برنامج ماجستير سوري ألماني مشترك لتعميق " الوعي بالذات وإدراك الآخر "
١٩ يناير ٢٠١٠ساهم مشروع الماجستير في تعزيز "ثقتي بنفسي وقدرتي على النقاش النقدي والديمقراطي وتحليل الأحداث التاريخية التي شهدتها أوروبا مثل الحرب العالمية الأولى والحرب الباردة وانهيار جدار برلين والمعسكر الاشتراكي سابقا وغيرها من أحداث هامة بعيدا عن أسلوب تلقي المعلومات والسرد والحفظ الذي تعودت عليه في جامعتي بسوريا"، تقول عبير الشيخ حيدر، طالبة الماجستير المشترك في العلوم الإنسانية بين جامعتي دمشق السورية وإيرلانغن الألمانية.
ففي ألمانيا ـ كما تقول الطالبة السورية ـ يتعاملون مع التاريخ كمادة يعاد إحياؤها من خلال التدريب العملي وحلقات النقاش بين الطلاب والأساتذة حيث يتم تناول الموضوعات وتفسيرها من مختلف الجوانب وبالاعتماد على مساعدة ما توصلت إليه علوم أخرى كعلوم الاجتماع والسياسة والإعلام والنفس وغيرها. وعن دراستها في ألمانيا لمدة فصل دارسي عن طريق الماجستير الذي تموله الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي / DAAD وجامعة دمشق تقول عبير: "تواصلت هناك مع زملائي الألمان بشكل مباشر من خلال التدريب العملي والمحاضرات المشتركة وكنت على احتكاك مباشر مع ثقافتهم بشكل ساعدني على التخلص من أحكام مسبقة كثيرة عن المجتمع الألماني".
ويتم تدريس الماجستير في إطار برنامج يدعمه الجانبان السوري والألماني تحت عنوان " وعي الذات وإدراك الآخر.. " بهدف خلق وعي جديد للذات وإدراك جديد للآخر في السياسة والثقافة والتاريخ من خلال الحوار بعيدا عن هذه الأحكام المسبقة التي تراكمت على مدى قرون لدى الطرفين"، كما تقول الدكتورة دلال الأرسوزي مديرة البرنامج.
الابتعاد عن أسلوب التلقين والحفظ
يضم الماجستير 50 طالبا وطالبة تم اختيارهم بالمناصفة بين الجامعتين. كما تم اختيار أساتذة من كلا الجامعتين للقيام بعملية التدريس. وقد توزعت تخصصات المشاركين على الأدب والقانون والاجتماع والإعلام والدراسات السياسة والإسلامية والتاريخ. ومن ميزات البرنامج التركيز على النقاش في سيمنارات أو حلقات دراسية بروح ديمقراطية وعلى الجانب العملي في المؤسسات الحكومية والخاصة المعنية، وهي طريقة شائعة في الجامعات الألمانية التي تركز في تدريسها على أسلوب المناقشة المباشرة والنقد والتحليل والجرأة وتعزيز ثقة الطلاب بأنفسهم والمقارنة وإعداد الدراسات الميدانية بالاعتماد على مصادر ووقائع ملموسة على علاقة بالموضوع بدلا من أسلوب تلقين وحفظ المعلومات الشائع بكثرة في أقسام الدراسات الإنسانية بالجامعات العربية، كما يقول الطالب شادي العمر الذي درس الفلسفة في جامعة دمشق.
"صعوبات تتعلق بالعادات وكيفية التعامل مع الوقت ومع الآخر"
وعن تفاعل الطلاب السوريين مع طريقة التدريس في ألمانيا تقول عبير بأن صعوبات واجهتهم لاسيما الذين لا يتقنون الإنجليزية كونها لغة الماجستير المعتمدة. وتضيف عبير بأن الطلاب الألمان كانون أكثر قدرة على التفاعل مع المناهج المقررة من خلال التعامل مع مفرداتها بروح نقدية وتحليلية. وإضافة إلى صعوبات اللغة كان هناك صعوبات أخرى لم تخلو من خلق حواجز في فهم الآخر، "مثل أساليب التعامل اليومي والعادات، وكان من الصعب علينا تفهم الكثير من سلوك الألمان على أصعدة تعاملهم مع الوقت وفي مكان العمل" على حد تعبير رامح مصا، الطالب في العلوم السياسية.
كانت البداية صعبة على صعيد التواصل مع الألمان كونهم معروفون بدقة مواعيدهم حسب رامح، لكن الصعوبات ـ من وجهة نظر الدكتورة دلال الأرسوزي ـ ناجمة من كون البرنامج يتناول مواضيع اجتماعية ذات طبيعة معقدة ومحل اختلاف لأسباب عديدة منها الأحكام المسبقة، ولذا فإن التحدي المطروح من خلال البرنامج هو كيفية تحليل هكذا إشكالات وخلفيات هذه المواضيع ووضع تصورات حلول لها من خلال أطروحات الماجستير التي يعدها الطلاب.
"بحث قضايا شائكة بمنهجية علمية موضوعية"
يعد هذا البرنامج الذي انطلق في مارس/ آذار 2007 على أن تنتهي المرحلة الأولى منه في فبراير/ شباط 2010 الأول من نوعه في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية على مستوى التعاون الأكاديمي بين سوريا وألمانيا. ولعل ما يميزه تناوله " لعلوم تلامس المجتمع والذات في علاقة ديالكتيكية متبادلة يدخل فيها الوعي واللاوعي والثقافة والسياسة في أوجه متناقضة تارة ومتناغمة تارة أخرى" على حد تعبير مديرة البرنامج. أما هدفه فيتلخص في "تشجيع الحوار والتواصل المباشر بين الثقافات على أساس تقديم فرصة للتعرف على الآخر عن قرب وإزالة سوء الفهم الناتج عن جهله " كما تقول الدكتورة ألريك ميتر ممثلة المؤسسة الألمانية للتبادل الأكاديمي في سوريا. وفي هذا السياق تتحدث الأرسوزي عن نقطة انطلاق تتمثل في إجراء بحوث مشتركة في مجالات الإعلام والتاريخ وعلم الاجتماع والسياسة وغيرها بشكل يعتمد على منهجيات علمية حديثة تكفل موضوعية المنهج ونتائج البحث على عكس المنهجيات التقليدية التي هيمنت حتى الآن على الدراسات الاستشراقية في الغرب حول العرب وبعض الدراسات العربية حول الغرب في العالم العربي. وترى ألمى حسون، الطالبة في قسم الإعلام إن المواد الدراسية المختلفة لم تشكل عائقا أبدا أمام التواصل " بل على العكس أضفى التنوع الحيوية على نقاشاتنا وأغناها".
"الطموح إلى تأسيس فرع دراسي حول أوروبا والعالم العربي"
وإضافة إلى التبادل الطلابي هناك تبادل بين الأساتذة في كلا الجامعتين. وقد توزعت تخصصاتهم على الأدب والقانون وعلم الاجتماع والإعلام والدراسات السياسة والإسلامية والتاريخ. ويشمل البرنامج في مرحلته الأولى التي تنتهي أواخر فبراير/ شباط 2010 ثلاثة فصول دراسية، إضافة إلى فصل رابع لإعداد الماجستير. ويقدم البرنامج للطلاب المتفوقين عشرة منح دراسية لطلاب من سوريا لقضاء فصل دراسي في ألمانيا، كما يقدم لزملائهم الألمان منحة مماثلة لقضاء فصل دراسي في سوريا. وبعد انتهاء المرحلة الأولى منها سيتم فسح مجال لعدد من المتفوقين لأعداد الدكتوراه وتأهيلهم كمدرسين من أجل تدريس طلاب الدفعات التالية من الماجستير. أما الهدف المستقبلي للمشروع فيكمن في تأسيس فرع دراسي جديد يتمحور حول أوروبا والعالم العربي، حسب البروفسور توماس فيليب رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة إرلانغن الألمانية. ويشارك في البرنامج من الجامعة المذكورة إلى جانب هذا القسم قسم العلوم السياسية والتاريخية للشرق الأوسط. ومن الجانب السوري تشارك فيه جامعة دمشق بكليتي العلوم السياسية وكلية الآداب والعلوم الإنسانية ومنها أقسام الإعلام والفلسفة وعلم الاجتماع وقسم التاريخ.
عفراء محمد- دمشق
مراجعة: عبده جميل المخلافي