انطلاقة جديدة لموسيقى البوب الألمانية
لم يتمكن المهتمون بموسيقى البوب أو الروك في ألمانيا لأعوام طويلة من تحديد الفرق بين المحطات الإذاعية الألمانية ونظيراتها الأمريكية أو الإنجليزية. فقائمة سباق الأغاني الشهير الـ"TOP 20" في ألمانيا تكاد تكون منسوخة عن مثيلاتها الأمريكية. وأسماء المطربين والمطربات الأمريكيين المشهورين أمثال بوف دادي وكرستينا الجيلارا ليست بالغريبة على المستمع الألماني. ليستمر هذا الوضع حتى ظهور فرقة الروك المعروفة باسم"Wir Sind Helden" أو"نحن أبطال" على الساحة الغنائية الصيف الماضي، لتحقق هذه الفرقة القادمة من العاصمة الألمانية برلين نتائج رائعة جعلتها تتصدر قائمة الـ"TOP 20" الألمانية، وتحقق مبيعات مذهلة لألبومها الأول وصلت إلى نصف مليون نسخة. لتعود بذلك أغنية البوب الألمانية على رأس القوائم مجددا.
" لقد قاموا بفتح الطريق أمام الآخرين" هذا ما يقوله هانس روز الناقد الموسيقي المتخصص في موسيقى البوب لدى مجلة "شتيرن" الألمانية واسعة الانتشار. ويضيف "اليوم يقف المنتجون والموزعون على أبواب الفرق الجديدة منتظرين دورهم للتوقيع على عقود، وهم نادمون على تأخر اكتشافهم لهذه الفرق، فالسوق الألماني بحاجة أيضا إلى فرق ألمانية".
وفي الوقت الذي ساد فيه شعور عام بالملل من موجة أغاني البوب القادمة من أمريكا، قام كثير من المسوقين ومعدي البرامج الإذاعية بترويج موسيقى ألمانية جديدة وصفوها بأنها أكثر ذكاء وإثارة، فاكتسحت الفرق الألمانية قائمة الأغاني، مما جعلها محط أنظار الإعلام وزاد من مبيعاتها.
الموسيقى الألمانية تتقدم
بالرغم من بعض المشاكل التي تعاني منها صناعة البوب والروك الألمانية مثل الحصول على الموسيقى عن طريق شبكة الانترنت أو نسخ الاسطوانات بطريقة غير شرعية، هذا بالإضافة إلى ضآلة إقبال المواطن الألماني على هذه الموسيقى، إلا أنها شهدت موجة انتعاش جديدة. فقد بينت معطيات المكتب الألماني للاتحاد الدولي لصناعة الاسطوانات الموسيقية أن مستوى المبيعات في عام 2004 قد انخفض بمعدل 3 في المئة فقط بالمقارنة مع العام الذي سبقه، بينما كانت مستويات المبيعات قد تعرضت لضربة قاسية ما بين عامي 2002 و 2003 إذ وصلت الخسائر الى20 في المئة.
ويعلق هارتموت شبيسكه المتحدث باسم المكتب الألماني للاتحاد الدولي على ارتفاع مستويات أداء الموسيقى عام 2004 قائلا "إن الموسيقى الألمانية لها دور كبير، وأمثلة على ذلك فرقة "Silbermond" أو "القمر الفضي" بالإضافة إلى المطربة يولي القادمة من مدينة جبسن، إذ نجح الاثنان ببيع مئات آلاف من إصداراتهما". والجدير ذكره أيضا أن الفرق الألمانية أصدرت العام الماضي ما نسبته 30.3 في المئة من الأغاني التي احتلت المراكز الأولى في المسابقات الموسيقية العالمية، وهي أعلى نسبة تم تحقيقها حتى الآن. أما على صعيد الأغاني المنفردة فقد حقق الفنانون الألمان ثاني رقم تاريخي، إذ تعدى عدد أغانيهم المشاركة في التصفيات الموسيقية أكثر من نصف العدد الإجمالي. مما دفع باديتا شارما المدير المحطة الإذاعية "Fritz" إلى وصف هذه النتائج بالنتائج المذهلة، وأضاف "أن ما قامت به هذه الفرق هو إقناع الجمهور بأن هناك تناسق وانسجام بين موسيقى البوب و اللغة الألمانية".
الألمانية تعود إلى مرحها من جديد
من ابرز الأسباب التي جعلت جمهورا كبيرا من الشباب الألمان يتوجهون إلى الموسيقى الأمريكية أو الأوروبية، هو الادعاء بان لغتهم لا تتوافق والإيقاعات الموسيقية على خلاف اللغة الإنجليزية التي يغلب عليها طابع المرح والتوافق مع الألحان العصرية. إلا أن ظهور فرقة مثل "Wir Sind Helden" التي نجحت في اختيار قصائدها الغنائية وألحانها كان لها اثر كبير في تغير مثل هذا الانطباع.
بالرغم من عدم توفر الإمكانيات كما هو الحال والفرق الأمريكية والأوروبية المنافسة، إلا أن أعضاء فرقة "نحن أبطال Wir Sind Helden" نجحوا في جمع مبلغ 1000 يورو لإنتاج فيديو كليب يتم الآن عرضة بشكل منتظم على شبكة الـ"MTV" العالمية. ويقول مايوس رايمان مدير أول شركة عملت في الحملات الترويجية للفرقة "حتى وإن كانت هذه الفرق معروفة على نطاق ضيق، فما الذي يمنع من نجاحهم خاصةً وأن كلماتهم المغناة متناسقة؟". مما يدفعنا إلى التفاؤل بأن إمكانية عبور الموسيقى الألمانية للأطلسي باتت متاحة مثلما هو الحال والموسيقى الفرنسية و البريطانية التي لاقت أيضا نجاحا في الأسواق الأمريكية.
التسابق نحو العالمية
يعد التنافس على ساحة موسيقى البوب العالمية تنافسا جادا. خاصة كما يقول رايمان ان أغاني البوب القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية تتميز بجاذبية اكبر وجودة عالية. كما وان الاحتفاظ بالتفوق على مستوى السوق المحلي أمر محتمل إلا أن الامتحان الحقيقي سيبدأ بعد اشهر قليلة عندما تصدر فرق موسيقية مثل القمر الفضي أو غيرها ألبومها الثاني.
الا أن المراقبين للصناعة الموسيقية يرون أن الاهتمام بالموسيقى الألمانية هذه الأيام لم يتوفر منذ أكثر من عشرين عاما أي بعد أن غنّت نينا "بالونات الهواء الـ 99 الحمراء" عام 1984. هذا ما يؤكده شارما الذي يقول"20 عاما تفصلنا عن الموجة الألمانية الجديدة، وهو الوقت الذي تمكنت فيه فرق ألمانية في ثمانينات القرن الماضي من صنع اسم فني لها على مستوى العالم. أما إذا قارنا بين تلك الفرق والفرق التي نشهدها على الساحة الفنية الآن من ناحية الأشعار المغناة، فالغلبة تكون من نصيب الأخيرة".