انقلاب تركيا يلهب النقاشات الإعلامية في مصر
١٨ يوليو ٢٠١٦لا يزال العالم يتابع عن كثب الأحداث في تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة يوم الجمعة الماضي (15 يوليو/تموز 2015) والتي لا تزال تلقي بظلالها ليس على البلاد فحسب وإنما على المنطقة بأسرها. وفيما كان الرفض لأي انقلاب عسكري ضد حكومة مدنية انتخبت بطريقة ديمقراطية هو الموقف السائد في تصريحات وبيانات معظم الدول الغربية والعربية، اختلف الموقف المصري.
صحيح أنه لم تصدر تصريحات رسمية عن الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن ما حدث في تركيا، إلا أن بلاده كانت وراء عرقلة إصدار بيان من قبل مجلس الأمن الدولي يتضمن إدانة لأعمال العنف والاضطرابات التي وقعت في تركيا. فوفقا لمصادر ديبلوماسية، اعترضت مصر على مشروع البيان الذي دعا كل الأطراف "إلى احترام الحكومة المنتخبة ديمقراطيا في تركيا"، معتبرة أن مجلس الأمن لا يملك وصف أي حكومة بأنها منتخبة ديمقراطيا. وفيما نفت الخارجية المصرية خبر عرقلتها لأي قرار في مجلس الأمن يدين محاولة الانقلاب الفاشلة، أوضحت أنها اعترضت فقط على صياغة أحد البنود بشكل مختلف عما جاء في مشروع القرار وأن ذلك قوبل برفض أمريكي.
"انقلاب تركيا ...فشل على الأرض ونجح في إعلام مصر"
لكن وبغض النظر عن هذه المواقف الرسمية، فإن الإعلام المصري بقطاعيه الرسمي والخاص، كان في أغلبيته مرحبا بالانقلاب العسكري في تركيا قبل أن يُمنى بالفشل فيما بعد. ففي سياق متصل كان الإعلامي المصري أحمد موسى – خلال برنامجه "على مسؤوليتي" على قناة "صدى البلد" – أول من وصف الأحداث التي شهدتها تركيا ليلة الجمعة بأنها "ليست انقلابا عسكريا" وإنما هي "ثورة من داخل الجيش التركي" على الأوضاع الصعبة التي وصلت إليها البلاد في ظل حكم الرئيس (الإخواني) رجب طيب أردوغان.
أما الإعلامي يوسف الحسيني فقد أعرب ليلة محاولة الانقلاب العسكري في تركيا عن ارتياحه، متوقعا أن يشاطره الكثيرون وخاصة في الغرب موقفه، حيث نشر تغريدة على موقع تويتر قائلا: "العالم الغربي سيستقبل خلع الطاغية أردوغان بهدوء وربما بشيء من الترحاب نظرا لمعاناتهم من إرهاب التيارات الاسلامية."
التعليقات المماثلة، والتي وُصفت فيما بعد بالمتسرعة، من قبل العديد من الوجوه الإعلامية المصرية كثيرة ومتنوعة. الأمر الذي أثار العديد من الانتقادات داخل مصر وخارجها. ففي سياق متصل كتبت صحيفة "المصريون" على موقعها الالكتروني (16 من يوليو/تموز 2016) إن هؤلاء قد "أحرجوا مصر". كما علقت صحيفة "أصوات مصرية" الالكترونية قائلة: "انقلاب تركيا نجح في الصحافة المصرية فقط". أما موقع الجزيرة نت، الموقع الالكتروني لقناة الجزيرة الفضائية، فقد نقلت عن مصطفى خضري، رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام، قوله بأن تصريحات الإعلاميين هي بمثابة "سقطة مهنية" تعكس "رغبة النظام في سقوط أردوغان" بالإضافة إلى "تبرير الانقلاب العسكري على الشرعية في مصر".
العسكر والإخوان – صراع متواصل
ولعل هذه "العداوة" تعود إلى إدانة أردوغان لما وصفه بـ"الانقلاب العسكري" على حكم الإخوان في مصر والإطاحة بالرئيس محمد مرسي الذي انتخب ديمقراطيا، وهو ما شكل قطيعة بين البلدين. ولكن محاولة الانقلاب منيت بالفشل وأردوغان، على عكس مرسي، لا يزال في الحكم وقد تزداد سلطته قوة، حسب ما يتوقع مراقبون.
ولعل التركيز المصري على الوضع في تركيا يعود إلى تشابه دور وقوة المؤسسة العسكرية في البلدين وكذلك إلى ثقلهما الجيواستراتيجي. كما أن ما حدث في تركيا ستكون له تداعيات على الوضع في مصر، على ما يرى الدكتور خطار أبو دياب، الخبير في شؤون الشرق الأوسط. ويقول في حوار مع DW عربية: "محاولة الانقلاب الفاشلة ستنعكس على مصر. لأنه لو نجح الانقلاب في تركيا لأعطى الوضع في مصر شرعية أكبر" أي شرعية حكم العسكر التي يعتبرها البعض مقدسة.
وفي سياق متصل، كتب الإعلامي المصري أحمد موسى على موقع تويتر في وصفه لعمليات الاعتقال في تركيا التي طالت الضباط والجنود المشاركين في الانقلاب قائلا: "الإخوان الإرهابيون لا يحبون الجيوش، لذا كان من الضروري إهانة جيش تركيا و إذلال الزي العسكري!"
فيما كتب الإعلامي المصري أحمد منصور بقناة الجزيرة الفضائية على موقع تويتر معلقا: "فرصة تاريخية لأردوغان لتنظيف الجيش التركى حتى يصبح خادما للشعب لا أن يقتل الشعب مثل جيش السيسى"
أما الكاتب المصري علاء الأسواني، فقد اعتبر أن حكم العسكر وحكم الإخوان وجهان لعملة واحدة، فقد جاء في تغريدة له على موقع تويتر "أردوغان اعتقل 6 آلاف شخص حتى الآن وسيغير الدستور حتى يعدمهم. نفس ما يفعله نظام السيسي مع الإخوان. الإسلاميون والعسكريون وجهان لفاشية واحدة".
فشل انقلاب تركيا - بارقة أمل لإخوان مصر؟
على صعيد آخر، نجح إردوغان فيما فشلت جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فهل يشكل ذلك بارقة أمل لهذه الجماعة المحظورة في العودة مجددا إلى الساحة السياسة المصرية؟ على الأقل، هذا ما ألمح إليه محمد منتصر، المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمين – المحظورة في مصر – إذ كتب على موقع الجماعة على تويتر: "الشعوب المناضلة هي التي تقود حريتها كل الدعم للشعب التركي وحكومته سينتصر الشعب لا محالة وستبدأ موجة حقيقية من مقاومة الانقلابات..".
الخبير في شؤون الشرق الأوسط خطار أبو دياب يستبعد ذلك. ويقول في حواره مع DW عربية: "المشكلة أن الإخوان المسلمين عندما وصلوا للحكم في مصر لم يقدموا أنفسهم على أنهم البديل القادر (على تغيير الأمور نحو الأفضل). في المقابل نجح أردوغان في الفترة ما بين 2002 و2013 في تقديم نفسه على أنه بديل ديمقراطي وإمكانية التأقلم بين الحركات العلمانية والديمقراطية..."
في غضون ذلك، يرى البعض في مصر أن الانقلاب الفاشل في تركيا ما هو إلا هزيمة في معركة وأن إردوغان راحل لا محالة، وفق توقعات عمرو الشوبكي في تعليق له نشرته صحيفة المصري اليوم على موقعها الالكتروني يوم الأحد (17 تموز/ يوليو). ويقول فيه: "سيستمر أردوغان في تعميق الانقسام داخل تركيا، وإن الروح الانتقامية التي ستحكم تصرفاته تجاه الانقلابيين ستحول ما سيبدو أنه انتصار إلى هزيمة قادمة".
وإلى حين تأكد أو تفنيد هذه التوقعات، سيستمر الجدل في مصر حول شرعية الانقلابات العسكرية وعدم شرعيتها.