بسبب الانقلابات.. ألمانيا تكيّف استراتيجيتها في منطقة الساحل
٢١ يناير ٢٠٢٤منطقة الساحل ذات أهمية كبيرة بالنسبة لألمانيا، ولقد صرحت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك علانية في عام 2023 حول هذا الأمر قائلة: "سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن ما يحدث في منطقة الساحل يهمنا إلى حدما". ما قصدته الوزيرة بذلك هو خطر تدريب المزيد من الإرهابيين في دول الساحل. وأيضا خطر تزايد عدد الأشخاص الفارين من الجفاف وانعدام الآفق السياسي إلى أوروبا وكذلك الحاجة إلى تشكيل ثقل موازن للنفوذ المتزايد لروسيا هناك.
ففي مالي على سبيل المثال: يعتمد النظام العسكري، الذي استولى على السلطة في انقلاب في مايو 2021، على التعاون مع روسيا أكثر من اعتماده على الشركاء الأوروبيين. واليوم، يدعم مرتزقة فاغنر الروس الجيش المالي الذي يقاتل الإرهابيين والانفصاليين. لم يقتصر الأمر على مغادرة فرنسا، وهي القوة الاستعمارية السابقة، ولكن تم أيضا إنهاء بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي بأكملها بناء على إصرار من هم في السلطة. وبعد أكثر من عشر سنوات، عاد آخر جندي ألماني من مالي في نهاية عام 2023.
في أعقاب الأحداث التي شهدتها مالي حولت ألمانيا اهتمامها إلى شركاء جدد في المنطقة. لكن في النيجر، التي وصفها وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس في مايو/ آيار 2023 بأنها "شريك موثوق"، قام الجيش بانقلاب أيضا في نهاية يوليو. وتم تجميد مساعدات التنمية الألمانية. في ديسمبر/ كانون الأول، أعلنت النيجر أن مهمة الاتحاد الأوروبي العسكرية والمدنية ستنتهي. وفي اليوم نفسه، استقبل رئيس المجلس العسكري عبد الرحمن تياني مسؤولين عسكريين روس واتفق على التعاون الوثيق.
ألمانيا تغير أولوياتها في منطقة الساحل
"لقد فشلت الاستراتيجية الأمنية الأوروبية لمنطقة الساحل"، كما يقول مالتي ليرل من معهد GIGA للدراسات الأفريقية الألمانية (GIGA) لـ DW. ومع ذلك، فإن الأمر لا يتعلق بالانسحاب الكامل، بل بإعادة توجيه الالتزامات.
أيضا تنشط ألمانيا في مجال التعاون الإنمائي في منطقة الساحل منذ عام 1960 حسب جوليان بيرغمان الخبير في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا في المعهد الألماني للتنمية والاستدامة (IDOS). وفقا لمبدأ "بعيد عن الحكومة، ولكن قريب من السكان"، تم إنشاء تعاون مع الجهات الفاعلة المحلية والمجتمع المدني هناك.
ويرى بيرغمان في حوار مع DW مجالا كافيا لتوسيع نطاق هذا الالتزام. وهذا يمكن أن يخلق فرص عمل في الزراعة والبناء والبنية التحتية ويعزز أنظمة الضمان الاجتماعي ويقول: "أنت تعرف الشركاء الذين يمكنك العمل معهم هناك، وتعرف أيضا كيفية تعزيز هذه العلاقات".
التركيز على المجتمع المدني
حتى الآن، كانت ألمانيا "تعتمد كثيرا على الشراكة مع الحكومات التي تضاءل دعمها الشعبي منذ فترة طويلة"، كما يقول الخبير مالته لير من معهد GIGA. ووضح: "بطريقة ما، أصبحت هذه جزءا من المشكلة. وبالنسبة للمستقبل، ينبغي أن نتعلم من ذلك لكي نضمن مسبقا أن المشاريع السياسية تحظى أيضا بدعم المجتمعات المحلية". ويتابع "هذا يعني أيضا أنه يجب عليك تبرير سياساتك للمجتمعات وأن تكون منفتحا على النقد. هذا لم يحدث في الماضي".
فيما يتعلق بمالي، يفترض جوليان بيرغمان أن الحكومة العسكرية لا تمارس السيطرة الكاملة على كل ما يحدث في البلاد. ومع ذلك، فإن مشاركة ألمانيا في منطقة الساحل لن تنجح دون موافقة من هم في السلطة.
لذلك، يجب على المرء أن يبقى التواصل والحوار مع الحكومات العسكرية قائما وأن يجد "طرقا براغماتية للتعاون" تصب في المصلحة المتبادلة، وفقا لبيرغمان.
في ديسمبر 2023، كان وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس في النيجر. وتم التفاوض حول ما إذا كان يمكن الاحتفاظ بالقاعدة الجوية الألمانية في نيامي، وفكر الجانبان كذلك في إمكانية بناء مستشفى، وإمكانية اجراء المزيد من التعاون.
مبادرة "الساحل بلس"
جزء من إعادة تنظيم سياسة الساحل الألماني هو التركيز بقوة أكبر على المنطقة بأكملها. ومن خلال مبادرة "الساحل بلس" تكثف الحكومة الألمانية التعاون مع الدول المجاورة مثل السنغال وساحل العاج وغانا وتوغو وبنين، "لأن الجماعات الإرهابية في المنطقة لا تتوقف عند الحدود الوطنية". كما يوضح بيرغمان
وجاء في بيان مشترك صادر عن وزارات الخارجية والدفاع والتنمية في مايو 2023 أن "عمل الجماعات الإرهابية في المنطقة لا تتوقف عند الحدود الوطنية”. وتتولى وزيرة التنمية الألمانية سفينيا شولتسه أيضًا رئاسة تحالف دول الساحل منذ يوليو 2023.
يقول بيرغمان: "بدلا من التركيز على دولة واحدة فقط في المنطقة، فإن الاستراتيجية الأفضل هي الاعتماد على شركاء مختلفين ومعرفة ما هو ممكن مع كل دولة على انفراد، لكن دون ان نتجاهل أيضا دور المنظمات الإقليمية". وبناء على ذلك، يجب أيضا تكثيف التعاون مع الاتحاد الأفريقي والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس)..
النفوذ الروسي
يقول مالتي لييرل: لقد استفادت روسيا من الفراغ الناجم عن فشل الاستراتيجية الأمنية الأوروبية في منطقة الساحل. ويوضح "كلما انهارت الديمقراطيات أو استولى مدبرو الانقلاب على السلطة، تصل روسيا إلى هذه الدول بسرعة ويمكنها أن تقدم لمن هم في السلطة شيئا جذابا للغاية بالنسبة لهم مثل المرتزقة، وربما الأسلحة، والرشاوى، والدعاية، وحملات التضليل. لكن بالنسبة للمجتمع "ليس لدى روسيا الكثير لتقدمه ".
وبحسب لييرل ليس من المنطقي الدخول في نوع من حرب المزايدة مع روسيا لصالح الانقلابيين، وبالنسبة لأوروبا، ينبغي أن يكون الاستنتاج هو وضع خطة مستقبلية بعيدة الأمد والإصغاء إلى ما تتوقعه المجتمعات من الشراكة.
من جهته يرى بيرغمان أن "أوروبا شريك موثوق به للغاية في دول الساحل، ولا يجب عليها أن تطأطئ رأسها". وقبل كل شيء، سيكون لديها فرصة إذا تمكنت من "إحداث تغييرات وآفاق إيجابية ملحوظة لسكان المنطقة".
وترتبط بعثة الاتحاد الأوروبي الجديدة للأمن والدفاع في خليج غينيا ارتباطا صحيحا بالتعاون في مجال سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. ويضيف "أعتقد أن هذه هي الطريقة التي يجب أن تسلكها أوروبا. لا ينبغي للمرء أن يقوض أو يخون قيمه الخاصة".
أعده للعربية: علاء جمعة