الحرب ضد الإرهاب دون تركيا؟
٢٩ يناير ٢٠١٥منذ الهجوم على الصحيفة الفرنسية الساخرة "شارلي إبدو" عاد ملف مكافحة الإرهاب الدولي إلى الواجهة. وبإمكان تركيا باعتبارها شريكا لحلف الناتو أن تلعب دورا هاما، خاصة بحكم موقعها الاستراتيجي وحدودها المشتركة مع سوريا والعراق، حيث يشكل تنظيم "الدولة الإسلامية" تهديدا خطيرا على أمن المنطقة برمتها. ولهذا فإن التعاون الاستراتيجي مع تركيا أمر ضروري وحتمي لمواجهة إرهاب ميليشيات "داعش"، التي أصبحت تصدر الإرهاب لأوروبا والعالم بأسره.
غير أن الرأي العام التركي ينتقد سياسة الغرب، ويتهمها باستبعاد تركيا وإقصائها من الحملة الدولية ضد الإرهاب. ويمكن أيضا متابعته هذا الشعور من خلال بعض عناوين الصحف التركية ومن بينها صحيفة تودايز زمان، التي تساءلت في عنوان رئيسي عن سياسة الغرب تجاه تركيا بشأن ملف الإرهاب: "لماذا يتم تغييب تركيا؟". ومن جهتها كتبت صحيفة "حرية" مؤخرا أيضا في أحد عناوينها: " لا ينبغي استبعاد تركيا من التحالف لمكافحة الارهاب".
تركيا خارج الحسابات الدولية!
على المستوى الدولي فقد تعرضت الحكومة التركية لانتقادات واتهامات بعدم اتخاذ موقف صارم وفعال ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" وغيره من بين الإرهابيين الذين يستخدمون تركيا كدولة عبور. من جهته رد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو على هذه الاتهامات خلال زيارته إلى ألمانيا قبل أسبوعين بسرد مجموعة من الحقائق، وقال بأن تركيا وضعت حوالي 7000 من المقاتلين الأجانب على القائمة السوداء للإرهاب في سوريا والعراق، وأضاف أنه تم " ترحيل 2000 منهم إلى بلدانهم الأصلية. وهذا التعاون سيستمر". كما شدد رئيس الوزراء التركي داود أوغلو على أن تركيا كانت قد أرسلت معلومات في الوقت المناسب لجهاز المخابرات الفرنسي عن حياة "بومدين"، المتهمة في المشاركة في اعتداءات باريس الأخيرة، وذلك "قبل أن تطلب فرنسا تلك المعلومات ".
واعتبر الصحفي مراد يتكين في عموده لصحيفة حريت ديلي نيوز، الطبعة الإنجليزية من صحيفة حريت التركية، وجود "تناقض" في المواقف الغرب، ففي مطلع يناير/كانون الثاني، اجتمع ممثلو 11 بلدا في باريس لمناقشة المخاطر الأمنية التي تصاعدت منذ الهجوم على صحيفة تشارلي إبدو، ولم يتم دعوة تركيا لذلك الاجتماع، على الرغم من أنها عضو رئيسي في حلف الشمال الأطلسي. كما يشير يتكين في مقاله إلى مؤتمرين آخرين لمكافحة الإرهاب بتاريخ 12 فبراير في بروكسل 18 فبراير في واشنطن، وقال إن " تركيا لم تتلق أية دعوة لحضور المؤتمرين حتى الآن".
عدم ثقة الغرب بالحكومة التركية
يختلف موقف فتحي أشيكل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أنقرة ويصرح في مقابلة مع DW:"من السابق لأوانه أن نزعم باستبعاد تركيا من مؤتمرات مكافحة الإرهاب الدولية". ولكن من الواضح أن هناك شعور بفقدان للثقة في السلطات التركية، على حد تعبير الخبير التركي، الذي يضيف:"هناك فعلا ما يشرح سبب ذلك. لقد كانت هناك بعض المؤشرات على أن الحكومة التركية لا تبدل جهدا كافيا للتعاون مع الاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى في نضالها ضد المنظمات الإرهابية الإسلامية". وكمثال على ذلك، يشير المحلل السياسي إلى العلاقة القائمة بين حزب العدالة والتنمية الحاكم مع جبهة النصرة، القريبة من تنظيم القاعدة. ويضيف أشيكل أنه " تم تدريب مقاتلين من جبهة النصرة وقادتها في مختلف محافظات تركيا، كما حصلوا على دعم لوجستي في المستشفيات وغيرها من الأماكن، من أجل تشجيعهم على القتال ضد نظام الأسد في سوريا".
مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية يستخدمون أيضا تركيا "كملاذ آمن" قبل السفر إلى سوريا أو العراق للقتال ضد نظام الأسد، كما يوضح أشيكل، الذي يشير إلى أن هذه المعطيات هي التي أقلقت الدول الغربية في موضوع التعاون مع حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
" تركيا لا تتعاطف مع الإرهابيين"
ولكن منصور أكغون، مدير المركز العالمي للتوجهات السياسية في جامعة إسطنبول ينفي وجود اتهامات رسمية تؤكد علاقة الحكومة التركية بتنظيم القاعدة، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الغربية. ويضيف أكغون في مقابلته مع DWبأن " جميع أجهزة استخبارات الدول الغربية تعمل في تركيا. وأن هناك خلايا للتنسيق بين هذه الدول في تركيا". وبالإضافة إلى ذلك، ينتقد أستاذ العلوم السياسية ما تنتظره الدول الغربية من تركيا، ويقول: "هناك ما يشرح السبب في عدم محاربة تركيا لتنظيم "الدولة الاسلامية في سوريا أو العراق". ليس بسبب التعاطف مع التنظيم، ولكن لأن تركيا متاخمة للحدود مع هذا التنظيم الإرهابي. وهناك دول الجوار أيضا." ولهذا فإن مواجهة هؤلاء الإرهابيين عسكريا سيكون بمتابة دعوة للقيام بأعمال إرهابية في تركيا نفسها، وبالتالي فلن تبقى تركيا آمنة." كما يضيف الخبيرأكغون "
ويؤكد أكغون على أن تركيا مستعدة للتعامل بجدية أكبر مع خطر تنظيم"الدولة الإسلامية" ولكن،"يجب أن يكون للغرب استراتيجية شاملة وواضحة. فلا يمكن دعوة تركيا للقتال في العراق أوسوريا دون استراتيجية! وغم كل ذلك يؤكد المتحدث على وجود مساهمة فعالة لتركيا في ذلك" ويوضح أن تركيا تؤمن المعابر الحدودية للعراقيين وقوات البشمركة ومقاتلي المعارضة السورية، للقتال في كوباني".
ويشير الخبير أكغون أن ابتعاد الغرب وخاصة الدول الأوروبية عن التعاون مع تركيا يرتبط أيضا بعدم استعداد دول الاتحاد الأوروبي للتفاوض مع تركيا بشأن انضمامها للاتحاد الأوروبي في الوقت للراهن ، بسبب وجود ضغط شعبي في دول الاتحاد. ويشدد الخبير أكغون من جهة أخرى على الأهمية الاستراتيجية لتركيا في الحرب ضد الإرهاب. كما يعبر عن اعتقاده أنه ليس لأوروبا من خيار آخر عدا التعاون مع تركيا في مواجهة خطر الإرهاب.