انطلاق الحملة الانتخابية في إسرائيل وحظوظ كاديما هي الأوفر
٧ مارس ٢٠٠٦تجري الانتخابات الإسرائيلية القادمة (28 مارس/آذار) في وقت يشهد تغيرات جوهرية في المشهد السياسي الإسرائيلي والإقليمي، فداخليا شهدت إسرائيل مولد حزب جديد نجح في إعادة تشكيل الحياة البرلمانية بعد أن كانت مقتصرة على حزبين كبيرين والعديد من الأحزاب الصغيرة الهامشية، وخارجيا أحدث فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية زلزالا قويا ينتظر أن تصل تبعاته إلى إسرائيل. وقبل ثلاثة أسابيع من انطلاق الانتخابات أظهر آخر استطلاع للرأي أجرته صحيفة يديعوت احرنوت أن حزب كاديما (يمين وسط) سيحصل على 38 مقعدا من أصل 120 مقعدا في الكنيست إذا جرت الانتخابات التشريعية اليوم، في حين سيحصل حزب العمل(يسار) على 20 مقعدا وحزب الليكود(يمين محافظ) على 15 مقعدا فقط. يأتي الاستطلاع ليؤكد على النجاح الكبير الذي حظي به الحزب منذ تأسيسه العام الماضي، على الرغم من غياب مؤسسه شارون عن الساحة السياسية.
اضطرت الإدارة الإسرائيلية إلى إجراء انتخابات مبكرة قبل موعد انتهاء ولايتها الشرعية نوفمبر/تشرين الثاني 2006، وذلك بسبب الخلافات الشديدة التي شابت علاقة شارون بحزبه الليكود بعد الانسحاب أحادي الجانب من غزة. وكان شارون يحكم بالتحالف مع حزب العمل(الغريم التقليدي) الذي انضم للحكومة لإنقاذها من الانهيار بسبب معارضة أعضاء حزب الليكود خطوة الانسحاب. غير أن حكومة الوحدة الوطنية وصلت إلى طريق مسدود بعد فوز عمير بيريتز برئاسة حزب العمل ورغبته في سحب حزبه من الائتلاف الحكومي من أجل خوض غمار الانتخابات المبكرة. لذلك لم يبقَ أمام شارون خيار آخر سوى الموافقة على حل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة. بعدها قرر شارون الانسحاب من حزب الليكود لإفلاسه سياسيا، حسب رأيه، وتأسيس حزب وسط اسماه كاديما أي إلى الأمام.
حزب كاديما
هيمن حزبا العمل والليكود على الخريطة السياسية في إسرائيل منذ قيامها وحتى العام الماضي. لذلك يعكس النجاح الذي حظي به حزب كاديما رغبة قطاعات واسعة من الشعب الإسرائيلي في تحريك الركود القائم في الحياة السياسية بعد فشل الحزبين الرئيسيين (العمل والليكود) في تقديم أفكار جديدة. ولا يقتصر النجاح على شعبية الحزب المتصاعدة وسط الناخبين، بل يتعداه أيضا إلى اجتذاب نخبة من السياسيين مختلفي المشارب، فبجانب أعضاء سابقين في الليكود نجد سياسيين من حزب العمل مثل شيمون بيريز وداليا اسحق، ثم على الطرف الآخر من الطيف نجد زعيما روحيا لمستوطني الضفة الغربية ينضم إلى الحزب، حسب جريدة يدعوت أحرنوت، مما يعني مباركة ضمنية لسياسة الانسحابات المنفردة من بعض المستوطنات. هذا التنوع في أعضاء الحزب يعمل على تشكيل قاعدة شعبية تجتذب المزيد من الأصوات، الأمر الذي يجعل الحزب الحصان الأسود في الانتخابات القادمة.
ويقوم برنامج حزب كاديما على الحفاظ على الهوية اليهودية لدولة إسرائيل مع ضمان حقوق الأقليات فيها. وفيما يخص عملية السلام أعلن الحزب تمسكه بخطة خارطة الطريق، واعتبر أن الانسحاب أحادي الجانب من غزة الذي نفذه شارون العام الماضي فتح نافذة أمل على عملية السلام، لذلك ينتوي الحزب الاستمرار في سياسة الانسحابات المنفردة من بعض مستوطنات الضفة الغربية، مؤكدا على حق إسرائيل الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبيرة فيها. ويرى الحزب أن عملية السلام لن تتم إلا بقيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح في المناطق الجغرافية التي يعيش فيها الفلسطينيون، عندها يمكن ترسيم حدود نهائية لدولة إسرائيل. غير أن ما يعيق عملية السلام من وجهة نظر الحزب هو عدم سيطرة السلطة الفلسطينية على أنشطة التنظيمات المسلحة التي تدعوها إسرائيل إرهابية. كما يؤكد برنامج الحزب على انخراط إسرائيل في الحرب على الإرهاب، وتحمل مسؤولية سلامة مواطنيها، لذلك يدعو الحزب إلى الإسراع بتنفيذ جدار العزل، الذي يعتبره الفلسطينيون غير شرعي.
حزب الليكود
لعل حزب الليكود هو الخاسر الأكبر من تغير الخريطة السياسية في إسرائيل، فبعد انسحاب السياسي الأكثر شعبية في إسرائيل، ارييل شارون، عانى الحزب من تدهور كبير في شعبيته، إضافة إلى رحيل العديد من كوادر الحزب المؤثرين وانضمامهم إلى حزب شارون الجديد. ويبدو أن الحزب لا يزال يعول على كسب المعركة عن طريق تعميق الخلاف مع حزب كاديما، فتمحور برنامج الحزب بقيادة بنيامين نتنياهو المنشور على موقعه في الانترنت على نقطة الخلاف التي كانت السبب في انشقاق الحزب، أي الرفض المطلق لسياسة الانسحابات المنفردة.
لذلك يتضمن برنامج الحزب مجموعة من اللاءات الدالة: لا للانسحابات المنفردة، لا لتقوية المنظمات الإرهابية، لا مفاوضات مع الفلسطينيين قبل اعترافهم الكامل بحق إسرائيل في الوجود وتوقفهم عن الأعمال الإرهابية، لا للانسحاب من مرتفعات الجولان. إضافة إلى ذلك يتعهد البرنامج بإكمال بناء حائط الفصل، والعمل على اعتبار القدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل. وداخليا ينادي الحزب بالإسراع بعملية الخصخصة، خاصة في المرافق الحيوية مثل النقل الجوي والمياة.
حزب العمل
يعود حزب العمل إلى بؤرة الضوء بعد تولي عمير بيريتز، السياسي ذو الأصل المغربي، رئاسته. حيث يعتزم العودة إلى الجذور الاشتراكية للحزب مجتذبا بذلك الفئات الفقيرة من المجتمع الإسرائيلي خاصة من المهاجرين. وقد ظل حزب العمل يتخبط في أزمة هوية منذ نهاية رئاسة ايهود باراك له عام 2000، حيث اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية وخسر الحزب الكثير من الأصوات بعد فشله في الوصول إلى حل نهائي مع الفلسطينيين، ومنذ ذلك الوقت بقي حزب العمل يلعب دورا مساعدا في حكومة حزب الليكود.
يركز حزب العمل في برنامجه على القضايا الداخلية، مؤكدا انتهاج الحزب سياسة تعمل على توزيع الثروات بشكل عادل، وتقليل البطالة وتقليل الهوة بين الأغنياء والفقراء. ويرى الحزب أن هناك رباطا لا ينفصم بين تحقيق السلام وبين النمو الاقتصادي، لذلك يسعى الحزب إلى التفاوض المباشر مع الفلسطينيين من أجل تحريك عملية السلام، دون أن يعني ذلك التوقف عن محاربة الإرهاب عسكريا. ويتفق برنامج الحزب مع باقي الأحزاب الإسرائيلية فيما يتعلق بأهمية حائط الفصل وحق إسرائيل في الاحتفاظ بالمستوطنات الكبرى في الضفة الغربية. كما يسعى الحزب إلى اعتبار القدس عاصمة أبدية للدولة العبرية.
الأحزاب العربية
كالعادة تخوض الأحزاب العربية في إسرائيل الانتخابات التشريعية بهدف تحسين أوضاع الأقلية العربية التي تبلغ نسبتها قرابة 20 بالمائة من تعداد السكان والدفاع عن مصالحها، دون أن يكون بمقدورها التأثير على السياسات الإستراتيجية التي تتخذها الإدارة لقلة مقاعدها في الكنيست. وتدور برامجها بشكل عام على الربط بين القيم الوطنية والقيم الإنسانية، والتأكيد على حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير المصير. وتحويل إسرائيل إلى دولة ديموقراطية يتمتع مواطنيها من العرب واليهود بحقوق متساوية، مع العمل على إلغاء البنى العنصرية التي تكرس لصهيونية الدولة. كما تهدف هذه الأحزاب إلى حل القضية الفلسطينية على أساس قرارات الأمم المتحدة، والمتمثلة بإقامة الدولة المستقلة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس وإزالة المستوطنات كاملة، والتأكيد على حق عودة اللاجئين.
آلية الانتخابات
طريقة الانتخابات المعمول بها في إسرائيل هي طريقة الانتخابات النسبية القطرية، وذلك كما يوضح موقع التجمع الوطني الديموقراطي على شبكة الانترنت. أي أن القوائم المنتخبة تمثل في الكنيست، بحسب نسبة المصوتين لصالحها. وخلافا لمعظم الديمقراطيات البرلمانية الغربية ففي إسرائيل يتم الحفاظ على الطريقة بشكل متشدد، إذا أن الشرط الوحيد لانتخاب قائمة شاركت في الانتخابات إلى الكنيست هو أن تتجاوز نسبة الحسم التي تبلغ اليوم %1.5. ورثت دولة إسرائيل الطريقة النسبية المتشددة عن الجهاز السياسي للسكان اليهود في فترة الانتداب. والتبرير الذي قُدم لتعدد الأحزاب الذي تسببت فيه هذه الطريقة هو أنه في الفترة التي تجري فيها تغييرات بعيدة المدى وسريعة في التركيبة السكانية نتيجة للهجرة، من المهم أن يعطى تمثيل كبير إلى أقصى حد للمجموعات والآراء المختلفة داخل الشعب.
ويحق لكل مواطن إسرائيلي يبلغ على الأقل الثامنة عشرة من عمره التصويت لاختيار مقاعد الكنيست وعددها 120 مقعد. ويحدد مبدأ القطرية أن دولة إسرائيل بكاملها هي منطقة انتخابية في كل ما يتعلق بتخصيص المقاعد. أي أن المنتخب يقوم بانتخاب الكنيست بشكل مباشر، ولا تقوم بذلك هيئة ناخبين (كما هو معمول به في انتخاب رئيس الولايات المتحدة ). ويتم تمثيل كل قائمة مرشحين من قبل عدد من الأعضاء بشكل نسبي لقوتها الانتخابية، وهذا على شرط أنها تتجاوز نسبة الحسم.
هيثم عبد العظيم – دويتشه فيله