باحث ألماني: كلام أردوغان عن الدولة المدنية بمصر لن يتسبب بأزمة مع الإخوان
١٤ سبتمبر ٢٠١١أثارت تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بخصوص قيام دولة مدنية في مصر حفيظة جماعة الإخوان المسلمين إلى درجة أن المتحدث باسم الجماعة الدكتور محمود غزلان اعتبر "نصيحة" الزعيم التركي تدخلا في شؤون مصر الداخلية. هذه الانتقادات سلطت الضوء على ما يمكن اعتباره اختلافات "جوهرية" فكرية بين الإخوان وحزب العدالة والتنمية التركي الإسلامي رغم أنهما ينتميان إلى التوجه الإسلامي نفسه. وللحديث أكثر حول تداعيات هذه التصريحات وتأثير الإخوان المسلمين على طبيعة صيغة الدولة المصرية الجديدة أجرت دويتشه فيله حوارا مع الخبير الألماني المتخصص في شؤون الجماعات والأحزاب الإسلامية لوتز روغلر، وفيما يلي نص الحوار:
دويتشه فيله: هل انتقاد الإخوان المسلمين لموقف أردوغان يبين خلافا جوهريا في وجهات النظر بين حزب العدالة والتنمية التركي والإخوان المسلمين حول موضوع العلمانية والدولة المدنية؟
لوتس روغلر: أنا لا أعتقد أن هذه الانتقادات التي جاءت من طرف مسؤول واحد في جماعة الإخوان المسلمين تعبر عن خلاف عميق بين الطرفين،لأن هناك تقاربا سياسيا شديدا توطد في الآونة الأخيرة خاصة بعد المواقف الحاسمة التي اتخذتها تركيا من إسرائيل.
الإخوان المسلمون لطالما رحبوا بنموذج حزب العدالة والتنمية التركي باعتباره حزبا دينيا إسلاميا يقود دولة، هل من شأن تصريحات أردوغان أن تولد خيبة أمل لديهم؟
ربما يكون هناك نوع من خيبة الأمل ولكن أعتقد أن هناك خصوصية معينة في مصر. وجماعة الإخوان المسلمين تعي جيدا هذه الخصوصية والفرق بين التجربتين المصرية والتركية. لذلك أعتقد أن هذه التصريحات ربما لن يكون لها أثر كبير في المستقبل سواء في الساحة السياسية المصرية أو حتى على مستوى العلاقات بين تركيا و مصر أو بين حماعة الإخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية.
من وجهة نظرك ما الهدف من هذه التصريحات في الظرف الحالي؟ هل يريد أردوغان تطمين أطراف معينة سواء مصرية أو دولية ليبين أنه يدعم القوى الليبرالية؟
ربما هذا صحيح لكني أعتقد أن أردوغان لاحظ، كما لاحظ آخرون، التنافس الشديد على الاستقطاب بين المعسكر العلماني الليبرالي من جهة، و بين المعسكر الديني الإسلامي. وقد تكون هذه التصريحات من قبيل التخفيف من وطأة هذا الاستقطاب السياسي الشديد الحاصل في مصر.
ما دمنا نتحدث عن الدولة الدينية، هل هي مشروع يهدد مصر بالفعل؟ بعبارة أخرى هل مصر على أبواب دولة دينية؟
أنا لا أعتقد ذلك لأن الإخوان المسلمين وقوى إسلامية أخرى كالجماعة الإسلامية أو حتى بعض التيارات السلفية تبنت فكرة الدولة المدنية وهذا المفهوم في الفكر الإسلامي المصري يعني عدم دينية الدولة. لذلك لا أعتقد أن مصر على أبواب دولة دينية رغم الانتقادات التي يوجهها المعسكر العلماني الليبرالي في مصر للإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى بشأن نية هذه الأخيرة إقامة دولة دينية في مصر.
لكن بعد الثورة في مصر ظهر نفوذ الإخوان وشعبيتهم، هل يعني ذلك أن الشعب المصري سيقبل بالدولة الدينية أم بصيغة أخرى للدولة؟ وهل هذه الصيغة الأخرى ينبغي أن تكون علمانية بالضرورة أم صيغة جديدة ينبغي البحث عنها؟
أنا أعتقد أن مفهوم الدولة الدينية هنا يحيل إلى السعي نحو دولة ديمقراطية تقبل التعددية السياسية والفكرية وكذا الدينية إلى حد ما، بمعنى أن الجماعات الإسلامية الكبيرة في مصر لم تتبن فكرة الدولة الدينية بمفهومها الثيوقراطي. لذلك أعتقد أن التطورات القادمة ستحمل معها صيغة جديدة للدولة في مصر عند إعداد دستور جديد مثلا، أو ربما عند إعادة صياغة قوانين الأحوال الشخصية بالنسبة للمسلمين وغير المسلمين في مصر.
ما طبيعة هذه الصيغة الجديدة؟
بلا شك سيبقى الإسلام هو دين الدولة في مصر. لكن ربما قد تكون هناك تعديلات فيما يخص مصدر التشريع أو إمكانية أن يشمل الدستور المصري الجديد إشارة جديدة إلى حرية الاعتقاد وغيرها من التعديلات...أظن أنه من الممكن أن تكون هنالك تغييرات في هذا الاتجاه. ما أقصده أن كون الإسلام دين الدولة في مصر، هو أمر يشير إلى هوية الدولة الحضارية الثقافية والتاريخية أكثر مما يحيل إلى مصدر للتشريع بالنسبة للمواطنين المصريين.
كيف ستكون صيغة الحكم في مصر إذا ما وصل الإخوان المسلمون إلى السلطة؟
أعتقد أنهم سيحافظون على المبادئ الديمقراطية وعلى مدنية الدولة حتى ولو اعتمدوا على الإسلام كمصدر رئيسي للتشريع. جماعة الإخوان المسلمين غيرت الكثير من مفاهيمها خلال العقود الأخيرة وهناك تطورات ملموسة في المنظومة الفكرية للإخوان المسلمين. كما استفاد هؤلاء من تجارب جماعات إسلامية أخرى سواء في تركيا أو المغرب أو السودان فيما يخص تبني مبادئ التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وغير ذلك. لقد تطورت أفكارهم بشكل ملموس في هذا الاتجاه وأعتقد أنهم سيحافظون عليها في المستقبل حتى في حالة وصولهم إلى السلطة.
أجرت المقابلة: سهام أشطو
مراجعة: أحمد حسو