بابا الفاتيكان يحتفل بعيد ميلاده الخامس والثمانين
١٦ أبريل ٢٠١٢ولد البابا بنديكت السادس عشر، بابا الفاتيكان، بإسم جوزيف رايتزينغر في السادس عشر من أبريل/ نيسان 1927 في جنوب ألمانيا. وتلقى تربية كاتوليكية مشددة. وبعد إتمام دراسته في كلية القديس في جامعة ميونخ وحصوله على شهادة الدكتوراه في علم اللاهوت والفلسفة، عمل كأستاذ محاضر في عدد من الجامعات الألمانية كجامعة بون وريغنسبورغ وغيرها. وفي عام 1971 انطلقت مسيرته على المَدرج الكنائيسي، حين عين من قبل البابا بولس السادس كرئيس أساقفة ميونخ، ثم كرئيس لمجمع العقيدة والإيمان في الفاتيكان 1981. وفي عام 1998 انتخب كنائب لعميد مجمع الكرادلة المكلف بانتخاب البابا لدى شغور المنصب، وبعد أربع سنوات من ذلك التاريخ أصبح عميد المجمع المذكور.
"خلوة انتخابية" قصيرة
وفي التاسع عشر من أبريل 2005، تم انتخاب الكاردينال رايتزينغر خلفا للبابا يوحنا بول السادس، وذلك عبر خلوة انتخابية وصفت حينها بالقصيرة لكونها استغرقت وعكس ما هو متداول في الفاتيكان يومين فقط. واستلم البابا مهامه وشعاره الأساسي مد قنوات الحوار بين الكاتوليك وباقي الديانات السماوية بما فيها الحركة المسكونية. ولقد أعرب عن ذلك في خطبة ألقاها باللغة اللاتينية أثناء قداس التنصيب، والتي أوضح فيها أنه لن يكتف بـ "المشاعر الصادقة"، وإنما سيرافقها بـ "تحركات ملموسة على الأرض" حتى يقضي على الجمود الذي أصاب الحركة.
بيد أنه في عام 2011 اتضح أن لا شيء تمّ تحقيقه في هذا الصدد، وفي جولته الأخيرة إلى ألمانيا العام الماضي بدا جليا أن البابا غير مستعد لتقديم تنازلات للحركة المسكونية، لكنه عكس ذلك، عمّق الحوار مع الكنيسة الأرثوذكسية، بلقاء وصف بالتاريخي جمعه في إسطنبول 2006 بالبطريك "بارثولومبو الأول" بطريك الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية.
الحبر الأعظم والديانات الإبراهيمية
في المقابل اتسمت علاقة الكرسي الرسولي بالإسلام في فترة حبريته بالتذبذب. فمن جهة قام عام2006 برحلة تاريخية إلى عدد من الدول الإسلامية، زار على ضوءها مسجد السلطان أحمد في اسطنبول، ثم مسجد الملك حسين في الأردن إلى غير ذلك من الفعاليات التي تخللت تلك الزيارة، ومن جهة أخرى لاقى انتقادات شعبية ورسمية قوية بسبب محاضرة ألقاها في السنة ذاتها في ألمانيا، وتطرق فيها إلى "آيات القتال" بالقرآن واستشهد بنص تاريخي لحوار بين إمبراطور بيزنطي وأحد المفكرين الفارسيين حول دور النبي محمد، ورَد فيه على لسان الإمبراطور أن النبي "أمر بنشر الدين بحد السيف".
وفجرت تلك المحاضرة موجة احتجاجات لم تهدأ إلا بعدما التقى الحبر الأعظم سفراء دول إسلامية معتمدة لدى الفاتيكان، وألقى كلمة عبر فيها عن أسفه من تداعيات الموقف، مؤكدا على الجوانب المشتركة بين الديانتين المسيحية والإسلام. وعبر هذه الخطوة نجح رايتزنغير في امتصاص الغضب الشعبي في بعض الدول الإسلامية.
لكن تلك الواقعة سرعان ما أعقبتها أخرى أكثر جدلا. وهذه المرة هزت الأوساط اليهودية والمسيحية في ألمانيا وخارجها، إذ ألغى بنديكت السادس عشر قرار إبعاد أربعة قساوسة من الكنيسة الكاثوليكية، بينهم القس البريطاني "ريتشارد وليامسون" الذي ينكر وقوع محرقة اليهود. وأدت تلك الخطوة إلى خلق ردود أفعال غاضبة داخل ألمانيا، عززت الفجوة بين الفاتيكان والقاعدة الشعبية الكاثوليكية.
حركة احتجاجات دينية
ولم تقف الفجوة عند هذا الحد، بل تعمقت أكثر فأكثر بعد الكشف عن فضائح الاعتداءات الجنسية التي قام بها الكهنة في حق الأطفال. وشملت الفضيحة جل الدول الأوروبية. وفي الوقت الذي كان فيه الرأي العام المسيحي يترقب موقفا حاسما من الكنيسة، تبين جليا فشل المجمع الإيماني في إدارة الأزمة. وحاول الحبر الأعظم الحد من الأضرار التي زعزعت الكنيسة الكاثوليكية عبر لقاء جمعه بضحايا الاعتداءات تضمن عبارات الصفح من قبل البابا، لكن ذلك لم يكن كافيا لتهدئة النفوس، ففضائح التحرش الجنسي بالأطفال من قبل الكهنة لا زالت تكدر صفو الكنيسة. فقد وجه حوالي 400 رجل دين نهاية العام الماضي "مبادرة الكهنة"، دعوا فيها في النمسا على وجه الخصوص إلى "عصيان مدني"، كما طالبوا بسيامة النساء.
وفي تفسيرهم لأسباب الأزمة يقول المحتجون أنها نجمت عن التمسك الشديد للفاتيكان بالعادات والتقاليد ورفضه لإجراء إصلاحات، تعترف بحق ممارسة الكهنة لحياة جنسية في إطار الزواج. بيد أن بينديكت السادس عشر طالما لعب دور المحافظ العنيد، المتشبث بالتقاليد على حساب الإصلاحات، وإن كان قد أعلن بنفسه في عضته التي ألقاها مؤخرا في خميس الأسرار في كاتدرائية القديس بطرس اعتراضه على ما أسماه "الجمود والتشدد".
أنتيه ديشيرت/ وفاق بنكيران
مراجعة: طارق أنكاي