انتفاضة في الصف المدرسي: مسرحية تثبت أن الاندماج يترفع على الدين والعرق
١٨ نوفمبر ٢٠٠٦حين اندلعت المظاهرات العام الماضي في ضواحي باريس، ازدادت مخاوف المسئولين من مواجهة مشكلة شبيهة مع أبناء المهاجرين في المدن الألمانية. وصدق حدسهم حين قام بعض الشبان في برلين بحرق إطارات في حي موابيت، ثم تأكدت هذه المخاوف مع قرار مدرسة روتلي البرلينية رفع الراية البيضاء والاستسلام أمام عنف طلبتها الذين ينحدر معظمهم من أسر مهاجرة، حيث تقدمت هيئة التدريس بخطاب استغاثة في مارس/آذار الماضي وبطلب إلى الإدارة التعليمية لكي تغلق المدرسة بسبب عجزهم عن السيطرة على شغب الطلبة.
كما ساد تخوف من تفشي معاداة السامية بين الشبان المسلمين في ألمانيا بسبب الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط، وسيطرت الحيرة على المعنيين لتفسير الموضوع والبحث عن إجابة للسؤال: هل فشل تدريس التاريخ في المدرسة؟ على هذا السؤال يجيب المسرحي أحمد شاه ذو الأصول الباكستانية – الانكليزية وزميلته مريم رضواني بنعم ويعملان على إيجاد وسائل تربوية بديلة. وفي هذا الإطار شاركا في مشروع اجتماعي تربوي طويل الأمد، ومن خلال المشروع قام أحمد شاه بعمل حوارات مطولة مع شباب حي موابيت تحدثوا خلالها عن تجربتهم مع العنف والتفرقة الاجتماعية على أساس الأصل أو اللون. تبلورت هذا الحوارات على شكل مسرحية مثلها شبان وشابات أحد الاحياء الفقيرة في برلين بعنوان "انتفاضة في الصف"، وتم تحويلها فيما بعد من قبل المخرج آتيليو مينديز إلى فيلم وثائقي بعنوان "موابيت 21".
انتفاضة في الصف
حي موابيت هو أحد الأحياء الفقيرة في العاصمة برلين، بناياته السكنية متداعية ومساحاته الخضراء محدودة. ثلث سكان موابيت من الأجانب، وربعهم عاطلون عن العمل. حسين حمداني (19) شاب ذو أصول لبنانية ايرانية يقيم في هذا الحي، والده عاطل عن العمل وهو ذاته لم يحصل على فرصة لمتابعة دراسته فبدأ العمل في محل للأيس كريم، وهو مثال لكثير من شبان الحي. حسين يرفض وصف حيه بأنه غيتو وهو سعيد هنا حيث تغيرت طباعه عما كانت عليه في الحي السابق "شونيبرغ" حيث كان مشاغباً عنيفاً وقد أصبح الآن هادئاً ولا يستعمل قبضته كالسابق وإنما يتحاور مع الآخرين، ولكن ما لا يعجبه في موابيت أنه حي فقير.
رغم فقر حسين حمداني وظروفه الاجتماعية الصعبة سنحت له الفرصة ليصبح بطل الفيلم الوثائقي "موابيت 21" الذي أخرجه آتيليو مينديز. الفيلم لا يتناول حي موابيت ذاته وإنما يعرض مسرحية مثلها حسين ورفاقه في الحي بعنوان "انتفاضة في الصف" أحداث المسرحية تقع في إحدى مدارس برلين حيث يعثر على قنبلة مما يؤدي إلى اتهام تلقائي للشبان ذوي الأصول العربية فيلقى القبض على حسين الذي يدعى في المسرحية عبد الله ويطلق سراحه فيما بعد لأن من قام بوضع القنبلة من النازيين الجدد، وخلال توقيف التلميذ عبد الله تحاول زميلته اليهودية راهيل مساعدته لإثبات براءته وإطلاق سراحه وقد وقعت في حبه أثناء ذلك. لقد كان للمسرحية تأثير كبير على ممثليها الشباب، فقبل ذلك لم يهتموا بالتاريخ الألماني والأحداث السياسية وما يدور في الشرق الأوسط، ولكنهم يعرفون الآن نتائج الصراع والعنف ومعاداة السامية.
إبداع وحماس الشباب
في البداية كان مخططاً لفيلم "موابيت 21" أن لا تتجاوز مدته عن 20 دقيقة فقط، ولكن بعد بدء أعمال التصوير وما أبداه الممثلون الشباب من حماس وما أظهروه من موهبة انتهى المخرج آتيليو مينديز بفيلم طويل تجاوزت مدته الساعة (75 دقيقة) شارك فيه أكثر من عشرة شبان تتراوح أعمارهم ما بين 14 – 18 عاماً من مختلف الأصول اللبنانية والتركية والبولونية والروسية والألمانية تحولوا خلال عامين من الجد والمثابرة إلى فرقة مسرحية للشباب. جدير بالذكر أن الرقم 21 هو الرقم البريدي السابق لحي موابيت.
وقد حصلت مسرحية "انتفاضة في الصف" على جائزة "آلكس الذهبية" لثقافة الشباب لعام 2005 التي تمنحها ولاية برلين. وقد كانت المسرحية والفيلم تجربة جيدة ومفيدة جداً لهؤلاء الممثلين الشباب إذ أنها اكتشفت مواهبهم وأعطتهم الفرصة لإظهارها وترجمتها على ارض الواقع، كما أنها أثرت على حياتهم الاجتماعية وطباعهم واهتماماتهم الثقافية وجعلتهم يلتفتون للسياسة ايضاً، وفي هذا السياق تقول فرانسيسكا البالغة من العمر 14 عاماً ومثلت في المسرحية دور الفتاة اليهودية ساره ووقعت في غرام الشاب عبد الله "لقد كنت خجولة ولكنني أصبحت الآن واثقة بنفسي وأتواصل مع الآخرين أكثر، فأنا أكثر انفتاحاً وأعبر عن رأيي أيضا".
خلال عرض المسرحية قام الممثلون بزيارة معسكر الاعتقال السابق في زاكسن هاوزن حيث التقوا السيدة اليهودية هيدي ابنشتاين وهي إحدى الناجين من ذلك المعتقل وقد فقدت والديها في معسكر اعتقال آوسشفيتز أثناء الحرب العالمية الثانية، في البداية ترددت ولكن حين رأت حماس واجتهاد هؤلاء الشبان قررت التعاون معهم والظهور في الفيلم وتقول عن ذلك "إننا لم نعرف بعضنا سابقاً ولكن كلينا كنا منفتحين ومستعدين للتعارف، البعض يمكن أن يظن بأننا يجب أن نكره بعضنا ولكن هذا لم يتبادر الى ذهني. إن الشبان والشابات مبدعون رغم ظروفهم، إنهم ايجابيون ومتفائلون، إنه أمر رائع". وحماس السيدة ابنشتاين (82) كبير وهي سعيدة جداً بتعرفها على هذه المجموعة من الشباب وتريد مواصلة العمل معهم في مسرحية جديدة يحضرون لها بعنوان "شتولبر شتاين" موضوعها سيرة حياة السيدة الألمانية اليهودية ابنشتاين في مرحلة الطفولة والشباب.