انهيار بنك "سيليكون فالي" الأمريكي.. ما تداعياته على أوروبا؟
١٦ مارس ٢٠٢٣بعد ساعات حاسمة في إطار المساعي الأمريكية لإيجاد مشتر لبنك "سيليكون فالي" المنهار، خرجت إدارة الرئيس جو بايدن بخطة لدعم القطاع المصرفي بما في ذلك وضع الهيئات التنظيمية خطة تمويل طارئة لضمان سيولة كافية في النظام المصرفي.
وقامت السلطات الأمريكية بإغلاق مصرف "سيغنتشر بنك" ووضعه تحت الحراسة القضائية بعد أن فقدت أسهمه ثلث قيمتها في النصف الثاني من الأسبوع الماضي مع التعهد باتخاذ خطوات من أجل حماية أموال المودعين للحد من أي تداعيات جراء انهيار البنكين.
شبح سيناريو الأزمة المالية عام 2008؟
الجدير بالذكر أن إفلاس بنك "سيليكون فالي" يعد أكبر انهيار لبنك أمريكي منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، لكن من غير المرجح أن يؤدي إلى أزمة مالية عميقة ومؤلمة كما حدث عقب إفلاس بنك "ليمان براذرز " قبل 15 عاما.
وعزا موريتز شولاريك، أستاذ الاقتصاد في جامعة بون، ذلك إلى أمرين: الأول يتمثل في تدخل السلطات المصرفية الأمريكية في وقت مبكر.
وفي مقابلة مع DW، قال إن "الإجراءات الحاسمة" التي اتخذتها الهيئات التنظيمية قللت من مخاطر انهيار المزيد من البنوك، مضيفا أن الأمر الثاني يكمن في أن اللوائح الأمريكية بشأن البنوك باتت أكثر صرامة خاصة بالنسبة للمصارف الكبرى على عكس ما كان عليه الوضع قبل عام 2008.
ورغم ذلك، طالب شولاريك العالم بتوخي الحذر واليقظة حيال المشاكل التي تواجه القطاع المالي العالمي في الوقت الذي تقدم فيه البنوك المركزية على رفع أسعار الفائدة بوتيرة كبيرة من أجل كبح معدلات التضخم المرتفعة.
وقال "هذه الأمور يصعب التنبؤ بها وبطبيعتها رغم أنها الأسباب التي أدت إلى سقوط بنك "سيليكون فالي" و " سيغنتشر بنك" لا تقتصر على هذين البنكين...لذا، فإن ثمة مغزى لسؤال: الدور على من؟"
وقد وضعت وكالة "موديز إنفستورز سيرفيس" الثلاثاء ستة بنوك أمريكية من بينها "فيرست ريبابليك بنك" و "ويسترن أليانس بانكورب" قيد المراجعة لخفض التصنيف.
التأثير على أوروبا؟
وفيما يتعلق بتأثير ذلك على القارة الأوروبية، قال المفوض الأوروبي للاقتصاد باولو جينتيلوني الاثنين الماضي إن "هناك احتمالات عدوى غير مباشرة، لكن في الوقت الحالي لا نرى ذلك على أنه خطر محدد".
وعلى وقع انهيار بنك "سيليكون فالي"، قالت العديد من الحكومات إنها تحاول إيجاد حلول للحد من تداعيات ذلك خاصة وأن البنك يمتلك وحدات في كندا وأوروبا فضلا عن وجود مشروع مشترك في الصين.
ففي ألمانيا، رأت الهيئة الفدرالية للمصارف أن تداعيات إفلاس بنك "سيليكون فالي" على المؤسسات المالية الألمانية "محدودة للغاية" حتى الآن. وشددت الهيئة على أن "البنوك الألمانية قوية ومستقرة ولديها مرونة" وأن أن انهيار البنك الأمريكي "لم يكن له أي تأثير على النظام المصرفي الألماني".
وكانت الهيئة قد أعلنت تجميد أصول وحدة بنك "سيليكون فالي" في البلاد، مؤكدة في بيان صدر الإثنين أنه لن يسمح لـ "سيليكون فالي بنك جيرماني" ببيع الأصول أو إجراء مدفوعات لأنها معرضة لـ"خطر عدم القدرة على الوفاء بالتزاماته للدائنين".
أما في بريطانيا، فقد أعلنت الحكومة أنها سهلت مع "بنك إنجلترا" بيع وحدة بنك "سيليكون فالي" في بريطانيا إلى بنك "إتش.إس.بي. سي" في خطوة من شأنها حماية الودائع دون دعم من دافعي الضرائب.
وعلى وقع الأزمة، انخفض مؤشر "يورو ستوكس" للبنوك الأوروبية في بداية الأمر الثلاثاء، لكنه استطاع الانتعاش في وقت لاحق ليرتفع بنسبة 2.7 بالمائة بعد أن سجل المؤشر أكبر خسارة بالنسبة المائوية في أكثر من عام الاثنين الماضي وسط مخاوف من امتداد الأزمة إلى أوروبا.
وقالت موديز في مذكرة إن "هناك اختلافا حاسما بين النظامين الأوروبي والأمريكي وهو الأمر الذي سيحد من التأثير عبر المحيط الأطلسي. هذا الاختلاف يتمثل في أن حيازات سندات البنوك الأوروبية تعد أقل وودائعها أكثر استقرارا".
ولم يتأثر قطاع الشركات الناشئة في ألمانيا حتى الآن بأي تداعيات كبيرة جراء انهيار بنك "سيليكون فالي" الذي كان أحد المصارف الرئيسية التي تقدم قروضا للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في الولايات المتحدة وخارجها.
وفي ذلك، قال كريستيان مايل، العضو في اتحاد الشركات الناشئة الألمانية، إن هذه المشكلة لا ترتبط بقطاع الشركات الناشئة وإنما "تتعلق بمشاكل إعادة تمويل أحد البنوك".
ورغم ذلك، أقر مايل بأن عواقب الأزمة على الشركات الناشئة الألمانية لا يمكن تحديدها بشكل قاطع.
يشار إلى أن بنك "سيليكون فالي" احتل في نهاية العام الماضي المرتبة السادسة عشر في الولايات المتحدة من حيث قيمة الأصول التي بلغت 209 مليار دولار أمريكي وقيمة ودائع تتجاوز الـ 175.4 مليار دولار.
لكن البنك تعرض لضربة كبيرة عقب ارتفاع أسعار الفائدة بمعدلات كبيرة من قبل الفيدرالي الأمريكي خلال العام الماضي مما أدى إلى عرقلة الأحوال المالية في قطاع الشركات الناشئة خاصة وأن القيمة السوقية للعديد من أصول البنك المرتبطة بالرهن العقاري قد فقدت قيمتها مع ارتفاع أسعار الفائدة.
وعلى وقع ذلك، بدأ عملاء البنك ومعظمهم من شركات التكنولوجيا في سحب ودائعهم في ضوء احتياجها إلى السيولة للحصول على التمويل ما دفع البنك إلى بيع السندات رغم عدم تحقيق أي مكسب وبالخسارة من أجل تغطية عمليات السحب من قبل الزبائن.
وفي ضوء ذلك، يرى خبراء أن الأزمة الحالية اندلعت جراء ارتفاع أسعار الفائدة على مستوى العالم حيث اضطرت البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة من أجل تهدئة النشاط التجاري وبالتالي كبح التضخم، بيد أن هذا الأمر يلقى بظلاله على قطاع الشركات الناشئة حيث يؤدي إلى تقليل التمويل وتقييد الإنفاق الاستهلاكي.
وفي هذا الصدد، قال آرون ساي، كبير المحللين في "بيكتيت لإدارة الأصول"، إن انهيار بنك "سيليكون فالي" من شأنه "أن يضغط على البنوك المركزية لإبطاء وتيرة رفع أسعار الفائدة إذ سيتعين على البنوك المركزية الآن النظر في تأثير أي زيادة أخرى في أسعار الفائدة على استقرار النظام المالي."
"سيليكون فالي".. جاني أم مجني عليه؟
وبسبب كونه أحد المصارف الرئيسية التي تقدم قروضا للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في الولايات المتحدة وخارجها، حاز بنك "سيليكون فالي"على ودائع كبيرة من عملائه أثناء وبعد جائحة كورونا ليقدم بعد ذلك على استثمار هذه الأموال الزائدة في السندات الحكومية، لكنه تكبد خسائر دفترية بعد ارتفاع أسعار الفائدة ما دفع عملاء البنك إلى سحب ودائعهم.
وفي مقابلة مع DW، قال هانز بيتر بيرغهوف من جامعة هوفنهايم الألمانية إن بنك "سيليكون فالي "كان في وضع سيئ بشكل خاص لأنه لم يتعامل مع هذه المشكلة حيث أنه لم يقم بإدارة المخاطر الناجمة عن ارتفاع أسعار الفائدة".
وفي تعليقه، قال آرثر ويلمارث، أستاذ القانون في جامعة "جورج واشنطن"، إن إخفاقات بنك "سيليكون فالي" و "سيغنتشر بنك "كشفت عن عدم كفاية الإصلاحات التنظيمية التي تم إجراؤها منذ الأزمة المالية العالمية".
وأوضح أن بنك "سيليكون فالي" قد شهد نموا بوتيرة سريعة ما بين عامي 2020 و 2022، مضيفا أن شراء سندات طويلة الأجل ذات فائدة ثابتة جعله عرضة بشكل خاص لأي تحول في السياسة النقدية من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
وقال "هذه صيغة تدل على الفشل لأنه إذا تحول الاقتصاد سوف تبدأ المشاكل في الظهور".
الجدير بالذكر أنه فى عام 2018 خلال حقبة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، جرى تخفيف اللوائح المصرفية التي كانت من شأنها أن تضع بنك "سيليكون فالي" تحت إجراءات إشراف أكثر صرامة.
وكان الرئيس بايدن قد أعلن الاثنين الماضي أنه سيسعى إلى فرض قواعد أكثر صرامة في أعقاب انهيار بنك "سيليكون فالي"، قائلا "سأطلب من الكونغرس والمنظمين المصرفيين تعزيز القواعد الناظمة للبنوك لتقليل احتمال تكرر هذا النوع من الفشل".
ماتيس ريشتمان / م. ع