برلين: الوجهان المتباينان لمدينة المهاجرين
١٥ ديسمبر ٢٠١٤برلين مدينة مليئة بالتناقضات، لكن بالنسبة لطالبي اللجوء أو المغتربين، فبرلين تحاول جاهدة الترحيب بهم. في هذه الجولة تحاول ليلي هارمان، مراسلة DWالبحث عن ما يجعل العاصمة تبدي الترحيب أحياناً وتمنعه أحياناً أخرى.
الصيف الماضي، كنت متجهةً إلى موعد في منطقة كرويتسبيرغ في برلين. سيارات الشرطة الكبيرة كانت ممتلئةً برجال شرطة ضخام يظهرعليهم الملل، كانوا يسدون طريق وجهتي المقصودة، والمكان كان هادئا على غير عادته.
هذه الحادثة اعتيادية في برلين، فتقريباً كل أسبوع، كنت أمرٌ بمظاهرة أو تجمع كبير للشرطة يأكلون الفطائر بشكل يثير القلق، منتظرين حدوث شيءٍ ما. لأصل إلى واحدٍ من الطرق الكثيرة المقفلة، توجب عليَ إظهار بطاقة هويتي لعناصر الشرطة الموجودين في المكان، وهذا ليس أمراً شائع الحدوث في برلين.
حضور الشرطة في برلين أصبح معتاداً
لاحقاً في ذلك اليوم سمعت أن الحضور الكثيف للشرطة كان بسبب إخلاء سكن جيرهارد هاوبتمان للاجئين، مسكن اللاجئين والحي بالكامل أغلقته شرطة مكافحة الشغب لمدة ثمانية أيام، في ما سماه المحتجون والصحافة بأكثر عملية كلفة في تاريخ برلين.
في الأشهر التي تلت عملية الإخلاء، استقر اللاجئون في عددٍ من النزل، ولكن لاحقا تحولوا إلى مشردين. العديد من طلبات اللجوء التي قدمت من قبل هؤلاء اللاجئين تم رفضها من دون دراسة كافية، حسب رأي المنتقدين، ما جعلهم يشعرون بالخذلان وأنه قد كُذب عليهم بعد سلسة من الاتفاقات بينهم وبين حكومة المقاطعة. كان رد فعل سكان برلين بعد هذه الأحداث بأنهم استضافوا هؤلاء اللاجئين في منازلهم، ولكن هذا الحل ليس جذرياً لمعاناة اللاجئين.
قلبٌ يَسَعُ الآخرين
يحاول سكان برلين بشكل واضح مساعدة المحرومين والأقليات، فهذا ما جذبني دائما إلى هذه المدينة.
الحيوية والمقاومة عنصران متأصلان في الشخصية البرلينية. إذ من الفوضى المطلقة تبزغ المودة، فبينما توزع هذه المقاومة على الثقافات العديدة والمجموعات السياسية، يُظهر السكان نوعاً من الرعاية يسري في المدينة بأسرها.
خاصة في حييَ كرويتسبيرغ و نويكولن، سترى الكثير من الشعارات التي تحمل سياق "أهلاً باللاجئين" و "لِمن تنتمي هذه المدينة؟" مرسومة على الجدران وعلى نوافذ المقاهي والحانات، بل حتى مرسومة على جدران الحمامات.
لقد غدت برلين مكاناً معروفاً بالتسامح والعقل المتفتح، فقد لاحظت أن الكثيرين باتوا يستقرون في هذه المدينة بحثاً عن منزلٍ بين أناسٍ يؤمنون بالفعل بالتسامح والعقل المتفتح.
مساحةٌ للتسامح
صديقتي إيفا القادمة من لاتفيا، انتقلت إلى برلين بعد أن عاشت لِستِ سنينٍ في لندن، وكما فعلت أنا سابقاً، تركت إيفا لندن بسبب الكلفة العالية للمعيشة وتضائل فرص العمل باستمرار ناهيك عن تقييد مساحة الإبداع. مثل برلين، أصبحت لندن محبوبةً على مر السنين، دافعةً سكان لندن إلى مناطق أبعد عن مركز المدينة أو إلى مدن جديدة.
تحدثت مع إيفا عن ما دفعها لتنتقل إلى برلين وما الذي يجعلها تشعر بالارتياح فيها. فتحدثت عن أن خيار العودة إلى لاتفيا ليس مطروحاً، إذ نظراً إلى الإجحاف بحق المثليين لا يمكنها أن تكون صريحة بخصوص ميولها، لذلك من الصعب أن تدخل في علاقة أو أن يكون لها عائلة هناك، لكن على أي حال، هذا السلوك يتغير تدريجياً وهي متأكدة من أنها ستعود إلى وطنها في المستقبل.
الوجه الآخر للحقيقة
حتى في أجواء التسامح، هنالك شيءٌ من عدم التسامح، ففي أول أسبوعين من إقامتي في برلين صادفت لافتاتٍ تقول "اخرجوا أيها الإنجليز! اخرجوا أيها الأسبان! اخرجوا أيها الإيطاليون!"، كان الموقف صادما بالنسبة لي، وخطر في بالي أني لست مرحَباً بي كما كنت أعتقد.
من دون شك فإن شعور معاداة الأجانب موجود، حتى لو كان غير مسيطر، وهنالك في النموذج البرليني من يحارب هذا السلوك عن طريق إيجاد حلولٍ عملية. مؤخراً التقيت لوسي، فتاةٌ تعمل في برنامجٍ لمساعدة سكان برلين الجدد على الاندماج في المجتمع، وشرحت لي لوسي أن البرنامج أُطلق بعد أن لاحظوا أن حدة التوتر باتت تزداد بين سكان برلين القدامى والجدد، حيث غدت مظاهر جديدة تبرز في المدينة، أحداها لافتات تقول "اخرجوا أيها السياح!"، فهنا كان لا بد من إيجاد حلٍ ما.
محاولةٌ للاندماج
في كثير من الأحيان يواجه المنتقلون حديثاً إلى برلين صعوباتٍ في التواصل مع السكان ومع المجتمع الناطق بالألمانية، هنا يأتي دور برنامج الاندماج، فمن خلال موقعه على شبكة الإنترنت يوفر البرنامج مجالاً واسعاً من النشاطات الهادفة إلى الدخول في العمل المجتمعي، فعلى سبيل المثال، يقوم المشتركون في البرنامج بزياراتٍ للمسنين وتقديم المساعدة لهم، ويتطوعون في أندية الأطفال التي تمارس نشاطاتها بعد انتهاء الدوام، ويزورون عدة مراكز إيواءٍ للمشردين ويشاركون في طبخ الطعام لهم، وبالإضافة لذلك كله ينظمون دروساً في اللغتين الألمانية والإنجليزية للاجئين.
اليوم، بعد كل ما مرت برلين من ظروفٍ قاسية، من المؤكد أنها لن تتخذ موقفاً سلبياً، فحسُ الكفاح والانتماء موروث هنا في هذه المدينة، وهذا الحس مُعدٍ لكل من حطَ رحاله فيها.