باسم يوسف وكشف ثغرات الإعلام المصري
٧ مارس ٢٠١٤مشاهد بدت طريفة وأضحكت الملايين، تلك التي قدمها باسم يوسف في حلقات البرنامج الماضية، والتي بثت على شاشة DWعربية. لكن اللقطات المتعلقة بنقد الإعلاميين المصريين كانت مرّة بعض الشيء ودفعت الناس للنقاش حول واقع الإعلام المصري وكيف يمكن أن يخرج من "حالة الرأي الواحد"، كما يقول المتابعون الذين استطلعت DWآراءهم.
"من حق الإعلاميين الرد على الانتقادات التي يوجهّها باسم يوسف في حقهم" يقول الصحفي المصري محمد عبد الرحمن في حديثه مع DWعربية، ولكن، الإعلام المصري يبحث عن "ثغرات غير لائقة لنقد باسم يوسف، وهي الألفاظ الإباحية، كما يسمونها".
ويندهش عبدالرحمن من عدم دفاع الإعلاميين عن أنفسهم، قائلا "كل ما يسعون إلى تحقيقه هو اختفاء باسم يوسف، وهو أمر غير مهني". وعبّر عبد الرحمن عن استيائه من الشعور العام بأنه في أي لحظة قد يُمنع البرنامج، قائلا "أشعر بقلق شديد وأتساءل كل يوم جمعة هل سيُعرض البرنامج أم لا ... هناك إحباط للرأي العام .. وهناك محاصرة للناس كي يكونوا إما مع باسم يوسف أو ضده".
وطرح عبد الرحمن تساؤلا خاصا: لماذا يركز باسم يوسف في انتقاده للإعلام على إعلاميين بعينهم؟ ولكنه أكد أنه لا يعرف الإجابة على هذا التساؤل. وطالب الإعلاميين بـ"التزام المهنية أو يردوا بالمنطق، أو أن يعدوا برنامجا منافسا لباسم يوسف".
بينما اعتبر جميل عفيفي، نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام، أن باسم يوسف غير مهني لأنه يتهكم على الإعلاميين في مصر، حيث يقوم بتقليدهم وليس انتقادهم. وهذا يفتح المجال، وفقا لعفيفي، للهجوم على باسم يوسف من قبل الإعلاميين، مما يُخرج الإعلام عن سياقه. ودعا عفيفي، في حديثه مع DWعربية، إلى "تحجيم باسم يوسف لأنه يهين الشعب المصري والجيش"، مؤكدا أن الهجوم سيمس لاحقا القنوات التي تعرض برنامجه وليس شخص باسم يوسف فحسب.
باسم يوسف والخطوط الحمراء
صحفيون آخرون يرون أن كثيرا مما يعرضه باسم يوسف عن الإعلام المصري صحيح، لاستناده إلى مقاطع مما يقدمه الإعلاميين في برامجهم.
عماد الغزالي، نائب رئيس تحرير جريدة الشروق المصرية، يرى أن هؤلاء الإعلاميين يقدمون "المادة الخام" لبرنامجه القائم أساسا على السخرية. ولكن الغزالي يعتقد أن باسم يوسف وبرنامجه لا تغيب عنه العيوب ذاتها، لأنه "يمثل وجها واحدا للحقيقة أو ما يظن أنه الحقيقة". واستطرد بالقول" لا أتصور إعلاميا في هذه المرحلة المرتبكة التي نعيشها إلا ووقع ضحية لهذا الارتباك وتشابك المواقف".
وهاجم الغزالي باسم يوسف قائلا: "باسم يوسف ليس تعبيرا مثاليا عن الليبرالية وحرية التعبير، هو أيضا لديه انحيازات غير موضوعية". وتابع "يحاول أن يثبت أنه وحده القادر على قول الحقيقة، وانتقاد أي مسؤول مهما كان منصبه ووضعه". وأوضح "أنا مع كشف الزيف والنفاق الاجتماعي الذي يؤثر في تقدم مجتمعاتنا، لكنني لا أعتقد أن ما يفعله باسم يقود إلى هذه النتيجة، أو أن ذلك هو هدفه أصلا".
انتقاد باسم يوسف للمشير السيسي هو الأمر الذي لا يعجب الصحفي الغزالي، لأنه ليس نقدا لمواقف أو تصرفات، فالسيسي "يمثل بالنسبة لغالبية المصريين أملا في الخلاص من الحالة التي وصلوا إليها. مما يجعل سخرية باسم صادمة وغير مرحب بها لدى هذا القطاع العريض"، حسب الغزالي. وعلى هذا فإن "باسم يوسف ينال من المؤسسة العسكرية عبر انتقاده لبعض الأشخاص والإعلاميين الذين ينافقونه، وكأن السيسي نفسه هو من يطالبهم بفعل ذلك، وهو أمر غير صحيح".
بينما يندهش أشرف أبو الهول، صحفي في جريدة الأهرام، من حديث الإعلاميين عن تجاوز باسم يوسف للخطوط الحمراء، باعتبار أن الخطوط الحمراء هي الأمن القومي المصري، ولم يتعدى باسم يوسف الأمن القومي". وأضاف: "برنامج باسم يوسف مجرد برنامج ساخر، وإن كان يحتوي على نوع من المبالغة، الهدف منها إضحاك الناس، فهو لا يهدف إلى تشويه أحد". والدليل على ذلك، حسب أبو الهول، أنه عندما سخر من جهاز القوات المسلحة، لم يتطرق إلى طبيعة وعمل الجهاز، ولكنه انتقد طريقة تناول الإعلام للجهاز. وأوضح لـDWعربية: "انتقاداته أحيانا تكون محفز للبحث عن الحقيقة".
"تدني المستوى الإعلامي في مصر"
الانتقادات التي توجه لبرنامج باسم يوسف يصنفها رأي آخر في إطار "التعبير عن موقف سياسي. ياسر عبدالعزيز، الباحث في شؤون الإعلام يرى، في لقاء مع DWعربية، أن الانتقادات لباسم يوسف هي انتقادات سياسية لا تتعلق بالأداء الفني، فمن "انتقد باسم في زمن الإخوان كانوا مؤيدي مرسي، والذين ينتقدونه اليوم هم من مؤيدي 30 يونيو". لذلك، يرى أن الانقسام حول باسم يوسف هو انقسام إيديولوجي أكثر منه إعلامي.
وبسؤاله عن مدى وجود وعي لدى النخبة المصرية بهبوط المستوى الإعلامي المصري، رد عبدالعزيز بالإيجاب، قائلا "هناك اتفاق واسع قد يصل إلى حد الإجماع على أن الإعلام المصري في حالة متدنية"، وهناك قصور في فهم آليات بناء النظام الإعلامي، وهذا القصور يجعل معظم الأطراف الفاعلة والجمهور، يعتقدوا أن حل مشكلة الإعلام يكمن في إصدار ميثاق شرف.
واستطرد بالقول "لا يوجد ما يمكن تسميته خروج عن النص في أي عمل إبداعي، لأن الإبداع في جوهره هو عمل متجاوز للأطر السائدة، لكن يوجد ما يمكن تسميته بالخطوط الحمراء في مجتمعات تفرضها وتحددها لنفسها". وبين بعض هذه الخطوط الحمراء بالقول: "من تلك الخطوط خرق القوانين النافذة وتحدي المزاج العام، والانصراف من الحالة الفنية الإبداعية الخاصة إلى النقد الشعبوي والتجريح". ويعتقد عبد العزيز أن باسم يوسف يمس في بعض الأحيان هذه الخطوط، ولكنه في كل الأحوال يقدم إبداعا خاصا جديرا بالاحترام.
ويشبه عبد العزيز الإعلام في مصر بـ"امرأة سيئة السمعة، الجميع ينتقدونها علنا، لكن الجميع يخطبون ودها في السر، وسيتوقفون عن نقدها إذا نالوا حظهم منها".