل قيس سعيد، خصمه قطب الإعلام نبيل القروي، المحتجز منذ منتصف أغسطس/ آب بسبب التحقيقات المستمرة في غسل الأموال والتهرب الضريبي.
سارة ميرش (تونس)/ إ. م