باحث في الهجرة: صور الموتى غرقا في البحر المتوسط لا تصلنا
١ سبتمبر ٢٠١٦DW: تحذر الوكالة الأوروبية لحماية الحدود الخارجية المعروفة بـ"فرونتكس" من أن انخفاض عدد اللاجئين إلى أوروبا سيدفع إلى ارتفاع محاولات العبور إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، خاصة عبر ليبيا. المنظمة الدولية للهجرة (IOM) تحذر من جانبها من ارتفاع عدد الغرقى. ما الذي يجري في المتوسط؟
د.كاراكايالي: يحاول الناس العبور عبر المتوسط بعد إغلاق الطرق الآمنة. يأخذون الطرق الخطرة، حيث لا يمكن السيطرة على الحدود الأوروبية بشكل كامل. حتى أنه لا توجد قوانين يمكن أن تجبر الناس عن العودة عبر البحر.
رغم أن هناك اشتباه، يشير إلى أن العمليات التي تقوم بها فرونتكس ضد المهربين بالقوارب تدفع بالمهربين إلى العودة نحو شواطئ شمال أفريقيا.
تتحدث عن اشتباه، فيما تتحدث فرونتكس عن عمليات إنقاذ...
هذا هو الأمر الشرعي الوحيد الذي يمكن عمله. لكننا نعلم من الباحثين في شؤون الهجرة، أن ما يكتب على الورق يختلف عما يحدث في الواقع.
وحده في يوم الاثنين الماضي جرى إنقاذ أكثر من 6500 مهاجر من مياه البحر المتوسط بين ليبيا وايطاليا. يوم الثلاثاء حوالي ثلاثة آلاف شخص. منظمة (IOM) تتحدث عن ارتفاع عدد الغرقى: كل واحد من 85 لم ينجح في عبور المتوسط. في عام 2015 كانت النسبة واحد مقابل 276 مهاجر. لماذا يزداد خط عبور المهاجرين عبر البحر خطورة؟
الارتفاع ربما يكون مرتبطا بعمليات المراقبة الشديدة، خاصة مع عدد سفن فرونتكس الكثيرة. السبب الثاني ربما يكون، أن القوارب تحمل عددا أكبر بكثير من السابق، وهي وضعية أسوأ، لأن المهربين يرغبون بفائدة أكبر.
كثير من المهاجرين يعانون من الجوع والعطش والعنف، وحتى الموت من قبل من يسافرون معهم. وحتى لو نجح بعضهم، فلن ينجحوا في الحصول على حق اللجوء، خاصة الأفارقة منهم. نسمع كثيرا، كم يرتبط اللاجئون مع بعضهم البعض، فلماذا لا تمنعهم مثل هذه الأنباء (لا حق للحصول على لجوء) من عبور البحر؟
طالما لا يعود هؤلاء المهاجرون إلى بلدانهم، فإنهم يروون لمعارفهم قصص النجاح والحصول على المال. فكلهم قد استثمروا أموالا كثيرة ووقتا للعبور، ولا يمكن أن يرووا قصص الفشل.
بالنسبة لنا هذه قصص كارثية. لكن في الواقع، أن يختفي بعضهم مع قصته، أو ينجح بطريق من المصاعب في الحصول على حق الإقامة، سيعني نجاحا. فهذا أفضل بكل الأحوال من العيش في ظل حرب أهلية أو العيش في ظل ظروف إنسانية صعبة في الوطن الأم.
تحاول إيطاليا عبر حملة منع الناس من العبور من أفريقيا إلى أوروبا، هل يمكن أن تنجح، أم يجب القيام بحملة ضد المهربين؟
ضمن المقياس العالمي أهمل عدد المهاجرين عالميا قياسا بمن يحاولون العبور إلى أوروبا. إن استقبال ألمانيا لأكثر من مليون مهاجر ولاجئ يعود إلى أن دولا أوروبية كثيرة لم تستقبلهم. في أوروبا هناك أكثر من 500 مليون إنسان، كان من الممكن أن يكون استقبالهم أمرا سهلا، طالما أن المجتمعات الأوروبية بحاجة إلى نمو سكاني عن طريق الهجرة أيضا.
لا يجب وضع المهاجرين تحت خانة اللاجئين دائما، بل يجب خلق طرق شرعية للهجرة ممكن بالنسبة لكثيرين. يجب أن نعترف أننا قارة هجرة. هكذا يمكننا أن نوفر عليهم الخطر وعلينا مئات المليارات من الأموال التي يتم انفاقها على التكنولوجيا ومكافحة طرق التهريب. المهربون أنفسهم يحصلون على أموال مقاربة. بدلا من ذلك يمكن إنشاء برامج لاستقبال المهاجرين وإدماجهم في سوق العمل.
بدلا من مطاردة قوارب التهريب، يجب إنشاء خطوط عبارات. لكن ذلك يمكن أن يحدث فقط عندما يتم التوصل إلى اتفاق أوروبي موحد. ألمانيا لا يمكنها فرض ذلك. ولهذا وجد اتفاق الهجرة مع تركيا، الذي كان عبارة عن حل طارئ، بعد أن رفضت دول أوروبية الاتفاق.
مكافحة التهريب لا تجدي. منع الجريمة لمتطلبات إنسانية بحتة لم تنفع يوما على مدى التاريخ.
يطالب كثيرون بفتح طرق شرعية، حتى رئيس وكالة فرونتكس فابريس ليغيري. لكن هذا غير واقعي، طالما أنه لا يوجد موقف موحد لاستقبال المهاجرين؟
لا يقتصر الأمر على شرق أوروبا فقط، بل أن الموقف مشابه في بريطانيا أيضا. فالبريكست (التصويت على خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي) نجح بسبب رفض البريطانيين سياسة الهجرة الداخلية أوروبيا لا بسبب اللاجئين. ونعني بذلك المهاجرين البولنديين. بريطانيا لم تستقبل لاجئين كثيرين وحتى فرنسا أيضا. لا أعتقد باحتمال ظهور سياسة استقبال مهاجرين أوروبية موحدة. أظن أن الرهان سيكون على الحلول العسكرية والشرطية.
في طرق التهريب والعبور على الأرض لم تسر الأمور بشكل جيد. فقد نقلت صورا مختلفة لنا. أما من يموت في البحر المتوسط فلا نراه. فموتهم أيضا لم يكن بسبب القوة المفرطة من الشرطة، واستعمال الغاز المسيل للدموع أو الرصاص المطاطي ضد العوائل في مقدونيا مثلا، أو من قبل موظفي الحدود والشرطة في بعض الدول الأوروبية، والتي تم توثيقها من قبل الصحافة. هذه الصور حركت الشيء الكثير، فقال البعض، لا يمكننا أن نتسامح مع مثل هذه المشاهد.
في المتوسط مات كثيرون غرقا قبل خمس أو عشرة أعوام، أغلبهم من الأفارقة السود، وليس لاجئين سوريين يمكن التعاطف معهم. يرى المرء بالصور عددا كبيرا من الرجال لا العوائل، وجوه غير واضحة ليس أكثر.
هل تعود الأوروبيون على الاستحمام في البحر بينما يغرق المهاجرون في نفس البحر؟
بالتأكيد. أن تمسنا هذه المشاهد مباشرة، يعتمد على الموقف نفسه، فإدراك البشر يعتمد على مواقف معينة. فالمعاناة مستمرة منذ شهور، لكن صورة الطفل أيلان وحدها جاءت بفعل مختلف. فقد ظهر وكأنه نائم. فهذه الصورة ذكرت آباء كثيرين بمشهد نوم أطفالهم في الثالثة أو الرابعة من العمر. هذه الصورة لم تظهر المعتاد لمشهد قتيل مضرج بدماءه. صورة الطفل الذي ظهر من الخلف ممدا على الساحل دفعتنا إلى القول في عام 2015 "مرحبا باللاجئين".
اذا شئنا الوصول إلى موقف مشابه، نقول فيه إننا لا يمكن لنا السباحة في باري، فيما يموت مهاجرون في البحر، لأن مجتمعاتنا لا تتقبل الهجرة إليها، إذن علينا الوصول قبل ذلك إلى مرحلة من النقاش أوروبيا تمكننا من القبول بالهجرة.
د. سرهات كاراكايالي باحث اجتماعي وسياسي متخصص في شؤون الهجرة ويعمل في معهد الدراسات التطبيقية للاندماج وبحوث الهجرة في جامعة هوبمولدت في برلين.